القاهرة 20 سبتمبر 2017 الساعة 10:16 م
آثارنا بالخارج (1ـ 2)
أسامة الزغبي
بالقاعة المخصصة لاستقبال قناصل الدول الأجنبية بقصر الجوهرة مقر والى مصر محمد على باشا بقلعة الجبل, انتهىالجمع من تناول العشاء وانقسموا فى مجموعات صغيرة لمناقشة أمور السياسات الجديدة التى ينتوى الباشا اتباعها فى تحديث مصر وتأثيرها المحتمل على تغيير شكل المنطقة وردود الفعل المنتظرة من الدولة العثمانية أو رجل أوروبا المريض. خرج الشيخ رفاعةالطهطاوى الذى كان حاضرا اللقاء باعتباره ممثل طليعة المثقفين المصريين فى ذلك الوقت إلى شرفة القاعة التى يمكن من خلالها مشاهدة أهرامات الجيزة بصحبة الشاب الفرنسى الذى تمكن من فك رموز حجر رشيد وهو جان فرانسوا شامبليون ودار بينها الحوار التالى:
الشيخ رفاعة: كم هى رائعة ومبهرة وراسخة تلك الأهرامات.
شامبليون: بالفعل, لديك كل الحق , إنها أعظم ما ترك الأولون.
الشيخ رفاعة: إننا نُعول على سبقك العلمى العظيم فى فك رموز اللغة المصرية القديمة والذى لا شك سيفتح الباب لسبر أغوار هذه الحضارة العظيمة.
شامبيلون: أأمل فى ذلك, وبالفعل فلقد بدأالكثيرون من الأوروبين فى القدوم إلى مصر للتنقيب واكتشاف كل أسرار مصر القديمة.
الشيخ رفاعة: ولكن هناك أمر يسبب لى الكثيرمن القلق, معظم هولاء الأوروبيون يقومون لاحقا بسرقة الآثار المكتشفة وإرسالها إلىبلدانهم.
شامبيلون: عزيزى مسيو رفاعة, نعتك لهذا الأمربالسرقات أمر يجافى الحقيقة.
الشيخ رفاعة: الحقيقة؟ ماذا تقصد؟
شامبيلون: الحقيقة التى لا يجب أن تغيب عنشخص فى ثقافتك هو أنكم قد تخلفتم عن ركب الحضارة لقرون طويلة وبالتالى فلستُم مؤهلين للتعامل مع هذه الكنوز ودراستها, ولكننا فى أوروبا لدينا الجامعات والمعاهد العلمية التى تقوم بدراستها وسبر أغوارها وبعثتك فى فرنسا خير دليل على ما أقول,علاوة على وجود المتاحف الكبيرة والمُجهزة للحفاظ على هذه الكنوز التى لا تُقدربثمن.
بدت علامات الامتعاض على وجه الشيخ رفاعة الطهطاوى بسبب تلميحات شامبليون التى اشتم منها رائحة استعلاء غربى عان قدرًا ليس باليسير منه أثناء بعثته فى فرنسا, وباللهجة حادة قال:
ـ لكن المنطق يقول أن تظل هذه الآثار فىبلدها, واذا كنا نعترف لكم بالسبق فى مجال العلوم فهذا يقتضى منكم أن تساعدونا فىإنشاء المعاهد المتخصصة لدراستها وكذلك إنشاء المتاحف التى يمكن أن نحفظها بها لا أن تسلبونا كنوزنا وتضيعوا علينا فرصة دراستها بأنفسنا.
ـ شامبيلون: عزيزى مسيو رفاعة, الأمر لا يتعلق فقط بعدم وجود متاحف مجهزة لحفظ الآثار, هناك بُعدا أخر لا بد وأن تضعه فى الاعتبار ألا وهو الانحطاط الحضارى لغالبية الشعب المصرى والذى نخشى منه فى أوربا على سلامة الآثار, هل تتخيل أن هولاء الفلاحون المصريون الذين تَفتك بهم الأمراض يعون القيمة العلمية لهذه الآثار؟ بالطبع لا,وبالتالى ما تُسميه سرقات, أسميه أنا مهمة تاريخية نضطلع بها فى أوروبا للحفاظ على هذه الكنوز العلمية قبل أن تُدمرها الغوغاء والرعاع أو يقومون باستخدامها فى بناءمنازل لهم, وربما لاحقا حينما تلحقون بركب الحضارة يمكن لكم استردادها.
