القاهرة 30 يناير 2018 الساعة 09:58 ص
قراءة نقدية : ريم أبو الفضل
تنبت القصةُ عند سعيد نوح من أرض الواقع، ويرويها بماءٍ أسطوري، تمر عليها فصول مناخية ليست كفصول أربعة- ربما أكثر أو أقل- ف تثري نتاجها ثم تطرح لنا ثمارَ الدهشة التي صنعتها تلك الأجواء الفانتازية، فيجد المتلقي نفسه داخل النص فلا يغادره حتى بعد الانتهاء منه
ذلك أن قصص المجموعة تنفتح على تأويلات، وأسئلة ليست قليلة وليست لها جواب، أسئلة لا يشّكلها الطرح الكلاسيكي للقصة، ولا تتشكل في صيغة سؤال كلاسيكي مباشر بل تثير تساؤلات لدى المتلقي بطريقة مراوغةٍ ذكية.
نصوص تناولها الكاتب بأسلوبية خاصة جدا لا تنتمي إلا لإبداعه، تلك الخصوصية التي تجاوز بها تيمات السرد التقليدي، ويعتمد على أشكال متنوعة من الرمزية والتجسيد والأدوات التعبيرية في حيثيات المتن الذي كان يطوعه بشكل يتناسب مع حداثية النص.
ووفق استراتيجية متقنة يقترب من بعض القضايا الإنسانية والاجتماعية والفكرية، ويصنع المفارقةَ بين الخيال والواقع، والممكن واللاممكن، محلقا بخياله في فضاء نصوصه، فكان الحيز الزمكانى ضيقا في الحجم متسعا للعقل.
كشك الأورام عنوان مرتد من داخل نصوص المجموعة إلى خارجها يتخذ غلاف المجموعة مكانا له، لينير بطاقته الدلالية النصوص التي توجته عنوانا ، وقد اكتسب تعريفا بالإضافة وكأنه أصبح مكانًا أو موقعا أوعلما.
يرسم عنوان القصة الخارجي الخطوط الأولية إذ أن العناوين الداخلية تحدد مضامينها أو تتآزر مع العنوان الخارجي، وربما بعضها ينفصل ليستقل برمز يختص بها.
يختزل العنوان الدلالة الفكرية لسعيد نوح حيث مجتمع يعج بأورامه لا يستأصلها ولا يسعى لذلك وإمعانا في القسوة والوجع فالأورام في كشك تباع أو تبتاع.
إذ حملت العنونة روح النص وأوحت للمتلقي ببعض المعاني، فعنوان المجموعة التي يندرج تحته بعض فانتازية القصص عاكسا لبنى النصوص الداخلية والخارجية حيث قصص الموجوعين والمهمشين، وإذا كان عنوان المجموعة هو تيمة تتمحور حولها بعض قصص المجموعة التي شكلت امتدادا له حيث صدمة العنوان التي تثير تساؤلا واندهاشا عن تلك الأورام والأوجاع التي أتت في لفظة جُمعت للدلالة على كثرتها، والتي تجمعت فيما لا يليق بها كمتسع إلا كشك دلالة على ازدحامها ودنو منزلها
يرى (جيرار جنيت) أن العناوين الفرعية والمقدمة والغلاف وعنوان الكتاب في مقدمة فضاء النص المحيط التي ينبغي علينا أن نحيط بها، فعنوان المجموعة موّلد فعلي لتشابكات النصوص وأبعادها الفكرية، فدلالة العنوان اللغوية تتعالق مع بنية النصوص وبعدها ورمزيتها
ثم كانت عناوين النصوص الداخلية التي تحمل دلالات حيث يقول عنها رولان بارت : "العنوان هو نظام دلالي سيميولوجي يحمل في طياته قيماً أخلاقية واجتماعية وأيديولوجية "
مثل "ارع قلبك" و "كشك الأورام"
وتلك التي قال عنها إمبرتو إيكو "العنوان قاعدة عليها أن ترن دائماً وتخلخل الأفكار لدى المتلقي"
على سبيل المثال في عناوين "لم يكن الشيطان أحمق هكذا" و"ولم يكن يجب عل الملائكة" و"موتات ثلاث لرجل وحيد"
عشرون عنوانا يتعالقون مع النصوص لغويًا وتركيبيا ودلاليا فبعض العناوين كعلامات سيميائية مشعة يُبنى عليها نسيج النص
فعنوان نص "أهلا وسهلا" يعد إشارة مشعة لجسد النص، وكأنه نافذة يطل بها على نص يعد عنوانه محورا لشخصية البطل
وتبقى بعض دلالات العناوين مراوغة، تستعصي على القبض، تحتمل تأويلات عدة عنوان " يلزمهم زيارة لطبيب نفسي" الأمر الذي يدفع القارئ إلى تحديد دلالة للعنوان، من خلال البحث في تعالقه مع نص تحتمل ألفاظه فكرا وليست مجرد معنى
ثم تلك العناوين الفلسفية التي تستهل امتدادها من وجع الروح متمثلا في ورم لا يعبأ به الجسد بل يعبر به حيث رغباته وضعفه وإشكالياته حتى في تلك الأسئلة الوجودية التي تعتريه وذلك في عناوين " إن طالب المعرفة لا يشعر أبدا بلذة الأستاذ" و "ألعاب خرافية وهندسية تقف في عين الشمس"
حيث يبني الكاتب عالما يرتكز على الرمزية والغرائبية التي تجعل المتخيل أقرب إلى الواقع
*أما عن لوحة الغلاف وألوانها فقد جاء التصميم بمزيج من لونٍ ناري ولون ترابي غالبًا على الغلاف، ينتمي في فلسفة "الفانج شوي" لألوان "اليانج" حيث يرتبط هذا اللون بعنصر الأرض، ويساعد في تهدئة المشاعر ثم كان الأصفر أقوى الألوان نفسيا..لونٌ طويل الموجة وقد تواجد في الغلاف بشكل بسيط كمحفز عاطفي يقاوم الاكتئاب والسلبية التي أفرزها كشك الأورام
*يُحطم سعيد نوح ما يسمى بالأقانيم الثلاثة للقصة ويُربك تسلسلها الزمني المرتبط بالبنية القصصية الكلاسيكية أو الموباسانية من بداية وعقدة ونهاية، فيحررها من قالبها الكلاسيكي الذي يسجنها، ويضيف لها مساحات من التجريب والتخييل.
