القاهرة 16 يناير 2018 الساعة 10:57 ص
بقلم: د. رانيا يحيى
استطاعت الموسيقى أن تجسد مباهج الاحتفال بأعياد الميلاد من خلال أعمال فنية موسيقية سواء موسيقى بحتة أو غنائية أو تتعلق بالدراما بشكل أو آخر ،ولعبت الموسيقى فيها دور البطولة لما لها من قدرة على التأثير فى الوجدان والتعبير عن المناسبات التى نعيشها ،فهى ترجمة حقيقية للواقع بكل ما فيه من أفراح وأتراح.
ولأن هذه المناسبة تسعدنا جميعاً لاستقبال عام جديد نستبشره ،فغالباً ما يكون للموسيقى دور البطولة فى هذه الاحتفالات منذ القدم حيث ارتبطت بالكنيسة والغناء الدينى بما يعرف بـ"الابتهالات والترانيم" والتى تؤدى بشكل غنائى يختلط بالسلالم والمقامات الموسيقية مما جعلها تتشابه مع الموسيقى منذ أزمنة بعيدة جداً ،وقد وضع الراهب "أفرام السريانى" أول مجموعة من تلك المؤلفات إلى الحد الذى دعا إلى إطلاق اسم "شاعر الميلاد" عليه حيث كتب الكثير فى مدح السيدة العذراء، كما يعزى إليه تطوير الموسيقى الكنسية السريانية ،ولا تزال هذه الترانيم متداولة فى بعض الكنائس إلى الآن.
وفى القرن الرابع الميلادى وضع "القديس أمبروسيوس" أسقف ميلانو مجموعة أخرى من أشهرها (نور الأمم) ،أما فى القرون الوسطى فقد ظهر عدد كبير من الأغانى والتراتيل الكنسية التى انتشرت بين العامة وأهمها (تعالى إلى جميع المؤمنين) ،كما ينسب لفترة العصور الوسطى المتأخرة تلحين عدد من المزامير التى تنسب لنبى الله "داوود" وجعلها خاصة بعيد الميلاد ،ثم تطور الأمر شيئاً فشيئاً إلى أن بدأ مجموعة من المؤلفين الموسيقيين فى وضع ألحان كنسية دينية للاحتفال بهذه المناسبات الدينية. ومن بعدها ظهرت العديد من الأغنيات الأجنبية التى لاقت نجاحاً مدوياً ولها شهرة عالمية فى جميع الأوساط موسيقية كانت أو غير موسيقية منها Jingle Bells (أجراس الأغنية) التى قدمت عام 1857 للمؤلف الأمريكى جيمس لورد بييربونت كاتب الأغانى الشهير والمولود فى بوستون عام 1822 وتوفى عام 1893.
أما فريدريك اوستين واضع موسيقى The 12 Days of Christmas (الاثنى عشر يوماً فى عيد الميلاد) وهى أغنية تقليدية معروفة كتبت عام 1780 وهى من أكثر الأغانى ذيوعاً وانتشاراً فى أمريكا وأوربا فى القرن الماضى ويدور موضوعها حول الإثنى عشر يوماً احتفالاً بميلاد السيد المسيح ،وتاريخ عرض هذه الأغنية لأول مرة غير معلوم ولكنها تداولت فى أوربا وفى دول اسكندينيفيا فى بدايات القرن السادس عشر ولكن مع بدايات القرن العشرين وضع فريدريك أوستين إعادة صياغة لها وأضاف لها لحنه من (خمسة خواتم ذهبية) ومنذ ذلك الحين وأصبح يعتمد على هذا التعديل.
أما أغنية Have yourself a Merry Little Christma (امنح نفسك عيد ميلاد مجيد صغير) فكتبها المؤلف الموسيقى الأمريكى هيو مارتن وألفها عام 1943 حينما وضع أغانى الفيلم الموسيقى Meet Me in St.Louis (قابلنى فى سانت لويس) وذاعت شهرته بعد هذا الفيلم لما حققه من نجاح، وهذه الأغنية لها العديد من النصوص التى كتبت لها وتتباين فيما بين المظلم الشديد الحزن والمبهج وما بينهما. وهى من أشهر أغانى الكريسماس فى أمريكا وفى كل المجتمعات التى تتحدث الانجليزية.
