القاهرة 20 سبتمبر 2017 الساعة 10:33 م
الشمس وردة.. لطاهر البرنبالى
عبده الزرّاع
شعر الأطفال يحتاج -بلا شك- إلى موهبة كبيرة، لاتتوفر لدى جميع الشعراء ممن يكتبون للكبار، وقد شهدت العشر سنوات الأخيرة اهتماما كبيرا، بشعر الأطفال كتابة ونشرا، فصدرت عشرات الدواوين بالفصحى والعامية لشعراء من أجيال مختلفة، ولكن -للحق أقول- أن الجيد منها قليل، بحكم صعوبة هذه الكتابة التى لابد وأن تدعمها موهبة استثنائية، وأرى ضرورة أن يكون شاعر الأطفال قريب من عوالمهم، ومن المتعاملين معهم، حتى تكون تجربته الشعرية أكثر نضجا وجاذبية للطفل، وإلماما بأفكاره وقربا إلى روحه.
ولأن سلسلة "كتاب قطر الندى" منذ صدورهفى منتصف 1995 وهو يشجع نشر شعر الأطفال، وتقديم الشعراء الجدد، فقد يرجع له الفضل وللقائمين عليه فى تقديم جيلى والأجيال السابقة واللاحقة عليه.
والمتأمل لمشهد شعر الأطفال يلحظ زيادة عدد دواوين العامية المنشورة على عدد دواوين الفصحى، وهذا دليل على ثراء شعر العامية بمفرداته الأقرب إلى روح ووجدان الطفل، خاصة مرحلة الطفولة المبكرة، وأنها هى لغة الحياة اليومية التى يستخدمها الأطفال والكبار.
وفى هذه الدراسة نتناول ديوان من شعر العامية للأطفال، للشاعر الراحل طاهر البرنبالى، بعنوان: "الشمس وردة"، الذى ينتمى لجيل الثمانينات الأدبى، وجاءت تجربته الشعرية للأطفال متأخرة قليلا عن تجربته الشعرية للكبار، وأصدر عدة دواوين متميزة للأطفال، وأصبح له بصمة تميزه فىهذا المجال.
فى هذا الديوان الصادر عن سلسلة كتاب قطر الندى،والذى يحتوى على سبع قصائد هى: "يا ريتنى، الشمس وردة، عيد الطفولة، آدىب لدنا، حبيبة، لو رحنا المكتبات، خالد" تنتمى جميعها لمرحلة الطفولة المتوسطة التى تبدأ من سن 9 إلى 14 سنة تقريبا.
يقول إليوت: "إن النقد الأمين يجب أن يوجه للشعر لا للشاعر"، ولأن النقد الموجه لأدب الطفل عموما قليل مقارنة بأدب الكبار، فيجب علينا هنا ونحن نتصدى لمثل هذا العمل أن نتجرد من كل ما يربطنا بالشاعر، ويكون الفيصل هو نصه محل الدراسة.
يبدأ البرنبالى ديوانه بقصيدة "ياريتنى" وتعتبر مفتتحا موفقا للديوان، توضح فضل الكتاب والقراءة، يقول:
"يا ريتنى فضلت نونو
وبيقرا فى الكتاب
يتفرّج وبعيونه
بيفتّح ألف باب"
ويوضح من خلال هذه القصيدة، كيف أن القراءة تفتحأفق التفكير أمام من يقوم بفعلها، بل تثقفه وتخصب مخيلته، وتجعله أكثر وعيا وإدراكا لما يدور حوله، ولكن البرنبالى يهتم بالمعانى المجردة فى التصوير، بعيداعن المعانى المحسوسة التى هى أقرب إلى عقل ووجدان الطفل.. فيقول فى جزء آخر من القصيدة:
"أنا كنت ولد صغيّر
وبيعرف فى العلوم
وأعرف أكيد أظيّر
أفراحى للنجوم
وأقدر كمان أغيّر
أحلامى كل يوم"
يعطى البرنبالى إهتماما كبيرا للمعلوماتية وبثها داخل قصائد ديوانه أحيانا يوفق فيها بشكل فنى، وأحيانا أخرى تأتى جافه وتقريريةولا تضيف جديدا لما يأخذه الطفل فى كتبه المدرسية، وهذه ليست وسيلة الفن، بل الفن يبدأ بعد أن يغلق باب المدرسة بعيدا عن الوعظية والتلقين والمباشرة، وجاءت هذه المعلومات فى شكل أسئلة تشغل بال وعقل الطفل فى هذه المرحلة العمرية، مثل: من أينتشرق الشمس؟ وأين تغيب؟! وغيرها من هذه الأسئلة التى لا يكون لديهم إجابات شافية عليها.. فيقول فى قصيدة "الشمس وردة" التى تحمل عنوان الديوان:
"إمبارح والنهارده
بأحلم بالشمس وردة
·
دلونى فهمونى
الشمس نور عيونى
مين أول طريقها
ومين يبل ريقها
وفين بتروح ليلاتى
تفارينا ونفاريقها.. إلخ".
