القاهرة 12 ديسمبر 2017 الساعة 11:25 ص
البالون عبارة عن مساحة واسعة مليئة بالهواء، من نفخة أو من جاء به من الأصل لا أعرف، لكني أجد نفسي داخله أنا وبعض الناس، لكن ينزوي كل منا في بالون صغير يخص كل واحد فينا، والبعض يحاولون أن يصنعوا بالونات مناسبة لحمل شخصين أو أكثر، في هذا البالون الذي وجدته بالصدفة ومصنوع لحمل شخصين، دخلت فوجدت هذا الرجل بداخله، لكنه كان غريبا، في الغالب ظننت أنا التي غريبة لأني لم اعتد على رؤية الرجال أو حتى معرفتهم، فأنا قابعة لسنين داخلي بدأ الحديث بعذوبة تشبه لمعان الثلج في مياه شفيفة، وقد أخذني حكيه وصدمني بواقعه الحزين، رفرف قلبي حزنًا له وعليه، لماذا يعاني هذا
الرجل من كل هذه المآسي الحياتية في أيامه، والده لا يفهمه، أخته غير متعاونة معه، أصدقاؤه أنذال جميعا؟!
لكنه حزين وجميل وهادئ وطيب، استرسل في حكيه حتى بدأت أنا أحكي له عن حياتي، الحلو بها والمر، وعن رغبة داخلي سكنتني منذ رأيت جدار بالوني الصغير وحينما خرجت منه لأجد بالونًا أكبر، يالهذه الحياة، نحن كبشر نتمادى في سخفنا وغطرستنا وننسى أننا كائنات تعيش في بالون منتفخ بالهواء، وأخبرته بتلك الملاحظة أيضًا، كتبها على ورقة وخطب بها أمام الناس وصفقوا له بحرارة، وجاء ليحادثني عن أهمية أن تكون أفكار الإنسان من وحي علمه الجم وخياله العميق.
قدرت أن ما حدث شيء عابر ، واسترسلنا في حكينا ومآسيه وأيامي ، كان يكتب أيامي في قطع من الورق وينشر ويشير للناس الآخرين أنها لي، أحسست بالغضب والحزن، عاتبته للمرة الأولى ولكنه استخف بي جدًا وغضب بشراسة عنيفة لم أتخيل أنه ككيان ملائكي يمكنه أن يكون هكذا، لكني تحملت ذلك، بدأ الضغط علي يكبر ويكبر، وبدأ يأتي بمنفاخ كبير وينفخ في فمي ورئتي حتى أصبحت كيانًا بلا معالم، وأخذ يتأفف مني ويخبرني أنه لا طاقة له بالتحمل أن تجلس في بالونه فتاة مثلي ، لكني ذكرته بما فعل وما قال، وبوعده أنني سأكون معه في البالون مهما حدث.
لكن ثار أكثر وغضب أكثر وطردني بشدة من البالون الثنائي، ولكن قبل أن ابتعد تمامًا عن البالون وجدته يرحب بأخرى ويحاول جذبها إلي بالونه وهي تنظر له بافتتان وقد عاد الوجه الملائكي الذي رأيته أول مرة، إنه لم يكن فقط الوجه، لقد كانت الرائحة، إنه لا زال بالداخل ينزوي بركن ما حزين ومنطوٍ إلى نفسه، بينما انتشرت هناك عند فتحة البالون رائحة اكتشفت أنها هي التي جذبتني لدخوله.
رائحة لنظرة ما، لكلمة ما، لفعل ما، رائحة جاذبة بالفعل، تنتشر في الهواء حول البالون وحول فتحته، رائحة مخدرة تنشي الإنسان من هو وماذا يفعل في الحياة، لكني أفقدت منها على وهم شديد الكآبة، وأعرف أن الأخرى ستفيق مثلي كذلك، بعد أن تكون رائحة الوهم زالت عنها، وعادت للانتشار مرة أخرى عند فتحة البالون، هنا فقط في تلك اللحظة ستشعر المسكينة باضطراب شديد، وخوف، وضياع وبؤس، وستندس بسرعة في أقرب بالون تراه فور خروجها من الحياة البالونية الوهمية السابقة.