وأول ما يستبعده سعيد نوح هو الإهداء كنوع من كسر نمطية استهلال الأعمال الأدبية، أو ربما لا يود أن يُثقل نصه بأكثر مما يحمل من أوجاع وأورام.
اللغة
ترتقي "كشك الأورام" على مستوى اللغة.. لغةٌ جديدة تفتح أبواب النص على سلالة متجددة من المعاني، حيث تداخل عنصرا اللغة والحدث في مسار نصوص المجموعة، فيشعر القارئ بحركية اللغة وديناميتها، مما يساعد على إحياء القصة ونموها، وتدافع الجمل وتنامي الحدث، فاللفظة الواحدة تتحرك لتبحثَ عن التركيب المناسب، والتركيب يتحرك ليبحثَ عن التعبير المناسب، والتعبير يتحرك ليبحث عن الدلالات، وكل هذا السعي والتحرك يعود لوعي المؤلف بالذات.. وبهوية المكان، وسيكولوجية الشخصيات، و تربة الواقع الاجتماعي
يستخدم الكاتب لغة وصف ولغة حوار و لغة تصوير و رمزية في بعض النصوص وواقعية وشعرية في نصوص أخرى حيث كانت اللغة تشبع جماليات السرد وتتمدد في رؤية تتسع للنص
كما يستخدم المفردات بلا وجل ولا قداسة، ويتعامل مع ألفاظه ببلاغة لا تخلو من سلاسة وأريحية في استخدام سياقاتها، فتكتسب المفردة الجامدة بعدا دلاليا وجماليا
وفي ذلك تنوعت مستويات اللغة في المجموعة، ما بين لغة شعرية كامنة، ولغة رمزية، ولغة نثرية تدرجت بين مستويات الفصحى والعامية في السرد أوالحوار على لسان الشخصيات.
ففي قصة "كيوبيد الساحر" يستهل الكاتب قصته بسرد مغاير حيث القصة المعتادة للفتى الثري التي يقوم بغواية الخادمة الفقيرة ولكن سعيد نوح يجسد الخطيئة ويجعلها بطلا للنص تتحكم في أحداثه وصراعه وشخوصه ويعتمد الكاتب لغةً وصفية تقرب المشهد الغرائبي إلى ذهن القارئ فاستطاع أن يخلخل خيال المتلقي ويأخذه إلى عوالم أخرى، ويستهل نصه فيقول
"يقال إن الخطيئة تذهب إلى باب البيت. تجلس مستريحة البال . لا يعنيها وجودَ نور أو ظلام، تماما كما لايعنيها من ستقابل هذا الصباح. هي غير معنية بالوجوه أو بأحوالها هي فقط مرسلة إلى الفيلا رقم 91 بجاردن سيتي من أجل الالتقاء بفريدة ذات الأربعة عشر ربيعا ابنة الخادمة، لابد ستسلم أغلى ما تملك لولد لا تعرف اسمه"
ثم يسترسل الكاتب في لغة وصفية حيث يرى "جيرار جينت" "أن هذا النوع من السرد لا يقدر على تأسيس كيانه بدون وصف"
"قبلها قبلة لم تكن خاطفة على أية حال ثم أزاح جسدها ليستقر بجواره، وأنزل يده عن كتفها وهو ينظر للوحة التي فرت منها أشياءٌ كثيرة، ورغم ذلك مازالت سماؤها الزرقاء تغطي الكثير من البيوت والأشجار والأشرعة والطيور . كانت نظرتها لا تعي كل الجمال الظاهر ولكنها لا شك تحس ذلك الجمال. هل على الجمال أن يُعِي أو يُحس؟!