بالطبع لا يعدو الحوار السابق سوى كونه محض خيال, حاولت من خلاله تخيل وجهة نظر الغرب الذى يمثله شخص له فضل السبق فى الكشف عن أسرار الحضارة المصرية القديمة واستخدامه لمبرارت ربما كان بعضها منطقيا فى ذلك الوقت وهو الأمر الذى لم تصمت النخبة المثقفة أمامه وبالتالى تم اقناع الوالى محمد على باشا بضرورة إنشاء مصلحة الأثار المصرية والمتحف المصرى فى عام 1835 وإسناد الإشراف عليهم ليوسف ضياء أفندى تحت اشراف الشيخ رفاعة الطهطاوى, وكان مقر أول متاحفنا بجوار بركة الأزبكية ثم تمنقله إلى قلعة صلاح الدين ولكن مرة أخرى يثبت التاريخ أن المقولة التخيلية لشامبيلون كان لها حجيتها حيث قام الخديوى عباس حلمى الأول بإهداء كامل المجموعة الموجودة بالقلعة إلى دوق النمسا ماكسيمليان أثناء زيارته لمصر.
استغرق إيجاد مكان يليق بالآثار المصرية ردحا طويلا من الزمان حتى وصلنا إلى إنشاء المتحف المصرى الموجود الأن بميدان التحرير وهنا لا يجب أن نطمس جهود علماء مصريات أجانب كان لهم الفضل فى إنشائه ونقل الأثار إليه مثل أوجست مارييت وجاستون ماسبيرو ودى مورجان ولوريه. بوجود المتحف المصرى ربما تمكنا من القضاء على جزء كبير من الأسباب التى طالما تعلل بها الأجانبفيما نسميه سرقات لآثارنا ويسمونه هم حفاظا عليها. ولكن للمشكلة بعدا أخر وهو عدم وجود مصريين مؤهلين للبحث والتنقيب عن الأثار وبالتالى تولاها الأجانب وبالتالى كانت هناك ضرورة لمكافأتهم على أعمالهم وبالتالى ظهرت قوانين كثيرة تُرسى مبدأ تقاسم ما يتم اكتشافه بين مصر وبين الجانب صاحب الاكتشاف ولكن التاريخ يمدنا بالكثيرمن القصص التى تدل على عدم إحترام الجانب الغربى فى كثير من الأحيان لهذه المبادىء وبالتالى خرجت الكثير من القطع بشكل غير شرعى وأبرز مثال على ذلك هو التمثال النصفى للمكلة نفرتيتى الذى تم اكتشافه بتل العمارنة فى 1912 على يد الألمانى لودفيجبورخاردت الذى أخفى القيمة الحقيقة للتمثال عن الجانب المصرى وعرض صوره له ذات إضاءة ضعيفة وادعى أنه مصنوع من الجبس , كل ذلك فى محاولة دنيئة منه لشحن التمثال لألمانيا وهو ما تم.
يصل عدد القطع الأثرية المصرية بالخارج إلى مايربو على أكثر من 2 مليون قطعة أثرية, بالقطع خرج بعضها بشكل شرعى نتاج قوانين القسمة التى أشرنا أليها آنفا وبعضها خرج فى شكل اهداء رسمى من مصر لبعض البلدان الأجنبية كشكر على مجهوداتها فى مساعدة مصر فى إنقاذ معابد النوبة من الغرق إبانانشاء السد العالى مثل معبد دندور الذى تم إهدائه للولايات المتحدة وديبود الذى تم إهدائه لإسبانيا وطافا الذى كان من نصيب هولندا. ولكن الجزء الأكبر من هذه العدد الضخم من الآثار المصرية فقد تم سرقته.
الجدول التالى يوضح عدد القطع الأثريةالمصرية الموجودة ببعض أكبر المتاحف العالمية, مع العلم بوجود عدد كبير جدا منالمتاحف الأخرى به أقل من 10 ألاف قطعة وبالتالى اكتفى بِذكر المتاحف التى بها أعداد ضخمة من الأثار المصرية كى لا أرهق ذهن القارىء.
عدد القطع | المتحف |
100 ألف قطعة | المتحف البريطانى بلندن |
80 ألف قطعة | متحف برلين بألمانيا |
50 ألف قطعة | متحف اللوفر بفرنسا |
45 ألف قطعة | متحف بوسطن بالولايات المتحدة |
80 ألف قطعة | متحف بترى بإنجلترا |
32 ألف قطعة | متحف تورينو بإيطاليا |
26 ألف قطعة | متحف الميتروبوليتان بالولايات المتحدة |
35 ألف قطعة | متحف أونتاريو الملكى بكندا |
30 الف قطعة | المعهد الشرقى بشيكاجو بالولايات المتحدة |
12 ألف قطعة | متحف تاريخ الفن بفيينا , النمسا |
وللحديث بقية.
