القاهرة 25 ديسمبر 2017 الساعة 12:25 ص
هل الثقافة قادرة على رسم استراتيجية ثقافية تدعم الدولة في حربها ضد الارهاب؟
د. هويدا صالح
في الوقت الذي تحارب فيه الدولة الارهاب والأفكار المتطرفة، وتدعو إلى تجديد الخطاب الديني وتنقيته من الأفكار العنصرية والطائفية والتي يستند إليها الارهابيون كمرجعية فكرية في ارتكاب جرائمهم ضد مواطني الوطن، مدنيين وعسكريين تخرج دعوات مغرضة تطالب بتفكيك وزارة الثقافة أو نقل الهيئة العامة لقصور الثقافة ( الثقافة الجماهيرية) إلى وزارة التنمية المحلية، وتعلو الأصوات باتهامات للمثقفين أنهم لا يؤثرون في الشارع ولا يقودون الجماهير. وبقليل من التأمل والتوقف أمام هذا المشهد برمته، نجد أن الدولة في محاولاتها لتجديد الخطاب الديني لم تهتم بتجديد الخطاب الثقافي، فلا معنى مطلقا أن نطلق دعوات التجديد للخطاب الديني دون الاشتغال على ثقافة القاعدة العريضة من المصريين الذين يجب أن يتخلصوا من مقولاتهم العنصرية والطائفية والتي تنال من الآخر، وتقلل من شأنه، وتتحيز ضده. لا يكفي أن تتخذ الدولة قرارات بشأن إنصاف المسيحيين المصريين مثلا والجماهير الغفيرة من الشعب لا تؤمن بمساواة المسلم والمسيحي، ولا تعتبر أن المسيحي شريك وطن وأخ وواحد من المكونات الثقافية التي تكون المجتمع المصري مثلهم مثل المسلمين. وحدها الثقافة هي القادرة على القضاء على مجموعة الأفكار العنصرية والطائفية التي تنال من شريك الوطن. وحدها الثقافة عبر الفن والأدب هي ما تنقي الخطاب الثقافي الشعبي من تلك المقولات، بجانب طبعا تنقية التراث من الأفكار الراديكالية الماضوية التي تحرم وتقصي وتنال من الآخر المشارك في الوطن. ربما ما يمكن أن تقدمه مسرحية يفوق كثيرا مئات الخطب والمواعظ التي يمكن أن يقدمها مجموعة المشايخ وإن تبنوا خطابا دينيا تنويريا. وما يتركه عمل موسيقي أو سينمائي أو تشكيلي في نفوس الناس يفوق مئات الخطابات الوعظية، فالأثر الذي يتركه الفن أو تتركه الثقافة أعمق كثيرا ويساعد الناس على نزع أفكار الكراهية والدونية والإقصاء.
آليات وزارة الثقافة في تجديد الخطاب الديني
وزارة الثقافة تمتلك آليات إجرائية يمكن أن تساعد الدولة في حبها ضد الارهاب والأفكار المتطرفة. وحدها الثقافة تملك بيوت وقصور ثقافة في طول مصر وعرضها يمكن أن تصبح أذرع الدولة لمكافحة الارهاب وليس الارهابيين، فلا يكفي الحل الأمني للقضاء على الارهابيين؛ لأنهم يتناسلون بشكل عنقودي، ولن نقضي عليهم ولو اجتهدنا دون أن نقاوم أفكارهم بالفن والأدب، فالأفكار المتطرفة تنتشر انتشار النار في الهشيم، ومواقع الانترنت تساعد الارهابيين على اجتذاب عناصر جديدة بشكل يومي، بل على مدار الساعة، فمهما قاومناهم أمنيا، لن نتمكن من اقتلاع جذورهم إلا بخطاب ثقافي مستنير، هذا لن يتم إلا عن طريق تفعيل دور مؤسسات الدولة الثقافية.
رسم السياسات الثقافية
طالما نتساءل عن الأدوار الملتبسة التي تجعل مؤسسات وزارة الثقافة تتنافس لا تتكامل، تختلط فيها الرؤية والأدوار، فالهيئة العامة لقصور الثقافة تقدم منتجا ثقافيا يتقاطع، بل قد يتعارض أو يتكرر مع منتجات ثقافية تقوم بها مؤسسات أخرى مثل المجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب وقطاع الفنون التشكيلية والمركز القومي للمسرح والمركز القومي للسينما وأكاديمية الفنون، فهي تقدم نشر ثقافي وسينما ومسرح وفن تشكيلي وفرق موسيقية وهكذا وهذا يتقاطع مع أدوار المؤسسات للأخرى، بل حتى في قطاع ضيق مثل قطاع النشر نجد كتابا نشر في الهيئة العامة للكتاب، وبعدها بشهور قليلة نشر نفس الكتاب في الهيئة العامة لقصور الثقافة، فهل يدرك المسؤولون عن النشر مثلا أهمية البحث والفرز والاختيار الدقيق عن بعض الكتب وخاصة المترجمة حتى لا تتكرر من مؤسسة لأخرى مما يفقدها دورها الذي تفعل؟.