ف اللغة استباقية تتناسب مع مجريات الأحداث بمفردات خاصة تسير مع مستوى النص صعودا ونزولا، يعتمد الكاتب لغة الوصف التي تقرب المشهد الغرائبي إلى ذهن المتلقي فتتماهى ، وتأخذه إلى عوالم أخرى فيصنع لنفسه من ألفاظها دلالات خاصة، وقاموسا خاصا يليق بموقف البطل وتنامي الحدث حسب الظروف. فكانت الدلالات تختلف وكانت التصورات تتنوع بتنوع نفسية البطل، ويترك دوما للقارئ أسئلة يتأملها ويشرد في كنهها
إن امتلاك سعيد نوح للغة جديدة في سياقاتها يفتح بها لنصه أبواب حداثته على سلالة تجديدية من الوصف فيعرف جيدا كيف يحول اللغة إلى نص درامي ويدمجها ليصنع عنصر الدهشة، يعرف كيف يخلق موازيا لغويا للفكرة القصصية الدرامية، كيف يخلق من الكلمة رمزا، ومن النص أسطورة لغوية
كان لزوما لذلك الصياد الذي راح يمتص رحيقَ الحياة ويرضع لبن الدهشة الأولى أن يحمي تلك الروح، لتعلموا جميعا. لقد دق قلبه أسرع حتى تعدت سرعته المطلوب وهو يرفع ذيل قميص النوم بعد أن عذبه الجلباب، وكيوبيد هذا الذي تلومنني فيه كان هو الشخص الوحيد الذي يعرف أنه حين يزف تلك التشبيهات الرومانسية إلى أنفاسها الهالكة فإنها أبدا لن تهدأ نارها إلا بالاشتعال
مشهد تترابط فيه اللغة مع الحدث وتتفاعل معه وتنبض بنبضه فالكاتب يوظف مفرداته اللغوية الثرية في صياغة لغة درامية تلهث مع الحدث الدرامي مع وعي بالدلالات النفسية للشخصية وتوتر اللحظة
استخدم الكاتب اللغة الرمزية في بعض النصوص مثل نص "يلزمهم زيارة لطبيب نفسي" رغم المناخ الفانتازي إلا أن القصة تحمل اشارات رمزية لمنصات الواقع حين تحدث عن تلك الأنثى التي تصنع خبزها من ثلج يتساقط حيث لم تُسقط عليها السماء مائدة عيسى ولم تعد تتذكر إلا القبلة الأولى
كما كان لاستخدام الترميز مدخلاً فلسفياً لفهم النص , ومنح القارئ فرصة للاستخلاص والتأمل من خلال الإشارات والدلالات والإيحاءات وانعكاساتها في نص"حين غدا الغيم سحابا"
"يحكى أن عصفورا شابا له قدرة مذهلة على الطيران قرر ذات صباح أن يغرد للرب ذاته. بالطبع سأل كثيرا هل يمكن الوصول إلى الرب بجناحيه الضعيفين؟ وكان الرد واحدا لم يتغير أبدا"
وإذا كانت اللغة ومستوياتها السردية قد عملت على إشاعة الغرائبية، فإن بناء الشخصيات اتسم هو الآخر بالطبيعة الغرائبية، وقد لعب الوصف إلى جانب السرد دوراً مهماً في خلق الجو الغرائبي للنص، فالوصف الغرائبي لا بد أن يكون بلغة خاصة بحيث يجيء متعدداً صادماً، بمبالغاته الأسلوبية، وانزياحاته ومفارقاته، لأنه يريد إقناع المتلقي بالاندماج طواعية في الأحداث غير المنطقية
وكما يستخدم الرموز التخصيصية كالعصفور والغيمة والسحاب، وهي الرموز المختصة بنمط التعبير المستعمل فهو يستخدم أيضا الرموز غير التخصيصية الحاملة لدلالات تحيل علي قيمة اجتماعية وإنسانية، ولايترك سعيد نوح قارءه غارقا في إبهام النص فيقول في مقطع آخر من نفس النص وكأنه يعطي مفتاحا للقارئ لفهم رمزية النص
"وهذا أيضا بالنسبة لأحلام الشباب والعصافير، لكن الواقع أبدا يفرض نفسه في النهاية"
ثم تأتي دلالة اللغة مأخوذة من واقع اختلطت فيه المشاهد الحقيقية بالمشاهد الخيالية الغرائبية في نص "ألعاب خرافية وهندسية لشجرة تقف في عين الشمس"
"ربما أغلق الملاك عيونه قليلا ريثما تمر القبلة، لكن المشاهد للملاك الآن يتأكد له تغير ملامحه السمحة السعيدة، لتشي بحزن على الأبواب، تماما كعيني الشيطان الذي سال الماء من فمه، ليصنع ريقا ممتدا كسرسوب ماء يسقط من حنفية بها عطب، ربما فزع الملاك من القبلة الطويلة ويد العاشق الممسكة بثدي البنت، ولهذا ضرب بجناحيه الشجرة التي يتخللها ضوء الشمس الذي أعاد توزيع أضوائه"
