القاهرة 23 يناير 2018 الساعة 01:09 م
أحمد حميدة.. إبداع الشارع السكندرى
فى إحدى الندوات المهمة بمركز الإسكندرية للإبداع كان الناقد الكبير الدكتور محمد حسن عبد الله يقارن بين قصة ظل باب لأحمد حميدة، وإحدى قصص الكاتب الروسى مكسيم جوركى، كان الناقد يقرأ مقاطعا من قصة حميدة، ولا يمسك نفسه عن قول "الله الله.. يا أستاذ" ثم يحكم بأن قصة حميدة أعلى فنيا بكثير من قصة جوركى.
أحمد حميدة المبدع هو صوت الإسكندرية التحتية، اسكندرية التى يعيشها الكثيرون، ولا يراها إلا قلة، صوت يحاول أن يصرخ وإن فى البرية ليُسمع صوت المهمشين والمطحونين والمنسيين من ذاكرة الوطن، يحاول أن يلملم جراح من نسميهم ملح الأرض، لينثرها على الورق، لعل أشواكها المدببة ونيرانها الحارقة، توقظ ضميرا أو تنبه قلبا ميتا.
هو كاتب ذو رسالة إذن، وهو يفخر بذلك ولا ينكره، هو ابن الشارع السكندرى، وهو المعبر عنه، لكن الشارع عنده ليس مساحة مكانية تقاس بالأمتار، الشارع فى أدب أحمد حميدة هو الوطن بطوله وعرضه وعمقه، وهو الناس بجراحهم الكثيرة وآلامهم اللامتناهية وأفراحهم النادرة، البيت يفتح على الشارع، والمقهى يقع فى الشارع، والترام والقطار يسيران فى الشارع، البشر يتدفقون صباحا إلى الشارع، ويتدفقون مساءً من الشارع، وبين خروجهم إليه وعودتهم منه تكون حكاياتهم التى يلتقطها حميدة الفنان البارع ليصوغها فنا جميلا مؤلما.
يقع أحمد حميدة فى مأزق لا يعانيه إلا من كانوا مثله، هو ابن هذه الشوارع، هو واحد من هؤلاء الناس، وهو حريص على التعبير عنهم، لكنه يدرك أنهم أول من لن يسمع صوته، لجهلهم، وابتعاد عالمهم عن الوسيلة التى استخدمها الكاتب للتعبير عنهم (الكتابة)، فهو يكتب عن ناس لن يعرفوه، ويصرخ بالنيابة عن ناس لن يسمعوه، لكنه يظل يكتب غير فاقد الأمل فى أن آخرين من طبقات أخرى يمكن أن يستجيبوا له،
فيغيروا حياة ناس، ليكونوا قادرين على سماع صوته هم أيضا، ويمتلكون الأدوات التى تجعلهم يرون أنفسهم على حقيقتها فى أدبه.
يعبر أدب أحمد حميدة عن العالم السفلى للمدينة، لكنه يستخدم لغة راقية، تقترب أحيانا من الشعر، حتى عندما تكون لغة وحشية كقنابل موقوتة تبغى الانفجار فى القارئ حتى يحس!
وفى هذا الملف يقدم مختبر السرديات تحية صغيرة لكاتب كبير، استحق الكثير جدا، ولم يحصل إلا على أقل القليل، تحية محبة وتقدير من نقاد ومبدعين سكندريين يعرفون قدر أحمد حميدة، وأهمية كتاباته، ويعرفون أن الأجمل والأعمق والواقف فى صف الناس هو ما يبقى دائما، لأنه ليس زبدا براقا يخطف البصر لحظات، ثم لا شئ.
إنه كاتب لا تلهمه الجنيات الجميلات، ولا عرائس الفن المتأنقات، بل تلهمه دقات قلب الشارع الموجوع!
a