ويعود بنا فى قصيدة "آدى بلدنا" ليثبتمن خلالها بعض المعلومات عن حضارتنا المصرية القديمة وانجازاتهم التى علمت العالمنوهنا يتقمص الشاعر دور المعلم، وهذا الدور غير محبب للأطفال -كما أسلفنا- ولكنالبرنبالى يحاول جاهدا أن يأتى بهذه المعلومات فى قالب غنائى يجذب الأطفال..فيقول:
"لفوا الأرض الواسعة وطوفوا
بصوا معايا أكيد هتشوفوا
اللى بناه خفرع أو خوفو
دا المصرى عبرا الأزمان
والأهرام من صنع كفوفه ..إلخ".
ويمضى بنا الشاعر هكذا طوال هذه القصيدة ليعرفالطفل تاريخ أجداده الفراعنة، فيتحدث عن المتحف المصرى، وأبو الهول، وغيرهما.
وفى قصيدة "لو رحنا المكتبات" ينحوالشاعر نفس المنحى من المعلوماتية، فيوضح فضل المكتبات على أولادنا ففيها نقرأونتثقف، ونتعرف على العلوم والفلسفة وغيرها من "المعارف المختلفة.. يقول:
لو رحنا المكتبات
هنلاقى فى الكتاب
تاريخ وفلسفة
شعر وعلوم وقصة
وتكون المعرفة
ع الرف ألف رصّة
هنبص حتى بصّة
ناخد م العلوم حصّة
وتزيد المعلومات.. إلخ".
ونلمس فى هذا الديوان ملمحا انسانيا يهتم به البرنبالىفى دواوينه للأطفال، هو كتابة قصائد عن أطفال بعينها يعرفها، ربما تكون أحد أبناء أصدقائه المقربين، أو أحد أطفال العائلة، فيحتفى به عن طريق قصيدة يكتبها خصيصابإسمه، وفى هذا الديوان قدم لنا قصيدتين من هذا النوع، الأولى بعنوان"حبيبة"، والثانية بعنوان: "خالد"..وأهداها إلى خالد إبنه،فيقول: "خالد إبنى.. فرع جديد نحو سماء مشرقة"، ففى قصيدة حبيبة يقدموصفا شكليا جماليا خارجيا للطفلة، يدل على الجمال الشكلى والبراءة والتلقائية،دونما الغوص فى أبعادها الانسانية، وإضافة قيم جديدة تثرى مضمون القصيدة، فهى قصيدة احتفائية فقط، يقول:
"حبيبة حبيبة لعنيّا
يوماتى أشيلها ف عنيّا
وأغنى عشانها أغنية
وكل صحابى حواليّا
يردوا معايا وعليّا
حبيبه حبيبه لعنيّا.. إلخ".
أما فى قصيدة "خالد" إختلف الأمر فيها كثيرا عن قصيدة "حبيبه" إذ ربط بين خالد -بإعتبارة وافد جديد على العائلة-وبين أولاد عمه ممن سبقوه إلى العائلة، وعلاقته أيضا بجده محمود بإعتباره كبيرالعائلة.. يقول:
"الواحد هيقولك ايه
هيقولك خالد خلود
ويدلّع بيك الأنغام
ونسمّع جدك محمود
·
خالد يا ابنى
يا نور العين
نسرين وردة
فى البساتين
ودا صالح وكمان محمود.. إلخ".
وفى هذه القصيدة إستطاع البرنبالى أن يضع يده علىجماليات شعر الأطفال والبحث عن صور جمالية، أضافت الكثير لهذه القصيدة وحولتها منمجرد قصيدة احتفائية كما فى قصيدة حبيبة إلى قصيدة تبحث عن الفن فى جوهره، وأرىأنها من أجمل وأنضج قصائد الديوان، فيقول فى نهايتها:
"يا جمالك فى اللفة يا واد
وكإنكبتلف بلاد
وبتسأل فين الأمجاد
حاضن سيف الحق معاك
كل الدنيا يا واد شيفاك
ولبكرة الأوطان شيلاك
طرح الأرض مالهش حدود
آدىالمغنى وآدى المعنى
يالله يا خالد قول سمعنا
لومرة الأيام تجمعنا
قولةآه بتغنى بارود".
اعتمد البرنبالى فى هذا الديوان على الغنائية بماأنها هى الأقرب إلى عقل ووجدان الطفل المصرى.. ولكنه لم يطلق العنان لخيال الطفل فى هذا الديوان -على وجه الخصوص- لتحريك مخيلته، ولتجعله متأملا لتلك المعنى والمفردات، جاءت بعض الصور متعالية على الطفل، ولكن هناك بعض الصور جاءت بسيطة وجميلة، أما اللغة فكان يجب أن تكون ناعمة وبسيطة تتفق وقاموس الطفل وذائقته، والبرنبالى قادر على ذلك بما أنه شاعر قدير، وقد فعله فى دواوين كثيرة له صدرت بعد هذاالديوان.