القاهرة 26 سبتمبر 2017 الساعة 10:07 ص
دعا الدكتور جمال حمدان لإنشاء مدرسة جديدة لعلم الجغرافيا في مصر والوطن العربي تخرج من النطاق الأكاديمي إلى رحاب الحياة الواسعة والثقافة العامة والخروج من الجامعة إلى المجتمع، أي أن يخرج العلم إلى الإعلام لا ينغلق على نفسه فينفر منه المثقفين والعامة، كما طالب الجغرافيين بأن يبتعدوا عن اللوغاريتمات والمعادلات الصعبة التي تثقل على القارئ قارئته لهذا العلم الذي ظل سنوات وسنوات بعيدا على يد المثقفين والعامة، ولكن المطلوب في نظره الجغرافيا الجميلة، الجغرافيا كعلم جميل ، فمزج فيها ما بين علم الجغرافيا، الذي لا يتعدى مفهومه لدى البعض نطاق الموقع والتضاريس، وعلوم التاريخ والاقتصاد والسياسة، ليخرج لنا مكونًا جديدًا أسماه "جغرافيا الحياة" وهذا المصطلح ليس بمعنى "الجغرافيا الحيوية" وإنما يقصد every day life geography"" أي جغرافيا تنسج الحياة اليومية ودورة حياة الناس الجارية في نمط الإقليم ومورفولوجية الأرض.
يرى "ريتشارد بيت" في كتابه القيم بعنوان الفكر الجغرافي الحديث؛ ليس مهما البحث عن تعريف لعلم الجغرافيا، بقدر ما هو مهم تحديد ما الذي يمكن أن يصنعه هذا التعريف. فهل يمكن للجغرافيا أن تساعد الناس على فهم الخصوصية والاختلاف بين الأماكن؟ وهل يمكن أن تعزز الجغرافيا لدى الناس شعورًا بأهمية وتقدير الأماكن بدلاً من التصارع عليها؟ تلك هي المسئولية الملقاة على عاتق علم الجغرافيا.
ربما لم تضف الجغرافيا إلى المعرفة الإنسانية حرفًا واحدًا جديدًا، ولكنها تجمع ما توصلت إليه سائر العلوم الطبيعية والاجتماعية للمتعلم العادي والمثقف العام؛ فمثلاً لن يصبح كل متعلم في الدنيا متخصصًا في النبات والحيوان إذا لم يعرف شيئًا عن الغابة الصنوبرية، غابة المطر، الإستبس، الكنجارو أو الرنة أو حتى.. غيرها، إلا إذا كانت دراسته الجامعية تحت بند الجغرافيا، فأين ومتى سيعرفها؟ لن يعرفها قط؛ وهذا بالنسبة للعلوم، أما الثقافة فشيء آخر.
الجغرافيا علم يدرس الارض كموطن للإنسان لذا فأنها تشترك مع الجيولوجيا في مادة الدراسة دون الغوص في أعماق الأرض . وهي تدرس الإنسان ككائن اجتماعي وليس كأفراد، ولهذا تشترك مع علم الاجتماع وعلم الاقتصاد والعلوم السياسية في الدراسة والموضوعات. ولأنها تدرس موطن الإنسان و التأثير المتبادل بين الانسان وموطنه ، لذا فأنها علم بيئي فالجغرافيا علم يدرس التنظيم المكاني لعناصر البيئة الطبيعية والبيئة البشرية وتفاعلها مع بعضها البعض ومتبادلة التأثير، أما بالنسبة للتاريخ ، فالمكان هو الساحة التي التحمت عليها العصور وتكونت عليها وعلم المكان هو علم الجغرافيا ، أي أن الجغرافيا هي الجذر الجبري للتاريخ .
أن هذا العلم شهد في الفترة الأخيرة ما لم تشهده غيرها من العلوم؛ فصعود الأقمار الصناعية غرضه الأساسي دراسة النواحي الجغرافية، سواء الأقمار الهادفة للتجسس أو دراسة التطور المكاني أو حتى التصوير الفضائي، فكلها تصب في روح الجغرافيا، و ظهور برامج التحليل المكاني والإحصائي أزاد هذا العلم طفرة كبيرة حتى إنه أصبح يستوعب تخصصات لم يكن يستوعبها من قبل، فتجد نفسك صديقي القارئ في دهشة عندما تعلم أن الجغرافيا دخلت في حشايا علوم الطب البشري والبيطري، فمؤخرًا نشرت مجموعة من العلوم عن تطبيقات جديدة لقياس تحرك الأورام من خلال خرائط يتم مراقبة تطورها باستخدام برنامج يدعى (Arc GIS)، وبهذه الإحداثيات الجديدة آن لنا أن نطرح سؤلا هل من المطلوب تغيير في منهجية هذا العلم والبحث في أصول فلسفته حتى يتثنى لنا مواكبة العصر الذي يتجدد ويتغير ويتقدم يوما بيوم.