القاهرة 28 نوفمبر 2017 الساعة 10:07 ص
كتبت: محمد علي
عندما يرنوا إلى بصرك مشهد ما لفيلم يعرض بالتلفزيون، للطرق والكباري وشوارع وسط المدينة، بزوايا مرتفعة وأحجام لقطات واسعة، تدرك على
الفور بأن هذا الفيلم يحمل توقيع مايسترو السينما المصرية محمد خان.
خان الذي تعلق بالسينما من خلال فيلم الرحلة لأنطون يوني، متأثرا بالرومانسية وبالتكوينات التي تبرز المشاعر الإنسانية من خلال أحجام اللقطات القريبة الذي عدت بالنسبة لخان فنا خاصا يندرج تحت العمل ككل، معبرا من خلال ذلك عن مشاعر إنسانية يُشعر بها دون الحديث عنها، محققا بذلك غاية الفن.
كان خان ذلك الشاب الذي سافر إلى لندن لدراسة الهندسة المعمارية، وهناك قرر تعلم فن الإخراج السينمائي ليعود إلى مصر في آخر السبعينيات، ليصنع فيلمه القصير الأول الذي حمل اسم "البطيخة" معبرا به عن رؤية خاصة له في اختيار الزوايا وحركات الكاميرا، ومن ثم يبدأ فيلمه الطويل الأول "ضربة شمس" في مطلع الثمانيات مجتمعا مع أبناء جيله بميزانيه خاصة بهم مشتركا مع السيناريست "فايز غالي" ومدير التصوير "سعيد الشيمي". ويحكي خان عن الصعوبات التي واجهت إتمام هذا الفيلم حتى لجاء إلى الاستدانة من البنوك، وبيع ممتلكات خاصه به.
ولكون خان مخرج رومانسي استخدم لغته السينمائية في تحويل نصوص الكلمات إلى صور مرئية مبهجة ومريحة للعين الحالمة التي تشاهد أفلامه، متفاعلة مع التأثيرات النفسية لشخصياته.
وكانت لشخصياته النسائية قدر هائل من الاهتمام، فجعل من شخصياته النسائية عالم موازي يعيشان فيه مرتبطان ببعضهم البعض، سواء برابطة تصلهم ببعض في سياق الفيلم أو بمؤثرات تعبر عن مشاركتهم لنفس الهموم والأحلام والآمال نفسها.
وكذلك شخصية فارس الذي حملت على عاتقها بطولة ثلاثة أفلام له، لكل منهما عالم خاص يدور في فلك رغم وجود حلقات قد تصل بينهم، إلا أننا نجدها تارة في شخصية فارس سائق البيجو الذي يسير على الطرق السريعة يبحث عن الحب وسط عيون ووجوه الركاب من السيدات، حتى يجده ولكن يتعرض لصعوبات تمنعه من الاستمرار.
ومرة أخري تجده فارس المدينة الذي يسير في المدينة ذهابا وإيابا في تشتت وصراع مع نفسه ومن حوله باحثا عن ضالته الذي لا يعرف عنها الكثير. ومرة يكون فارس الحريف الذي يعيش وسط المدينة مرغما بعد أن فشل في أن يكون لاعب كورة لاحد الأندية الكبيرة، وفشل في أن يستمر تحت مظلة الأسرة والابن.
تعرض خان للنقد كثيرا سواء كان نقدا موجها لعمل من أعماله أو كان نقدا منصبا عليه لكونه مخرجا باكستاني-بريطاني فرض نفسه علي صناعة السينما المصرية، لكنه لم يكن يتأثر بهذه الآراء، موجها كل طاقته في الرد عليهم بأن يخرج أعمال فنية أكثر وأكثر ، حتي اشتهر بمقولة "التالي"، لذلك قدم خان إلينا 21 فيلما من أمتع أفلام السينما المصرية رؤية بصرية وما أكثرها من شاعرية ورومانسية، فعاش محبا لهذا الوطن غير عابئا بخانة الجنسية معتبرا نفسه مصري الهوي بالانتماء والحب، وفي عام 2013 أعطي الرئيس المؤقت حينذاك المستشار "عدلي منصور" الجنسية المصرية للمخرج العظيم "محمد خان".
عمل خان مع كبار ممثلين مرحلة الثمانينيات والتسعينيات وجيل الألفية الحديثة. أمثال: نور الشريف، أحمد زكي، سعاد حسني، فردوس عبد الحميد، عادل أمام، خالد أبو النجا، غادة عادي، منه شلبي، هند صبري، ياسمين رئيس، احمد داود.
وتوقفت كاميرا خان عن تصوير وتجميل واقعنا الأليم في فجر السادس والعشرون من يوليو 2016، تاركا لنا أرثا عظيم من مجموع أفلام ومحاورات تلفزيونية، ومجموعة مقالات جمعت في كتاب سمي "مخرج علي الطريق" كما هو كان حال خان.
رحم الله من وقف في منتصف النفق المظلم ينتظرنا وفي يده شمعة تضئ لنا الطريق، يحسنا على مثابرة هذه الحياة وكيف نحياها. رحم الله محمد خان.