الكاتب: مرشد سياحى مصرى ومترجم عن اللغةالإسبانية وله العديد من المقالات التاريخية والإجتماعية ومؤسس صفحة صوت مصر أو la voz de Egipto وهى أكبر صفحة عن مصر باللغة الإسبانية.
آثارنا بالخارج (1ـ 2)
بالقاعة المخصصة لإستقبال قناصل الدولالأجنبية بقصر الجوهرة مقر والى مصر محمد على باشا بقلعة الجبل, انتهىالجمع من تناول العشاء وانقسموا فى مجموعات صغيرة لمناقشة أمور السياسات الجديدةالتى ينتوى الباشا اتباعها فى تحديث مصر وتأثيرها المحتمل على تغيير شكل المنطقةوردود الفعل المنتظرة من الدولة العثمانية أو رجل أوروبا المريض. خرج الشيخ رفاعةالطهطاوى الذى كان حاضرا اللقاء باعتباره ممثل طليعة المثقفين المصريين فى ذلكالوقت إلى شرفة القاعة التى يمكن من خلالها مشاهدة أهرامات الجيزة بصحبة الشابالفرنسى الذى تمكن من فك رموز حجر رشيد وهو جان فرانسوا شامبليون ودار بينهاالحوار التالى:
الشيخ رفاعة: كم هى رائعة ومبهرة وراسخة تلكالأهرامات.
شامبليون: بالفعل, لديك كل الحق , إنها أعظمما ترك الأولون.
الشيخ رفاعة: إننا نُعول على سبقك العلمىالعظيم فى فك رموز اللغة المصرية القديمة والذى لا شك سيفتح الباب لسبر أغوار هذهالحضارة العظيمة.
شامبيلون: أأمل فى ذلك, وبالفعل فلقد بدأالكثيرون من الأوروبين فى القدوم إلى مصر للتنقيب واكتشاف كل أسرار مصر القديمة.
الشيخ رفاعة: ولكن هناك أمر يسبب لى الكثيرمن القلق, معظم هولاء الأوروبيون يقومون لاحقا بسرقة الآثار المكتشفة وإرسالها إلىبلدانهم.
شامبيلون: عزيزى مسيو رفاعة, نعتك لهذا الأمربالسرقات أمر يجافى الحقيقة.
الشيخ رفاعة: الحقيقة؟ ماذا تقصد؟
شامبيلون: الحقيقة التى لا يجب أن تغيب عنشخص فى ثقافتك هو أنكم قد تخلفتم عن ركب الحضارة لقرون طويلة وبالتالى فلستُممؤهلين للتعامل مع هذه الكنوز ودراستها, ولكننا فى أوروبا لدينا الجامعات والمعاهدالعلمية التى تقوم بدراستها وسبر أغوارها وبعثتك فى فرنسا خير دليل على ما أقول,علاوة على وجود المتاحف الكبيرة والمُجهزة للحفاظ على هذه الكنوز التى لا تُقدربثمن.
بدت علامات الإمتعاض على وجه الشيخ رفاعةالطهطاوى بسبب تلميحات شامبليون التى اشتم منها رائحة إستعلاء غربى عان قدرًا ليسباليسير منه أثناء بعثته فى فرنسا, وباللهجة حادة قال:
ـ لكن المنطق يقول أن تظل هذه الآثار فىبلدها, واذا كنا نعترف لكم بالسبق فى مجال العلوم فهذا يقتضى منكم أن تساعدونا فىإنشاء المعاهد المتخصصة لدراستها وكذلك إنشاء المتاحف التى يمكن أن نحفظها بها لاأن تسلبونا كنوزنا وتضيعوا علينا فرصة دراستها بأنفسنا.
ـ شامبيلون: عزيزى مسيو رفاعة, الأمر لايتعلق فقط بعدم وجود متاحف مجهزة لحفظ الآثار, هناك بُعدا أخر لا بد وأن تضعه فىالإعتبار ألا وهو الإنحطاط الحضارى لغالبية الشعب المصرى والذى نخشى منه فى أورباعلى سلامة الآثار, هل تتخيل أن هولاء الفلاحون المصريون الذين تَفتك بهم الأمراض يعونالقيمة العلمية لهذه الآثار؟ بالطبع لا,وبالتالى ما تُسميه سرقات, أسميه أنا مهمة تاريخية نضطلع بها فى أوروبا للحفاظ علىهذه الكنوز العلمية قبل أن تُدمرها الغوغاء والرعاع أو يقومون بإستخدامها فى بناءمنازل لهم, وربما لاحقا حينما تلحقون بركب الحضارة يمكن لكم إستردادها.