عمد الكاتب لرفع الواقع إلى الخيال وخلق منه عالما متخيلا ساحرا برغم وجود أبطال كالشيطان والملاك والغواية وبرغم جرأة الفعل إلا أنه خلق منه عالما لا يشعر فيه القارئ بمشاعر الإدانة حتى أنه كان يتنقل بالقارئ بين فضاءات النص المختلفة المتباينة، وقد جمع في لغته القصصية بين جمال اللغة وإثارة السرد الفانتاستيكي، فانتقاء الألفاظ تحلق بالقارئ في فضاء غرائبي تتجاذبه صراعات الأبطال فكلما غاص الكاتب في السرد الفانتاستيكي اشتد صراع القصة وازداد دينامية وحيوية حيث تصبح الصورة الواحدة متعددة تعكس الكثير من التخيلات الممكنة وغير الممكنة
الألفاظ ليست بمفردها هي المسؤولة عن هذه التحولات في المعاني، ف الكاتب يطوع اللغة ويستخدم المفردة المطلقة في مكون شعري أو واقعي أو ايروتيكي فالمعني جرئ واللفظ غير خادش...وعلى سبيل المثال في هذا النص استخدم مفردة ثدي حيث تطلق المفردة على الرجال والاناث وعلى الإنسان والحيوان وكان من الممكن استخدام نهد بشكل أكثر رقة أو شاعرية ولكن في سياق التعبير تحول اللفظ الجامد الى لفظ مقبول في سياقه
ويأتي نص"إرث2" تطرزه لغة جميلة تنقل القارئ إلى رحاب النستولوجيا حيث يسيطر الحنين إلى الماضي، فينتقل بنا النص عبر أزقة الزمن النفسي متجاوزا الزمن الفعلي الطويل جدا معتمدا على لغة شاعرية تصويرية ترصد حركة الشخصية في إطار سينمائي يعتمد فيه الكاتب عل نقل جزئيات الشخصية ومحيطها الزمني والمكاني، وتتبع نفسيتها بدقة متناهية حتى تباغتك النهاية بوجود تلك الشخصية داخل برواز عليه شريط أسود
يقول (افلاطون): كما تكون طبائع الشخص يكون أسلوبه
قدم الكاتب رؤية مختلفة وواعية للواقع من خلال تقنية فنية عمد بها لإحداث تراكم نفسي لحياة الشخصيات مع الحدث والواقع المباشر مما يجعل هناك نوعا من التواصل مع القارئ فتارة يستخدم المونولوج الداخلي وتارة الحوار
وهنا كان استخدام اللغة الواقعية في نصيّ"شهيرة" و"الاسطى ريعو"
ويثير الكاتب في ذهن المتلقي مجموعة من التساؤلات حول متناقضات الواقع في نصوص "حذاء عمي اللميع" و"أهلا وسهلا" و"بانت سعاد"
تلك الذات المغتربة داخل بناء اجتماعي منهار فجّسد الواقع من خلال استخدامه لغة رمزية وتصويرية تجعل التفاصيل تدب فيها الحياة فمتنح اللحظة القصصية بناءً سردي محكما
اللغة مترابطة بالحدث ومتفاعلة معه، وتنبض بنبضه، لغة واقعية لبطل يبلور واقعية اللغة التي وظفها الكاتب في لغة حوارية تصف الشخصية وتتنوع بين العامية والفصحى لترسم واقعا مهمشا لإحدى شخصيات المجموعة قد يعدها المجتمع ورما، بينما تحمل هي أورامه وأوجاعه
الشخصيات
إذا كان طاغور مهتما بثنائية الحياة والموت فإن سعيد نوح مولعٌ بثنائية الملاك والشيطان وجعلها تيمة خاصة بكتاباته تتميز بجرأة وطرح متفرد
كما أنه يأنسن القيمَ والعوالم المطلقة والغيبية لتصير معادلا موضوعيا لمقاربات اجتماعية وأيدلوجية تعمد لتحليل الواقع
تتنوع أنماط الشخصيات بالمجموعة ويستخدم الكاتب أسلوب الترميز والتعبير غير المباشر عن شخصياته، فالشخصية في نصوص المجموعة هي إعادة خلق للحياة وواقعها المعايش
جاءت شخصيات المجموعة الواقعية مكتملة الدلالة في حين كانت دلالة الشخصيات التي جسدها الكاتب كالملاك والشيطان والخطيئة وجعل منها أبطالا لقصصه ذات دلالة موحية لم يجعلها الكاتب تقوم بفعل خارق أو خيالي بل كانت تلك الغرائبية القادرة على فعل حقيقي حين يكون المزج بين العقل والخيال
وكنموذج في نص "حين غدا الغيم سحابا"
"لكن حين أخبره ملاك ثالث لم يتمالك وتيقن أنه غنى للرب ذاته، وراح يحكي قصته بكل تفصيلها، يرددها على أشجار العشاق، وعربات ترام الفقراء، وسط الميادين. فقال: فهتفت فرحا للحرية" مازال يرددها فوق المآذن والأجراس والقباب، فركع الزرع والورد فوق الأرصفة وعلى المقاهي، ترددت الحكاية، ووصلت حتى أضرحة الموتى. عرفت بحكاية اللحن الذي شنف آذان الله، حتى غدا الغيم سحابا، رغم أن أحدا لم يعرف على وجه الدقة كيف لا يغدو الغيم سحابا، وحين نتأكد من ذلك فلامعجزة هناك، ورغم ذلك لم يترك العصفور مكانا لم تمسه الحكاية، الغريب يا سادة في الأمر أن الرب لم يكذب ذلك"
