القاهرة 23 يناير 2018 الساعة 12:06 م
بقلم: أبو نصير عثمان
مقدمة:
كتبت الرواية عام 1987م، وطبعت عام 1995م فى مائة وواحد وخمسين صفحة من القطع المتوسط، تروى العلاقة الجدلية بين القيادات الأمنية وبعض المجرمين السابقين الموسومين بطباع الغجر فى فترة ما قبل عام 1952م، فيبسطون ملكيتهم الزائفة على أرض باكوس بالإسكندرية، الخاوية، مقابل إمداد عملاء السلطة بالوشايات والرشاوى والأموال الملوثة من تجارة المخدرات والسرقات والإتاوات. وينقسم المجرمون إلى زعماء (أقطاب) لا ينالهم أى عقاب جنائى، وصبيان (مساعدين) يتحملون أوزار السجن والفقر والجهل والمرض.
الشكل الروائى: تقليدى يحتوى على بداية ووسط ونهاية.
• لغة الحكى فصحى مبسطة تتخللها بعض العامية، سهلة الإدارك، واضحة المرامى.
• قسمت الرواية إلى اثنى عشر فصلا معنونا، مما سهل المتابعة، ويسر الإقناع.
• الحوار بين الشخوص عمق تميزهم، ووثق تنوعهم بين فطرى ومخدوع ومنتهز.
• برزت دلال (دودى- دو) امرأة الحلم كشخصية محفزة للخيال ومثيرة للرمز وطلقة للدلالة (التفسير) ومنها مصر، الحضن المشتهى من القاص والدانى والقريب والغريب، الموفر للدفء والأمان والمتعة والهناء والسرور.
• أفلح السارد العليم (الراوى) فى إقناع المتلقى بنقاء سريرته وسط بيئة ملوثة بكافة أنواع الجرائم، حاصلا على التعويض النفسى فى الكتابة عنها روائيا.
• تاريخ أرض الفولى- باكوس- الإسكندرية يوحى بأن وقائع السرد حقيقية، مع تطعيمها بالخيال الفنى المحقق للمتعة وللدهشة فى آن.
• لم يوضح السرد المهنة الحقيقية للراوى، التى يقتات منها، وأفاض فى وصف عشقه للكتب والدفاتر وكتابة الأرواق، مما عزز صدق اعتقاد باقى الشخوص بأنه مرشد (مخبر) للشرطة، ويشاركهم ذات الرأى معظم القراء.
• طوال فترة السرد التى استغرقت عدة سنوات لم يأت الراوى على ذكر زيارة واحدة أو اتصال بأى طريقة بين كاتبه القاطن وسط المجرمين وأسرته؛ زوجته وابنه، القاطنة فى مدينة أخرى خارج الإسكندرية.
المحتوى الروائى:
• ص76 يوجد وصف شيق لملامح وطباع الغجر مع منازلهم المؤقتة (الصفيح) والدائمة (الطوبية).
• ص77 نجد شخوص الرواية الذين "حركوا الحياة فى سبيل البقاء والنقاء" وهم: الوافدون والعامة ثم تجار المخدرات والسرقات وعملاء الإنجليز والسلطة.
• ص84 الوشاة: "بيتى العالى الواقف كالجبل. إنهم يجندون الحثالة لمراقبة الأثرياء. نأكل عيشنا مغموسا بالقطران (بترول الخليج: الذين هاجروا طلبا للمال ثم عادوا به إلى مصر).
• ص91 "يرشقون نظراتهم بظهرى، فتتعثر خطواتى" أفراد العصابة يشكون فى الراوى كواشى.
• ص98 "تخيلتها كوردة فوق عودها الشائك" الراوى يتحدث عن معشوقته دلال.
• ص108 "ينهشون لحمك بلا رادع" من مشاعر الراوى تجاه دلال المغتصبة من العصابة.
• ص140 دلال تصف زوجها بأنه فاقد الرجولة كما تصرح للراوى برأى العصابة فى وشايته ضدهم للشرطة.
• ص141وص149 دلال تنقذ الراوى من تخديره وتحميه من انتقام العصابة، تعاطفا معه، فيكافئها بممارسة الحب معها، لكنها تنصحه بالعمل لمصلحة العصابة اتقاء لشرورهم أو الهرب منهم.
• ص150 فى الختام يتصدى أفراد العصابة للراوى، ويشلون حركته، ثم يطوحون بأوراقه (التى يظنونها خطأ محتوية على أسرارهم وخطفاياهم) فى الهواء، فتتبعثر فى كل مكان، ويصل بعضها إلى قدمي الراوى، دلالة على تفريغها من كل معنى أو قيمة أو فائدة له أو لغيره.
• يوجد احتفاء بالمكان: ص5 بوصف باكوس (أرض الفولى) عام 1981م. ص25 ألتصق بهذه الأرض. ص60 أرض "على سيد الفولى الإنجليزى" عُمرت بعد الحرب 1945م بالوافدين مكونة مناطق كوبرى الناموس والسيوف والرأس السوداء.
