القاهرة 02 يناير 2018 الساعة 09:05 ص
بقلم: د/ صفاء علم الدين
اللانهائية مجموعة قصصية للمؤلف الشاب عبد الفتاح أمين إنتاج عام 2016 ، وهى مجموعة مكونة من إثنتى عشر قصة مختلفة القصر والطول واللغة والتوجه والشخصيات والنوع، وإن إمتازت المجموعة ككل بلغة سهلة بعدت عن التقعر ، وأحياناً مزجت بين عامية الشخصيات ولغة المتنورين فى الوصف والتقديم ، سواء بلسان حال الشخصيات أو بلسان حال المؤلف أثناء مجاراتها لشخصياته أو تحديهم له.
تنوعت الأمكنة والأزمنة فى المجموعة القصصية ، فنجد فى قصتى (عرش الكبير)، وقصة (ديجافو) الذين اتخذتا قرى مصر فى شمالها أو جنوبها ملجأ للاقتباس والتقديم مع الاختلاف فى الفكرة المطروحة فى القصتين، واعتماد قصة (عرش الكبير) على فكرة الأسطورة ومدى قوة تأثيرها وسيطرتها على عقول العامة، حتى صارت حُكماً يفرض قانونه حتى وصل الأمر لحد الخوف الذى يُمكن أن يُهلك صاحبه، وهو ما حدث، ولقد أحسن المؤلف اختيار البيئة المطروح من خلالها الفكرة ، فلقد اتخذ أحد قرى صعيد مصر موقعاً لأحداثه.
وذلك لطبيعة البيئة الجغرافية والايدولوجية عن بيئة المدن والعواصم، والطبيعة المعمارية والفكرية لها ، كما إن المؤلف قدم تأثير لفكر الماضوى على الحاضر، فى حين قدم فى القصة الأخرى الماضى وتأثيره من خلال البقاء الغيبى بذرات الوجود الباقية ، تأكيداً على قانون المادة ، بأنها لا تفنى ولا تستحدث من العدم ، ولكنها تأخذ صوراً أخرى، وهو ما اعتمد عليه المؤلف فى قصة (ديجافو) عندما اكتشف بذاته مع المتلقى بأنه عاش فى السابق فى نفس المكان، وقد ظلت ذراته متناثرة بعد الموت حتى اجتمعت روحه فى جسد آخر هو المدرس الجديد .
لذلك أرى أن المؤلف قد أحسن اختيار المقطوعة النثرية المقتبسة من برتداند راسل "الخوف هو المصدر الرئيسى للأساطير .. هو نبع القسوة .. والانتصار على الخوف .. بداية الحكمة" (ص 94) كمقدمة لنص (عرش الكبير)، بينما اختيار مقطوعة أفلاطون فى مقدمة قصة ( أفلاطون) " نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر.. ومتعصبين إذا لم نرد أن نفكر.. وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر"(ص 31) .
فقد استخدم المؤلف المقطوعات النثرية ا لمقتبسة من الكتاب والشعراء والحكماء العالمين كحكم موضوعة أسفل عنوان كل قصة، لتخبرنا عما سيحدث فيما بعد من أحداث، وهو استخدام موفق خاصة فى افتتاحيات بعض القصص كقصة (عرش الكبير)، و(أزمة شوشة)، وقول محمود عباس العقاد فى مقدمة قصة (درويش)، وقول ويليم شكسبير فى مقدمة (شيزوفرينا).
اعتمد المؤلف على العالم الخفى واللغة المستترة عن البشر فى تقديم بعض القصص، كما حدث فى قصة (أفلاطون)، فلقد كانت القصة منذ البداية حتى قبل النهاية قصة عادية تستعرض مشاعر تعاطف شخص تجاه آخر ، فإذا بالمفاجئة تنهال علينا فى مشهد النهاية عندما يقدم لنا المؤلف شخصية أفلاطون، الذى يعانى فى حجرة الانعاش، وتعاطف معه المتلقى منذ بداية القصة على أنه حصان فى مأزق، حصان يحمل بداخله مشاعر إنسانية تتألم وتتعذب.
وفى هذه القصة أضفى المؤلف على لغة الحيوان الطابع الإنسانى بعقلانيته وأحاسيسه ووجدانياته، غير عابئ بما قدم.
تنوعت المجموعة القصصية فى جرعتها العاطفية بين القوة والضعف والرقة، ففى قصة (تنورة) و(عازفة الكمان) بلغت الجرعة العاطفية والوجدانية مداها، فخطاب المؤلف كان معزولاً برقة جعلت حديث القلب نبضاً متوهجاً فى كلى النصين، فكلتيهما لامس القلب، لما يحملاه من المشاعر الإنسانية والدفعة الوجدانية الكبيرة. فى حين قصص (كشرى –خربشات سيريالية) و(لانهائ)، و(شيزوفرينيا) ، و(أزمة شوشة) جميعها رغم اختلاف أزمنتها وأمكنتها، إلا أن المؤلف فى تلك القصص كان يعرض أفكاراً مضطربة مخترقاً عالم العقل الباطن والظاهر، وهو ما أبعدها عن عالم المحسوسات والوجدانيات لعالم متخيل، احتلت فيه شخصية المتكلم (المؤلف) ذاتها محل الصدراة، حيث كانت تتحرك وتفعل وتحاور وتناقش وتتحدى وتعارض وترجو أحياناً..إلخ.
فقد اعتبر المؤلف نفسه كيان يختلف عن كيانه الوجودى المادى الإنسانى، منقسماً إلى كيان إنسان آخر يجادل ويعترض فى ديالوج بينه وبين نفسه، وقف فيه المتلقى شاهداً وطرفاً ثالثاً، يُشهدُهُ المؤلف على ما يقوم به ، وما وصل إليه من نتائج ومفردات ، فى حين يكون المؤلف فى قصة "ديجافو" مستعرضاً لعالم الأرواح الخفى الذى ربما يتناسخ عبر العصور أو ينتقل أو يظل كما هو ذرات متناثرة فى الفضاء ساعة فى عالم لانهائى حتى يحين الوقت المناسب لتجتمع تلك الذرات فى جسدٍ آخر متقمصة روح أخرى، وهى نفسها الفكرة، التى تقوم عليها فكرة التناسخ الروحى فى الحضارة الهندوسية القديمة ..
وتنوعت الأزمنة بين الماضى الأسطورى والحاضر والمستقبل القريب والبعيد فى الفضاء الكونى اللانهائى حيث اللامكان واللازمان، ظهرت فكرة "العدم" ، والذى ترأت ملامحه فى أكثر من قصة حتى تجلى بالقصة الأساسية والنهائية بالمجموعة، وهى قصة "لانهائى" .
وكما قال شمس التبريزى لولا العدم والفراغ لما استطاعت الأشياء الانتصاب والوقوف منتصبة القامة .
إجمالاً : تميزت المجموعة بالتنوع فى الأفكار مع تشخيصها واقتباس لسان حال المؤلف وتدخله فى الحدث كأحد شخصيات القصة بشكل معلن وواضح وأحياناً متحدى .
اقتبس المؤلف تقنية الكتابة المسرحية، والإذاعية والحوار الإذاعى ، واعتمد على الحديث النفسى (المنولوجات) الممزوجة بالديالوجات كما هو معروف فى الدراما المسرحية الإذاعية.
اللغة كانت بسيطة سهلة تقترب من عالم المتلقى الآنى بشكل استعراضى، الصور تزاوجت فى الاقتباسات من الواقع المحيط ، وعالم الفانتزيا - المتخيل المعتمد على تداعيات العقل الباطن - فى جرأة تحسب للمؤلف .