شخصيات كشك الأورام ليست شخصيات سكونية ولكنها شخصيات دينامية تتغير من خلال محايثتها للبنية السردية بداية من شخصية شريف وفريدة في نص "كيوبيد الساحر" وحتى شخصيات نص "شهيرة"
نجح الكاتب في بناء مستويات الشخصية الثلاث فأشار فقط من خلال السرد للبعد الظاهري وعمد إلى البعد الاجتماعي، وغاص في البعد النفسي، فكانت الشخصيات على درجة كبيرة من العمق والثراء، وعزز ذلك الحوار الداخلي لها وتجلي بناء مستوى الشخصية في نص "ريعو" الذي انتزعه من الحياة، واستخدم سردا مبسطا، فأبرز لنا الأضداد من خلال الشخصية المقابلة
قدم عالما اجتماعيا لفئات من المجتمع، وسلط الضوء على المهمشين، وقدم رؤية وجودية للكون، كما كان للموت حضور مكثف ومفاجئ في عدة نصوص في التعبير عن القهر، والألم الإنساني في مواجهة الواقع، وتنميط هذا التعبير أحيانا في شكل المفارقة، والإحساس العميق بالاغتراب والوحشة، وتقديم الشخصيات المأساوية والمحبطة التي تحمل هذه المضامين
لم يهتم الكاتب بأسماء الشخصيات في بعض النصوص حتى لا يرتبط الاسم بحالة خاصة في ذهن المتلقي مثل "ألعاب خرافية وهندسية لشجرة تقف في عين الشمس" ويلزمهم زيارة لطبيب نفسي" واستخدامه لطريقة حداثية في طرح قصة تقليدية ، فاستخدم حروفا بدلا من الأسماء في نص "قاتلة السيد كاف"بهدف تعزيز الوظيفة السردية للشخصية وما تمثله من شخصيات لها ملامحها الخاصة في المجتمع، واستنباط الدور الموجود في النص
تعدت النصوص الواقعية إلى الواقعية النقدية حيث كان موقف الكاتب الرافض لامتهان الإنسانية واستغلال الإنسان من خلال ما يعبر عنه أبطاله مثل بطل قصة "كشك الأورام" و"الأسطى ريعو" كما كانت تتضح ملامح العلاقات الاجتماعية والبنى الطبقية والتشكلات الأيدلوجية من خلال نصوص كيوبيد الساحر و"قاتلة السيد كاف" حيث يقوم بتعرية الفساد والاستبداد السياسي من خلال بناء الشخصيات ودلالاتها وصراعها
واءم الكاتب بين تركيزه على الشخصيات التي قدمت الجدليات الفكرية من جهة والشخصيات المهمشة في الحياة من جهة أخرى وزاوج بينها أحيانا في نص يجمع بين إشكالية النموذجين مثل ذلك الذي سرق حذاء عمه من أجل شراء ربع كيلو تفاح كان يشتهيه.
استطاع الكاتب خلال الغرائبية في عالم الملائكة والشياطين ب نص "لم يكن الشيطان أحمق هكذا" استلاب مشاعر قارئه مع شخصيات قصصه، فأقنعه بحقيقة القصة ومنطقية بنائها الذي يعتمد في كثير منه على الخيال والفانتازيا، فكان تناوله لشخصية الملاك والشيطان والخطيئة بشكل مغاير فالملاك يخطئ ويسهو والشيطان لم يحمل قارءه عليه ، ولم يصدر المشاعر السلبية المعتادة رغم تسببه في أوجاع وأورام البشر الذي تناول قصصهم في تداخل أو إشارة سريعة للزوج المقهور من زوجته حتى على مستوى علاقتهما الحميمية، وتضمين هذا الفضاء الغرائبي بعض الدلالات الرمزية
صنع الكاتب من الأحداث والصراعات شخصيات مثلت البؤرة المركزية لتكون رمزا لشريحة اجتماعية، لم يقدم وصفا تفصيليا لهيئته الفيزيولوجية الجسدية بشكل مباشر تفصيلي
فيقول في نص "الأسطى ريعو"
أتشرف يا أستاذ أنا الأسطى ريعو
-أهلا وسهلا..وعاوز أيه يا أسطى ريعو مني إن شاء الله؟
كنت أقولها وأنا أتعمد صناعة القرف أثناء الكلام في الحقيقة لم أكن أتعمد صناعة القرف منه لكنني بالفعل كنت قرفانا منه، ومن ملابسه، وطريقة كلامه وحركة عينيه اللتين كانتا تتابعان منادي الموقف، وهدوء صوته الذي يشي بشيء غير طبيعي ولقد أنبت نفسي كثيرا على ذلك بعد أن عدت إلى البيت وسوف تشاركوني تأنيب الضمير حين أنتهي من قصة الأسطى ريعو الذي تجاهل نظرة القرف الواضحة على وجهي