• يوجد احتفاء بالأنثى: ص25 وجدتنى مشدودا نحو دودى التى تتطلع إلى المرآة بعينين واسعتين، فى وجه أبيض شهى. ص26 دودى امرأة يتنسم القلب ريحها. ص28 طالعنى شق النهدين. ص38 كانوا يرونها فى عيني بجسدها المتوقد عارية. ص39 مثلت قبالتى بجسدها البض. ص50 امرأة، صدر، رأس، لحم نحاسى.. أفرغ فيها الشبق المحبوس. ص82 زهرة هى فى مستنقع آسن.
• يوجد احتفاء بالطبقة الوسطى والدنيا من المجتمع بباكوس: ص39 هم هنا فى السطح فى الكراكيب. ص45 فلاحون بائعون للعرق والصبر، يشعر الفلاح بالجوع. ص46 الغاضبون والعاصون فى الأزقة. ص53 أنا البسيط تحت زمنى المقهور.
ملاحظات: تنتمى الرواية إلى تيار الواقعية الاجتماعية الذى يهتم بعرض المشاكل الإنسانية الفائرة مجتمعيا.
• طول الفارق الزمنى بين كتابة الرواية عام 1987م ومناقشتها عام 2010م لم يقلل من بهائها ورونقها، فما طرح من مشاكل وأحداث لم يختف من المجتمع بل تفاقم وتعدد وتنوع وتعقد، مما يحفز على مواصلة السرد والإبداع مواكبة لنبض الشخوص ومتطلبات الوقائع الأدبية المحققة للدهشة وللتساؤل والتفكير الإيجابى.
• رغم عشق الراوى للمرأة دلال إلا أن مشاعر الشك تحيط بها، إذ يعتقد أنها جاسوسة من الأقطاب ضده لمعرفة أحواله ونقلها كاملة إليهم وإلى الشرطة المتحالفة معهم، وذلك فى ص144و146و149 (دلال تصف الراوى بالشيطان والعصابة عيال تلعب بالنار).
• ص148 تباع أرض الفولى من الإنجليز والسلطة المتحالفة معهم إلى جد الأقطاب الذى أوصى ورثته بعدم ترك الأرض لغيرهم لأنها تحقق منفعة كبيرة لهم.
• ص150 يفشل الراوى فى الهروب بأوراقه بعيدا عن عيون الأقطاب، وينتابه الشعور باقتراب قتلهم له، فيرجوهم ضمه إليهم طلبا للحياة معهم على هواهم، ويدلل على إخلاصه لهم بقذف أوراقه عاليا فتتساقط فوق رؤوسهم وبين أقدامهم، وفى هذا انتصار مؤقت للشر على الخير، كان على الراوى أن يتجنبه بالبحث عن مخرج آخر يسود فيه الخير مهما كانت التضحيات.
• يوجد بالسرد تضخيم للذات الساردة لإثبات طهارتها وسط بيئة ملوثة، وقدراتها الحسية (الجنسية) مع دلال وسط زمرة من اللصوص والمدمنين، ثم مماسة فعل الكتابة المتسامية وسط طوفان الفقر والجهل والمرض، فالآخرون يرتكبون الفواحش كافة بينما الراوى يخلد إلى نفسه للكتابة عن ظروفهم وبؤسهم ودوافعهم الإجرامية، ولم ينقص السارد سوى أن يجمعهم لحلقات الوعظ والإرشاد إلى الطريق القويم الطاهر من الشرور والآثام، وفى نفس الوقت يستطيب الراوى مضاجعة دلال بدعوى الحب والذكورية..!!
• ص119 يوجد تناص مع رواية "الأم" لمكسيم جوركى بتناظر تراتيب التفتيش لدرك الحكومة عن منشورات سياسية فى القرية الروسية، وعن مخدرات فى أرض الفولى/باكوس، مع تماثل بشاعة مفردات التفتيش وشراسة القائمين بها.
• ص121 ظهرت كراهية الفئات الشعبية للطبقات الحاكمة بسبب غلاء أسعار كل شئ وطرح مواد تموينية فاسدة فى الأسواق.
• ص130و133 الراوى يستنفر مشاعر التمرد والثورة لدى نفوس الصبيان والصغار ضد أباطرتهم تجار المخدرات والمسروقات المدعومين من السلطات الحكومية الفاسدة المستشرية فوق أرصفة الجمارك والموانئ وأبواب التهريب.
• فى السنوات التى تلت 1987م لم يتدن الفساد فى باكوس وغيرها من بقاع مصر بل تلون وتنوع وتعدد وتخفى حتى ليصعب على العين الفاحصة التفرقة بين الفاسد والطاهر فى كافة ربوع مصر.