القاهرة 28 نوفمبر 2017 الساعة 10:17 ص
بقلم: محمدعبدالستارالدش
لم يكن نجيب محفوظ مجرد كاتب مصرى عربى يحصل على جائزة نوبل –وهى أكبر جائزة عالمية – نظرا لمشواره الأدبى الذى رسخ فيه للرواية المصرية العربية بالشكل الفنى المعروف عالميا ،بل تفوق فى بعض الأعمال على هذا البناء .و تميز نجيب محفوظ فى رواياته بالغوص فى أعماق المجتمع ليصور بكاميرا قلمه كل صغيرة ،وكبيرة من حارات ضيقة إلى بيوت أرقى ؛حتى أصبح كل منا يقابله شخصية من شخصيات نجيب محفوظ فى
الحياة.
وهو فى بنائه لعمله الفنى ،ودقة تصويره للواقع ،وسرده المحكم ،وأسلوبه المتميز لا يمكن أن تخطىء العين العمق الفلسفى والنفسى فى أعماله.وعلى الرغم أنه يتحدث عن الواقع الاجتماعى فى كثير من أعماله لكنه صاحب رسالة إنسانية وجودية،أو كما أسماها رجاء النقاش الواقعية الوجودية ،حيث يكشف المجتمع بكل تفاصيله :القبح – الجمال .البلطجة – البطولة. الشهامة – النذالة. الكبرياء والكرامة – الذل والخضوع – الحرية – الذات الإنسانية ...وغير ذلك من قضايا اتكأ فيها على الواقع المصرى وشخوصه ،إلا أن هذا الواقع كان بمثابة النموذج للإنسان بشكل عام ،وإن اختلفت القشرة الخارجية.
فلم يكن نجيب محفوظ مجرد كاتب مصرى عربى فاز بنوبل ،وإنما كان فاتحة خير على الأدب العربى ليوضع على طاولة العالمية ،ولفت الأنظار إليه من كل عيون النقد والقراء على مستوى العالم. الأمر الذى أكده كثير من الصحف والدوائر العالمية المختصة. والحقيقة أن هذا قد حدث فى زخم الفوز بنوبل ،أما بعد ذلك فللأسف لا.وهو ما يدفعنى للتساؤل على المستويين الثقافى والإبداعى: هل استفادت مصر من فوز نجيب محفوظ عالميا؟.
الجواب بكل اطمئنان لا.فمصر- مع عراقتها التاريخية ،وما تملكه من مقومات الثقافة المتعددة كالأثار، وبيوت العبادة ،وشواطئها المتعددة؛حيث تطل على بحرين عظيمين ،وفَنونها ،وغير ذلك من كنوز- فقيرة تسويقيا لنفسها بين دول العالم ،فى الوقت الذى كان يجب أن تكون مصر من أوائل الدول التى تجيد فن تسويق سلعها المختلفة وأخص الثقافية والإبداعية بحكم التراكم المعرفى التاريخى ،وتجاربها المتعددة ،وانتشار أبنائها فى كل بقاع الأرض يكتسبون الخبرات ،ويضيفون للمواقع المختلفة من فكرهم.
فكيف تغيب عن مصر استراتيجية التسويق وضرورتها؟! لابد "أن تنشىء الأسواق وتغزوها وتسيطر عليها " كما يقول [فيليب كوتلر] فى كتابه [كوتلر يتحدث عن التسويق] ولتحقيق ذلك لابد من فك الشفرة من خلال معرفة التفسير العلمى لقرارات الشراء كما يقول [ فيل باردن] فى كتابه المعنون ب[فك الشفرة]. والغريب مع مرور السنوات إلى اليوم لايوجد فى مصر مركز أو مؤسسة خاصة أو رسمية تخصصت فى ترجمة أدبنا وثقافتنا من العربية إلى لغات العالم الأكثر حضورا وانتشارا وتعمل على ذلك بكل جهدها.
