القاهرة 17 اكتوبر 2017 الساعة 11:46 ص
كتيت: سمية سليم
جمعت بين 4 أوطان عربية، هي فلسطين التي ولدت بها لأم من أصل سوري، وأب لبناني الجنسية، لكنها عاشت شبابها إلى وفاتها في قاهرة المعز، إلا أنها كانت شاعرة وأديبة الوطن العربي كله، رغم إتقانها لخمس لغات أجنبية هم "الإنجليزي، الفرنساوي، الإيطالي، الألماني، الأسباني".
تُعرَف تلك الشاعرة بـ "مي زيادة"، لكن اسمها عندما ولدت بمدينة الناصرة الفلسطينية هو "ماري إلياس زيادة"، الفتاة التي قضت طفولتها في فلسطين الوطن، ومراهقتها في لبنان، وبقية حياتها في مصر حيث تابعت دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
ومن مصر، بدأت تُعرف "زيادة" بموهبتها في الكتابة حيث نشرت مقالات أدبية ونقدية واجتماعية منذ صباها فلفتت الأنظار إليها، و نشرت مقالات وأبحاثاً في كبريات الصحف والمجلات المصرية، مثل للمقطم، والأهرام، والزهور، والمحروسة، والهلال، والمقتطف.
بالرغم من أن لغتها الأم هي العربية، إلا أن أول ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية بعنوان "أزاهير حلم" عام 1911، وفيما بعد صدر لها "باحثة البادية" عام 1920، و"كلمات وإشارات" عام 1922، و"المساواة" عام 1923، و"ظلمات وأشعة" عام 1923، و"بين الجزر والمد" عام 1924، و"الصحائف" عام 1924.
أسست "ميّ" ندوة أسبوعية عرفت باسم "ندوة الثلاثاء", جمعت فيها صفوة من كتاب العصر وشعرائه, كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف, أنطوان الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, و أحمد شوقي.
"إني أخاف من الحب، لكن القليل منه لا يرضيني".. إحدى مقولات مي زيادة عن الحب، الذي عاشت منه حب أفلاطوني صوفي بينها وبين الكاتب والشاعر جبران خليل جبران الذي استمر حبهما عشرون عامًا عن طريق المراسلات الكتابية دون اللقاء ولو لمرة واحدة، وهو الوحيد الذي بادلته حباً بحب وإن كان حباً روحياً خالصًا وعفيفًا.
وللأسف فإن الكثير من رسائل مي لجبران قد اختفت، ويعتقد بأنه تمّت سرقتها من قبل امرأةٍ لبنانيّة أخرى أرادت احتكار ذكرى جبران لنفسها ناكرةً بهذا الوجود العميق لمي في حياته، أما رسائل جبران لمي فهي كاملة.
عانت الكثير بعد وفاة والدها عام 1929 ووالدتها عام 1932، وحبيبها جبران عام 1931، ما أدى إلى دخولها مستشفى للأمراض النفسية في لبنان مدة تسعة أشهر، عد أن حجَر عليها أهلها في هذا البلد، الأمر الذي جعل الصحافيون وبعض الكتاب يحتجوا على هذا الأمر، فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها وأقامت عند الأديب أمين الريحاني عدة أشهر ثم عادت إلى مصر.
فقدان الأحبة دفعة واحدة، كان بمثابة ضربة قوية لصمودها لم تستطع مواجهته رغم محاولاتها العديدة، بالكتابة والسفر إلى انجلترا تارة وإلى إيطاليا تارة أخرى لإلقاء المحاضرات، فكان أقوى منها حتى غلبها تمامًا عام 1941 في مستشفى المعادي بالقاهرة عن عمر الـ 55 عامًا، ولم يمشِ وراءها رغم شهرتها ومعارفها وأصدقائها وهم ثلاثة فقط : أحمد لطفى السيد، خليل مطران، وأنطوان الجميل
وقالت هدى شعراوي في تأبينها "كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة"، وكُتبت في رثائها مقالات كثيرة بينها مقالة لأمين الريحاني نشرت في "جريدة المكشوف" اللبنانية عنوانها "انطفأت مي".