فهنا قد وظف بعض الإشارات التي تعبر عن هذه الهيئة، وهي إشارات ترمز لتشييء الإنسان الذي يخوض صراعا ضاريا من أجل البقاء في حلبة الحياة تدورأحيانا في ميكروباص على الطريق السريع في دلالة لهذا الصراع مع الزمن متمثلا في رحلة سفر لم تكتمل فيقول في جملة تشي بحال طبقة البروليتاريا الرثة
"أربع سنين وأنا قاعد على الطارة بنزل من عربية أركب التانية وكل ده ليه علشان أتجوز وأجيب عيال الله أعلم هيعيشوا ازاي في الزمن الأغبر ده؟ الدنيا عمالة تولع وكل حاجة بقت الواحد منها باتنين"
ثم تأتي شخصيات قصة"حمو" فى محاكاة ساخرة يكشف لنا الكاتب من خلالها لنا عور المجتمع وفساد منظومته السلطوية والأخلاقية، فيعري مكونات المجتمع المقهورة التي تعاني العوز والجوع في نموذج مصغر
إن الوعي القصصي لدى سعيد نوح يتزامن ويتفاعل مع مؤشرات الوعي الاجتماعي وبما تعانيه الذات الإنسانية من تهميش وقهر داخل فضاء تتعدد دلالالته وأبعاده
لتخرج لنا شخصيات قصصه مزيجا مما يراه "فيليب هامون" أنها تركيب يقوم به القارئ وما يقول عنها "رولان بارت" أنها نتاج عمل تأليفي وليست كائنا جاهزا
الصراع
يقول "روب جرييه"
"إن القاص والروائي ذا الذهنية المعاصرة بحاجة أن يكون متشربًا بحس مذهل في الأشياء المعاصرة في كل مشهد حتى الاعتيادي جدا"
كانت الأفكار الواقعية والمشاهد الحياتية التي تناولتها مجموعة "كشك الأورام" تولد مسارا خياليا يمنح الكاتب مساحة لإضافة الدهشة في مسار السرد وحتى نهاية القصة
فشكلت أفقا مفتوحا على الواقعية التي يعيد صياغتها في نسق تخييلي، لتنبت غرائبية تعتمد على اللغة والترميز، وتتمرد على الشكل والبناء الفني التقليدي وتتعدد فيه الأبعاد والمستويات الفنية، لتفتح آفاقا غرائبية تزدحم بتجليات الأشكال الحداثية للقصة
كما تؤسس بناءها الحكائي انطلاقا من مؤشرات فكرية اجتماعية وذاتية تتعالق فيما بينها لتشكل نصا محكيا بتعدد فضاءاته واختلاف أحداثه، وخصوصية شخوصه، وأزمنته التي تنفرد بمرجعية ذاتية
إن سعيد نوح لا يكتفي بخلق صراع في نصوصه وبين أبطاله بل يخلق صراعا في ذهن قارئه صراعات شتى يتصدرها الصراع الأيدلوجي
كل هذا يخلق صراعا ليس تقليديا في جسد النص، وإنما في عقل القارئ تكسير عظم بقلم يطقطق صوته في رأس المتلقي، ليثير تساؤلات ربما لا يجد لها إجابة وربما لا يستطيع أن يصرح بها
الصراع في كشك الأورام ليس صراعا تقليديا، وليس صراعا بين قوتين أو متضادين أنه صراع بين غيب وحاضر بين يقين وشك بين رغبة وتصوف بين ملائكة وشياطين
إن الواقف على سطور نصوص كشك الأورام يرى نوعي اللاشعور الذي صنفهم "جوستاف يونج" إلى لاشعور شخصي يشمل ما يقع لنا في حياتنا الشخصية ولا شعور جمعي واقع في أعماق النفس الإنسانية وهو مخزون من المعارف المتراكمة والتجارب يشترك فيها البشر جميعا
فالصوفية التي يلمسها القارئ في هذا القبول لكل من وما في الكون دون خوض في كنهها وعملها... استدعاؤه للأديان الربوية وغير الربوية .. المجوسية التي يستعير إحدى أقوالها، في قبول تام وكامل للآخر في قول "زرادشت" "ويل لكل محب في محبته ربوة لا يبلغها إشفاق الرحماء" في نفس النص الذي يستدعي صفات المسيح... رهان باسكال الذي يلوح بين بعض النصوص، المسيحية التي أشار إلى تسامح تعاليمها ومناقشة قيمها وقهر وتهميش أصحابها والاقتراب من تابوه الأرثوذكسية المحافظة، التضحية المنمذجة في شخصية المسيح، وقبل كل ذلك اقتحامه بجرأة لعوالم الغيب من خلال الملائكة والشياطين
كما أنه من خلال الفانتازيا واتكائها على الواقع يزاوج الكاتب بين الاتجاهات النفسية ففي نص يغرق القارئ في شجن يتواطأ مع إيهام الكاتب ببطل يموت ثلاث مرات في نص "موتات ثلاث لرجل وحيد"