وهذا أمر هام لأمة ذات حضارة قديمة تريد أن تضع قدما على أرض الحضارة فى التاريخ الحديث بين دول العالم المتحضر. كما لايشغل هذا الأمر وزارة الثقافة على الرغم أننا على مستوى الإبداع الأدبى ، لانقل رقيّا بشكل مجمل عن الإبداع العالمى ،بل قد نتفوق أحيانا فى بعض الجوانب الإبداعية والدليل فوز نجيب محفوظ بنوبل ،وبعض الأدباء الآخرين ببعض جوائزمن مؤسسات أجنبية ذات أهمية.وهنا أتساءل عن دور ملحقياتنا الثقافية فى الدول التى تتواجد فيها ،ماذا تفعل هذه الملحقيات ؟ وما استراتيجية عملها ؟ وماذا قدمت من أعمال من أجل الوطن؟ وما طبيعة هذه الأعمال ؟.
هل من مهام وزارة الخارجية بمكاتبها المتعددة فى الخارج التعريف بثقافتنا المتنوعة ذات البعد الحضارى الإبداعى الذى يساهم فى بناء الإنسانية أم لا؟وإذا كان هذا من مهامها وهو بالتأكيد كذلك فما الترجمات التى قامت بها لأعمالنا الثقافية والإبداعية؟ولمن هذه الترجمات ؟ولمن قدمت ؟وما الوسائل التى لفتت بها أنظار الخارج لهذه الأعمال ؟وما رد فعل الآخر بعد معرفة هذا الجانب الثقافى الإبداعى الفكرى عندنا؟
أسئلة مشروعة؛ حيث يصاب كل إنسان محب للوطن بصدمة عنيفة تبين حجم التفريط الذى تمارسه الدولة الوطنية فى حق نفسها ؛حيث لم تقدم خارجيتها الدور اللازم المطلوب منها دائما وخاصة مايرتبط بالثقافة الراقية الواعية الوطنية ،التى تعد بمثابة السفير الحقيقى لدى الشعوب بكل محبة وهدوء فكرا وإبداعا . كما يضعها فى مقارنة هزلية تؤكد أن جماعات الإسلام السياسى كانت أكثر تسويقا لفكرها فى أغلبه عن طريق القنوات المختلفة خارجية وداخلية من إذاعة ،وتليفزيون ، ووسائل تواصل اجتماعى،ومؤسسات تعليمية،ولقاءات مع روابط ،ومسؤولين وغير ذلك من وسائل اتصال مختلفة لإيمانهم بفكرهم ،وضرورة توصيله لأكبر عدد من الجماهير على اختلاف مستوياتهم داخليا وخارجيا.
فأين أجهزة الدولة المختلفة المعنية بالشأن الثقافى المستنيربكل أشكاله ،الذى ينهض بالدولة فى مواجهة قوى الدمار؟أم أن أجهزة الدولة أدمنت الشعارات،واللافتات،والأغانى؟. فالأوطان فى حركة تقدمها لاتقوم على الشعارات والأغانى إلا إذا كانا مرآة عاكسة للعمل الحقيقى على أرض الواقع ؛
لتأكيد المصداقية بأن هذه الدولة تقول ماتفعل،وتتغنى بما تَمّ ،وتدفع للمزيد .
من هنا أتساءل :مامعنى أن يكون منا نجيب محفوظ ،ولا يعرف العالم إبداعاتنا ،وثقافتنا بشكل يليق بما أنتجه المبدعون والمفكرون المصريون العظماء؟أم تظل عقدة الخواجة؟!
وهذا لايمنع أن بعض المبدعين المصريين معروفون فى بعض دول العالم بجهودهم الفردية ،وفى دوائر ضيقة لا تعطيهم الانتشار الكبير.
ما معنى أن نكون فى العصر الحديث بوسائل الاتصال المتعددة الجبارة فى التأثير، ومصر بثقافتها المتنوعة ،وتاريخها الكبير ،ومبدعيها العظام على اختلاف ألوانهم ولا يعرف كثير من شعوب الأرض عنها شيئا بعيدا عن الدوائر السياسية الرسمية؟!
جميل أن نتفاخر بتاريخنا ،ولكن الأجمل أن نصنع تاريخا عظيما فى العصر الحديث تستفيد منه الأجيال القادمة وتتغنى به.والأمرلا يحتاج إلا صدق الانتماء،وقوة الإرادة لكل المصريين ،والإصرار على التنفيذ بكل حب وجلد .