أيضاً ظهرت أغنية Merry Christmas to You (عيد ميلاد مجيد لك) التى كتبها ميل تورميه وبوب ويلز عام 1944 وهى من أشهر الأغانى الكلاسيكية التى تقدم فى احتفالات أعياد الكريسماس. ومن أقدم الأغنيات We Wish You a Merry Christmas (نحن نتمنى لك عيد ميلاد مجيد) فهى من أروع وأشهر ما قدم فى هذه المناسبة وهى من الأغانى التقليدية التى تغنى بها الكثير من العائلات الثرية فى إنجلترا منذ أواخر القرن السادس عشر وإلى الآن رغم أننا لا نعرف من هو مؤلفها الحقيقى.
كما صدرت عام 1971 أغنية كريسماس سعيد Happy Christmas لجون لينون ويوكو اونو وتغنى بها لينون بمفرده مع فرقة البيتلز ونالت شهرة واسعة وخاصة بعد وفاة لينون عام 1980 ومازالت من أساس الأغنيات التى يرددها الجميع للاحتفال بعيد الميلاد المجيد.ومن أجمل الموسيقات والكلمات The Christmas Waltz (رقصة عيد الميلاد) للموسيقى الأمريكى الانجليزي المولد "جولى ستين" وكتب كلماتها "سامى كان" للمغنى الشهير "فرانك سيناترا" وقام بتسجيلها عام 1954 بجانب تسجيله الجديد White Christmas (الكريسماس الأبيض) ثم قدمها عام 1957 فى ألبومهA Jolly Christmas from Frank Sinatra (عيد ميلاد جميل من فرانك سيناترا) ،ومرة أخرى فى ألبوم The Sinatra family wish you a Merry Christma (عائلة سيناترا تتمنى لكم عيد ميلاد سعيد) عام 1968
. أما أغنية The First Noel)أنشودة الميلاد الأولى) ألفها يوهان باتشيلبيل للكورال الذى يعبر عن فرحته باحتفالات أعياد الميلاد المجيد بأصوات الكورال المتداخلة بوليفونياً (تعدد التصويت) فى حالة جمالية تنقل هذه السعادة للمستمع، كما كتب "زاكار" أغنية When a child is born (عندما يولد طفل) ،وقدم ايرفينج بيرلين أغنية White Christmas (عيد الميلاد الأبيض) وغيرها العديد من الأغنيات التى طالما تصدح معبرة عن الفرحة والبهجة بهذه المناسبة لدخول عام ميلادى جديد.
هذا بخلاف الابتهالات والتسابيح الدينية التى تقدم من خلال بعض الأعمال الكلاسيكية حيث كتب "موتسارت" Laudamus Te (نحن نسبحك) وذلك فى "قداس دو الكبير" الذى كتبه عام 1782-1783 فى فيينا لاثنين سوبرانو وتينور وباص وعدد مزدوج من أعضاء الكورال وأوركسترا كبير وهو من أشهر القداسات الدينية الموسيقية ،وقد سبقه الايطالي "انطونيو فيفالدى" الذى ينتمى إلى عصر الباروك بـ (نحن نسبحك) أيضاً فى عمله Gloria )المجد) ،كما كتب "هندل" سيمفونيته الشهيرة (هيللويا) عام 1741 لإحياء هذه المناسبة.
كما كتب بعض المؤلفين الكلاسيكيين الآخرين بعض الأغانى لهذه الاحتفالات وأشهرهم كان Ave Maria
(القديسة مريم) للمؤلف الرومانتيكى "فرانز شوبيرت" عام 1825 وهى من أكثر أعماله شهرة وجماهيرية حيث غناها أكبر عدد من مغنى الأوبرا فى ربوع الأرض. ومن أروع الأريات الكلاسيكية أيضاً (القديسة مريم) التى كتبها الموسيقى "جيوليو كاتشينى".
هذا بخلاف باليه كسارة البندق الذى يعد واحداً من أهم الأعمال التى تجسد احتفالات أعياد الميلاد وسنفرد له المقال القادم بالتفصيل. هذه مجموعة من الأمثلة الغنائية والموسيقية التى عبرت عن احتفالنا بعيد الميلاد المجيد ومباهج هذه المناسبة وما تعكسه داخلنا من سعادة ليتشارك فيها جنس البشر جميعاً ،ولعل الموسيقى دائماً وأبداً أحد مظاهر التحضر الإنسانى وشعاراً للسلام والوئام العالمى.