وفي نص تمزقه الاستفهامات وتعبث به الأسئلة التي يلقيها الكاتب في عقله " حذاء عمي اللميع"
أي صراع يمكن أن يصنعه الكاتب في نصٍ أكثر من ذلك الصراع الذي يصنعه بجملة يقول فيها على لسان البطل وهو يناجي الرب ويشكو له رئيسه في العمل
"لاتضحك عليّ وتقول إن إبراهيم وأمثاله سوف يكون حطب النار، إنه يحضر معنا عظة الأحد، بل إنه يكون في الصف الأول أمام ذلك الأب ويلتقط أشياء من فمه تموت وهي تعبر تلك الصفوف الأولى لكي تصل إلى رؤوسنا التي تكون كالبطيخة المملؤة باللب المخوخ بل أن الأب يخصه بالماء المبارك والبخور دوننا نحن أبناء اللبوءة . ألم تكن هناك هناك يوم الأحد الفائت"
يلمس الكاتب اللاشعور الشخصي لأبطاله، ففي "كشك الأورام" ومن خلال مونولوج داخلي للرجل مع نفسه عن علاقته الفاشلة مع زوجته حيث يتساءل عن علاقة المسؤول مع زوجته من خلال خصوصية أكثر وغرفة واسعة
ويشعر بهذا الصراع الدائر في أعماق البطل الذي تشردت عائلته وهو يستجدي المسؤول من أجل تصريح كشك فيتضح البعد النفسي في النص في تلك المواجهة بين البطل كشخصية مهمشة تتصارع داخلها مشاعر شتى من خلال مونولوج يقول فيه
ماذا لو كان هو هو؟ هل له أبناء؟ زوجته جميلة؟ عنده خدم؟ يمارس الجنس وقتما يشاء في حجرة واسعة
بين كان يتساءل في فقرة سابقة
لم يستطع منذ ثلاثة أشهر النوم مع زوجته إلا ثلاث مرات، هل غيرتها السنوات السبع والليالي السبع التي قضاها في السجن؟ هل نامت لآخر، لكي تستطيع أن تنفق على أبنائه؟ هل أصبح مقززا لها بعد تغير وجهه إثر الحرق الذي شوهه تماما؟ هل وجود سبعة من الأنفس في الشقة الصغيرة منع من إقامة الحياة الزوجية؟
صراع النفس ورغبتها وعوزها واحتياجاتها صراع الحياة بالخير والشر صراع السلطة والطبقة الكادحة
برغم تفاصيل وخصوصية الحدث إلا أن رؤية الكاتب رؤية إجمالية ذات ثراء دلالي تدعم فكرة التحول من الخاص للعام ومن الجزئي للكلي
فقام بتعرية الفساد والاستبداد السلطوي والقهر النفسي في صراع شخصية مسؤول وشخصية مهمشة، وخلق صراع داخلي وخارجي من خلال سرد تفاصيل الحياة اليومية لهذه الشخصيات
كما يتخذ الصراع في نص "قاتلة السيد كاف" شكلين رئيسيين هما الصراع الرأسي في شخصية البطل الذي يستخدم الحيلة من أجل الإيقاع بالفتاة الفقيرة والصراع الأفقي بين السلطة والطبقة الكادحة أوالبروليتاريا الرّثة، فيصبح المكان مشحونا بالدلالات النفسية والتوترات السيكولوجية ويلد صراعا تعلو حدته وتخفت تناوله الكاتب بشكل رمزي من خلال شخصية" السيد" الذي يتكرر لفظها وتتعدد دلالتها
وتقتحم نصوص كشك الأورام مناطقَ متعددةً في بنائها الدلالي من خلال طرح وجرئ وكسر للتابوهات وتوظف إمكاناتِها المختلفةَ لتلج أغوارَ النفسِ الإنسانيةِ إعلاءً لقيمة الإنسان داخل بنية اجتماعية من خلال عدم التحقير من الرغبة والحب والضعف البشري وقيمة الإنسان بشكل عام إذا ما وضعه الكاتب بعالمه في وضع مقارن بعالم الملائكة والشياطيين
تدور الأحداث الفانتاستيكية في زمن واقعي من خلال الفتي والفتاة ثم يرسم الكاتب الحدث، ويبدع في استخدام آلياته وأدواته الخاصة كاللغة والخيال أن يرسم مشهد الخطيئة رائعا، فيخلق صراعا داخليا وخارجيا وكان الخارجي حداثيا بين الأشياء كقطع الثلج والليمون ومكونات اللوحة لتشارك جميعها الحالة الانفعالية المتصاعدة
ثم يطرح تساؤلا متأزما
هل لو كانت فريدة تعلم؟
أكانت تبالي لو أنها علمت بما سيحدث؟
فينقل لنا صراعا مغاير لما يعيشه البطل ثم يرسم الحالة الحميمة بشكل مغاير في تقبل منه لدور الخطيئة والشيطان وفي تعاطف لزلل البطل والبطلة
كما هي سمة في نصوصه الاستسلام أو قبول الآخر كما هو أيا كان هذا الآخر شيء أو كون أو إنسان
