القاهرة 06 اكتوبر 2017 الساعة 10:51 م
محمد علي
منذ أن أذاع الراديو البيان الأول لعبورالقوات المسلحة خط بارليف والانتشار على طول القناة، انشغل سينمائيو وفنانو مصر بالحرب،وقام كل منهم بدوره، فذهب مخرجون ومصورون يحملون كاميراتهم للجبهة لتصوير وتأريخ أيامالحرب، وعلى الرغم من المضايقات والمنع واصل هؤلاء السير قدما من أجل التقاط لحظةانتظرها هذا الجيل وعانى من شر هزيمتها وانكساراتها. وحتى منتصف التسعينيات ظلت كاميراتهم تدور معبرة عن أكتوبر.
وانقسمت أفلام أكتوبر إلى نوعين.
1- الأفلام التسجيلية التي توثق حقائق ووقائعالحرب ونتائجها سواء في الواقع الاجتماعي أو ساحة المعركة، وكذلك تتبين نتائج الحرب.
2- الأفلام الروائية والتي تعتمد على سيناريو مكتوب خصيصا للسينما معتمدا علي قصص خيالية، وإن كان بعضها مأخوذا بشكل مباشر عن قصص حقيقة.
وهذه المحاولات قدمت لنا أفلاما سينمائية عدة تعبر عن حرب أكتوبر من خلال وجهات نظر مختلفة.
في الأفلام التسجيلية، ورغم وجود طلاب معهدالسينما وإدراج مخرجين تسجيليين وإلحاقهم بالجيش في ذلك الوقت، لم يسمح لهم بالتصوير في أيام الحرب الأولي وما قبلها. وكان إعاقة هؤلاء السينمائيين والمصورين غير مفهومة، وإن كان مبررها الحفاظ على الأسرار العسكرية، فلو تمكن المخرجون والمصورون من رصد وتصوير لحظات اقتحام خط بارليف وملاحم القتال بالخنادق، لأصبح لدي السينماالعربية أهم وثائق ومراجع لحرب أكتوبر، وبالأحرى كانت ستغير في معاير تصوير وفنيات الأفلام الروائية الطويلة.
وكان لدي المخرج داود عبد السيد والمصور الراحل شادي عبد السلام، بعض المواد المصورة في خضم الحرب، ولكنها كما عُرفبعد ذلك سلمت للشئون المعنوية وتم إعدامها، لكونها صورت المجند المصري بشكل لا يتناسب مع النصر الذي تحقق.
ومن المعروف أيضا أن الشئون المعنوية للقوات المسلحة تمتلك أرشيف صور محفوظ يخص حرب أكتوبر ولم تعرض مواده كاملة ولم تسمح لعرضه سوي لبعض المخرجين الذين نفذوا أفلاما تعرض الحرب.
كما إن معظم الأفلام التسجيلية التي صنعت لأكتوبرتحتوي على مشاهد تمت إعادة تمثيلها وإعداد أماكن تصوير مخصوصة مما أفقدها الواقعية التأثيرية المعروفة للفيلم التسجيلي، وهذا جعلها في موضع هزيل، لا يرتقي للتعبيرعنها.
من أمثلة الأفلام التسجيلية:
فيلم الانطلاق ليوسف شاهين.
صائد الدبابات لخيري بشارة.
مبكي بلا حائط لهاشم النحاس.
وكان الحال في الأفلام الروائية لا يختلف كثيرا، إلا إنها قد انقسمت إلي ثلاث فئات مختلفة:
فكان منها الذي صنع عقب الحرب مباشرة، فجاء منتشيا بالنصر ومغنيا به، فرحا باستعادة الكرامة وتوحيد صفوف المجتمع كخط دفاع خلفي للجيش، كأفلام: الوفاء العظيم، الرصاصة لا تزال في جيبي، حتى آخر العمر، العمر لحظة.
ومع دخول الثمانينيات وعقب فترة الانفتاح الاقتصادي، بدأت أفلام الحرب تدخل غمار السياسة، وأصبحت تعرض أكتوبر من زاوية سياسية، تري إن صناع الحرب وقادتها هم الفقراء والبسطاء المهمشين مجتمعيا، وإن مكاسب الحرب كانت من نصيب الانفتاحيين والموالين لسياسة التطبيع، كأفلام: سواق الأتوبيس، زمن حاتم زهران، كتيبة الإعدام، الكرنك، المواطن مصري.
وبمنتصف التسعينيات، بدأ ظهور دور الدولة وجهاز الإعلام بإنتاج أفلام عن أكتوبر، لكنها تعرضت لفترة ما قبل أكتوبر - حربالاستنزاف - باعتبارها جزء من أكتوبر، كأفلام: الطريق إلى إيلات،حائط البطولات، يوم الكرامة.
ورغم عدد الأفلام الروائية الضخم المعبر عن أكتوبر لم يجتز أحد منهم المستوي الفني المتواضع، وتصميم المعارك الواهية والفشل في تصوير بطولات الحرب، كما كان اعتمادهم على البطل الشعبي المأخوذ من اللاوعي الجمعي للمجتمع ضررا على القصة السينمائية الذي خرجت بمستوي ساذج مكرر كما في قصص الميلودراما، في حين كانت الحرب نفسها بطلا ثانويا يمكن استبداله بأي حدث أخر.
والتركيز على شخصية الجندي الفقير والشخص المحبط، اللذان يدخلان الحرب لأسباب شخصية، لا يعبر عن ضخامة التضحية، حيث أن هذا يظهر الفروق الطبقية في صفوف الجيش.
السينما هي بمثابة مرآة للمجتمع والواقع،لكنها فشلت في نسج أفلام تعبر عن حرب أكتوبر وما بعدها من تطورات سياسية واجتماعية، لذلك أتت الأفلام على هذا القدر من التواضع الفني والفكري، فظل انتصار أكتوبر انتصارا عسكريا محدودا، لذلك لم ينتج منه نهضة اجتماعية، فكرية.
أرجع النقاد وبعض السينمائيين فشل الأفلام الروائية المعبرة عن أكتوبر لكونها صنعت من أجل النزعة التجارية واستغلال المناسبة لصنع هذه الأفلام، وبعض الأفلام لنقص الإمكانيات المتاحة . ولكنهم لم يبرروا المستوى المتواضع لهذه الأفلام.