كذلك يتخبط المجلس الأعلى للثقافة الذي يتقاطع مع بقية المؤسسات وينافسها في إنتاج منتج ثقافي وفني، رغم أن هذا ليس هو دوره المنوط به أو المنتظر منه والذي أنشئ من أجله. المجلس الأعلى للثقافة مهمته الرئيسية هي رسم السياسات الثقافية لكل المؤسسات الثقافية ولا ينشغل بالمؤتمرات والفعاليات والأنشطة التي يمكن أن تقوم بها الهيئة العامة لقصور الثقافة(الثقافة الجماهيرية) كما لا يجب أن ينشغل بالنشر الذي يمكن أن تقوم به الهيئة العامة للكتاب.
الصناعات الثقافية تحديات الثقافية المصرية المستقبلية
إن الصناعات الثقافية هي واحدة من الصناعات المهمة في العالم والتي انتبه إليها العالم مؤخرا، صناعات : السينما والمسرح والكتاب والحرف التراثية والموسيقى والفن التشكيلي والفنون البصرية والأدب وفنون الرقص التراثي والحديث، وغيرها من الصناعات الثقافية. وتمتلك مصر كنوزا من هذه الصناعات، بل تقوم الهيئة العامة لقصور الثقافة ( الثقافة الجماهيرية ) بهذه الصناعات من خلال بيوت وقصور الثقافة. كما يجب أن تضع وزارة الثقافة خطة تسويقية لهذه الصناعات الثقافية تشاركها فيها وزارات التعاون الدولي والخارجية والاستثمار، ساعتها ستصبح الصناعات الثقافية واحدة من أهم مصادر الدخل القومي للبلد، وتصبح وسيلة من وسائل الدعاية السياحية المقدمة مجانا، فلو أننا أوصلنا المنتج الثقافي للحرف التراثية مثلا لأوربا، سندخل للبلد عملة صعبة، ويصبح هذا المنتج الثقافي وسيلة من وسائل الدعاية السياحية لمصر..
ماذا لو وضعنا استرايجية تنموية حقيقية تعتمد على المنتج الثقافي، وتقاوم الأفكار المتطرفة وتحقق رواجا ثقافيا وسياحيا لمصر؟ ماذا لو أننا أخذنا مثالا لبني حسن في محافظة المنيا، وهي منطقة سياحية هامة، توضع دوما على الخريطة السياحية للسائحين الذين يأتون لمصر، وأنشأنا أمامها مثلا معرضا للحرف التراثية والصناعات اليدوية، وصنعنا أمامها ماكتات أو نماذج تحاكي طريقة الحياة في مصر القديمة، وصنعنا أفلاما تسجيلية أو عروضا للصوت والضوء تصور تاريخ الدولة القديمة والدولة الوسطى التي عاشت في تلك البقعة من تاريخ مصر القديمة ، وصنعنا عروضا مسرحية تشتغل على تنمية الوعي وحس الانتماء وقيم المواطنة وقيم الدولة المدنية وتم عرضها مجانا لمنطقة المنيا ووسط الصعيد؟ ماذا لو أننا أنشأنا ورشا صغيرة يعتمد على صناعة الحرف التراثية، ومعرضا تباع فيها منتوجات هذه الورش الصغيرة للسائحين القادمين ، مما يرفع من الدخل القومي لهذه المنطقة؟ ماذا لو عملنا أفلاما تسجيلية لكل هذه الصناعات والأنشطة التي أقيمت في منطقة بني حسن مثلا وأرسلت هذه الأفلام التسجيلية للعرض في السفارات المصرية في البلدان المختلفة مع عقد اتفاقيات مع الجمعيات الأهلية والثقافية في البلدان التي توجد بها هذه الصناعات، فتصبح دعاية للسياحة المصرية؟.
وأخيرا ماذا لو لم تعتبر الدولة الثقافة وزارة خدمات تقدم خدمة للمواطنين وأنها عالة على بقية وزارات الدولة؟
في وقت تحارب فيه مصر الارهاب يجب أن تصبح الثقافة والتعليم وزارتين سياديتين لا تقلان أهمية عن وزارة الدفاع ووزارة الداخلية. لسنا وزارة خدمات ، بل نحن وزارة سيادية تحافظ على الهوية الثقافية المصرية وتقوي قيم الانتماء للوطن مما يحافظ على الأمن القومي لهذا الوطن.