فتبدو الأسئلة في ظاهرها وقد أتي بها سياق السرد ولكن تترك القارئ في حالة تأمل من فضاءات سعيد نوح الواقعية الممزوجة بالفانتازيا التي تجعل القارئ يقع في التباس في منطقة تتشابه لحد كبير بين الواقع والفانتازيا
في نص "العاب خرافية" يواصل بنا الكاتب رسم الغواية بشكل تجريبي وتضفير الواقع بالفانتازيا فيجسد الملاك لوظيفة بشرية ويكسبه صفات بشرية كعدم انتباه للبواب صبحي بشكل لا يخرجه من ملائكيته لا تخلو من براءة الملائكة حيث لا يمانع الملاك من تبادل الحبيبين طقوس العشق.. فقط هو يخشى عليهما من قبلة طويلة
يرسم سعيد نوح عوالمه بحيادية دون أن يفرض عل قارئه مشاعر سلبيه أو ايجابية
لا يعبئ قارءه ولا يحمله عل كراهية أي شيء
الشيطان يقوم بعمله رغم بشاعته... الخطيئة تنفذ ماهو مخطط لها ..الملاك في ديمومة..ومع ذلك فقد وقع في سهو أو خطأ
إن أنسنة الأشياء والقيم والرذائل أسلوب ليس لثمة قرب من القارئ يفعله، وإنما يخلق من القصة سردا غير تقليديا
فالغواية أو الخطيئة تصبح البطل والشيطان والملاك شخصيات رئيسية والفتاة والشاب في قصة كيوبيد الساحر هم ضحايا وليسوا مذنبين
تضفير الواقع بالفانتازيا بشكل يرسم للمتخيل دورا حقيقيا فقطع الثلج والسمكة والطيور والخيول عل السجادة كل ذلك كان يدفع السرد وينمي الحدث
يضع سعيد نوح أمام قارئه عبارة تأملية فيقول"الخطيئة تشبه الموت في الحصاد ..ذلك يأخذ روحا وتلك تأخذ رفرفة الروح قبل لحظة القنص"
فبرغم أنه لا يسب الخطيئة ولا حتى الشيطان إلا أنه يضع لها تشبيها بليغا قاسيا تارة وتارة أخر يجعل لها فضلا حين يقول "بفضل الخطيئة ستعرف أن الحياة ستبدأ من جديد"
تموضع الموت في عدة نصوص " لم يكن يجيب على الملائكة، أرث، والأسطى ريعو، ثلاث موتات لرجل وحيد وكشك الأورام" فالموت الفيريقي في بعض النصوص تجاوز إلى الموت الرمزي في نصوص أخرى كموت ضمير المسؤول ثم موته الفعلي، وكأن الكاتب يرى أن هذه نهاية حتمية لحالة الموات الإنساني في المجتمع.
يشارك سعيد نوح القارئ في الحدث وتأزمه، ويخرج نفسه أحيانا ليجاور القارئ فيزايد على نظرية "رولان بارت" عن موت المؤلف يقول في "كيوبيد الساحر"
"هل أمسك بيدها وهو يمضي بها إلى السرير الذي ترفع قواعد أطفال كيوبيد أم أنها سابقته إليه؟! لم أتأكد أقسم لكم فقط كانت هناك أضواء تتلاعب من خلف الستارة ومايشبه الجنون يمارس على سرير ترفع قوائمه أطفال كيوبيد التي تحمل فوق ظهرها العاري أسهما تسددها بدقة إلى قلوب العاشقين
هل شارك الحربَ البشرية الأولى أطفال كيوبيد هذا يا كاتبنا؟!
لماذا تضعون خيالكم الضعيف ليفسد المشهد؟
تسألون عما سيضيفه هذا الكيوبيد لذلك المشهد..أنتم سفلة في الحقيقة..ولديكم تسديدات مليئة بالقسوة والغل ..لكنها بعيدة عن المرمى
على مستوى الأحداث تظهر القصص نوعا من التواصل بين العلاقات الخارجية والداخلية، فتتنامى وحدة المكان والزمان وبناء الشخصيات بشكل متلاحق، يهتم الكاتب بمكنونات اللغة لإضاءة النص من خلال سرده الحكائي،. فيستلهمُ الكاتبُ مفرداتِ السرد من وجود عالم ناتج من وعيِ بحقيقة الشخصيات، وعالم غيبي حوله الكاتب لعالم مشارك ومتفاعل مع الواقعي المأزوم إنسانيا
إن الصراع الذي يشارك فيه الكاتب والقارئ والأبطال والأشياء بداخل صراع سردي مسبّق يصنع من الحالة السردية جسدا حيا ينبض بالحدث ويلح بالتفاعل الإجباري من المتلقي كما أن العالم المتخيل الذي بناه على أطلال العالم الواقعي الموجوع والمكلوم بأبطاله المهمشين تجعله أكثر إيضاحا وكأنها رؤية رباعية الأبعاد
"كم من الغيوم علي أن أصارعها حتى أرى الرب"
كلمة على ظهر الغلاف يقدم بها سعيد نوح فلسفته ورؤيته دون مواربة في وريقات يصارع فيها القارئ مع أبطاله مجتمعا أثقلت غيماته بأوجاع وهموم فأمطر لنا مجموعة "كشك الأورام" في قيظ صيف يرويه عمل فائق التميز