بالطبع لا يعدو الحوار السابق سوى كونه محضخيال, حاولت من خلاله تخيل وجهة نظر الغرب الذى يمثله شخص له فضل السبق فى الكشفعن أسرار الحضارة المصرية القديمة واستخدامه لمبرارت ربما كان بعضها منطقيا فى ذلكالوقت وهو الأمر الذى لم تصمت النخبة المثقفة أمامه وبالتالى تم اقناع الوالى محمدعلى باشا بضرورة انشاء مصلحة الأثار المصرية والمتحف المصرى فى عام 1835 وإسناد الإشراف عليهم ليوسف ضياء أفندىتحت اشراف الشيخ رفاعة الطهطاوى, وكان مقر أول متاحفنا بجوار بركة الأزبكية ثم تمنقله إلى قلعة صلاح الدين ولكن مرة أخرى يثبت التاريخ أن المقولة التخيليةلشامبيلون كان لها حجيتها حيث قام الخديوى عباس حلمى الأول بإهداء كاملالمجموعة الموجودة بالقلعة إلى دوق النمسا ماكسيمليان أثناء زيارته لمصر.
استغرق إيجاد مكان يليق بالأثار المصرية ردحاطويلا من الزمان حتى وصلنا إلى إنشاء المتحف المصرى الموجود الأن بميدان التحريروهنا لا يجب أن نطمس جهود علماء مصريات أجانب كان لهم الفضل فى إنشائه ونقل الأثارإليه مثل أوجست مارييت وجاستون ماسبيرو ودى مورجان ولوريه. بوجود المتحفالمصرى ربما تمكنا من القضاء على جزء كبير من الأسباب التى طالما تعلل بها الأجانبفيما نسميه سرقات لأثارنا ويسمونه هم حفاظا عليها. ولكن للمشكلة بعدا أخر وهو عدموجود مصريين مؤهلين للبحث والتنقيب عن الأثار وبالتالى تولاها الأجانب وبالتالىكانت هناك ضرورة لمكافئتهم على أعمالهم وبالتالى ظهرت قوانين كثيرة تُرسى مبدءتقاسم ما يتم اكتشافه بين مصر وبين الجانب صاحب الإكتشاف ولكن التاريخ يمدنا بالكثيرمن القصص التى تدل على عدم إحترام الجانب الغربى فى كثير من الأحيان لهذه المبادىءوبالتالى خرجت الكثير من القطع بشكل غير شرعى وأبرز مثال على ذلك هو التمثالالنصفى للمكلة نفرتيتى الذى تم إكتشافه بتل العمارنة فى 1912 على يد الألمانى لودفيجبورخاردت الذى أخفى القيمة الحقيقة للتمثال عن الجانب المصرى وعرض صوره له ذاتإضاءة ضعيفة وإدعى أنه مصنوع من الجبس , كل ذلك فى محاولة دنيئة منه لشحن التمثاللألمانيا وهو ما تم.
يصل عدد القطع الأثرية المصرية بالخارج إلى مايربو على أكثر من 2 مليون قطعة أثرية, بالقطع خرج بعضها بشكل شرعى نتاج قوانينالقسمة التى أشرنا أليها آنفا وبعضها خرج فى شكل اهداء رسمى من مصر لبعض البلدانالأجنبية كشكر على مجهوداتها فى مساعدة مصر فى إنقاذ معابد النوبة من الغرق إبانانشاء السد العالى مثل معبد دندور الذى تم اهدائه للولايات المتحده وديبود الذى تماهدائه لإسبانيا وطافا الذى كان من نصيب هولندا. ولكن الجزء الاكبر من هذه العددالضخم من الآثار المصرية فقد تم سرقته.
الجدول التالى يوضح عدد القطع الأثريةالمصرية الموجودة ببعض أكبر المتاحف العالمية, مع العلم بوجود عدد كبير جدا منالمتاحف الأخرى به أقل من 10 ألاف قطعة وبالتالى أكتفى بِذكر المتاحف التى بهاأعداد ضخمة من الأثار المصرية كى لا أرهق ذهن القارىء.
عدد القطع | المتحف |
100 ألف قطعة | المتحف البريطانى بلندن |
80 ألف قطعة | متحف برلين بألمانيا |
50 ألف قطعة | متحف اللوفر بفرنسا |
45 ألف قطعة | متحف بوسطن بالولايات المتحدة |
80 ألف قطعة | متحف بترى بإنجلترا |
32 ألف قطعة | متحف تورينو بإيطاليا |
26 ألف قطعة | متحف الميتروبوليتان بالولايات المتحدة |
35 ألف قطعة | متحف أونتاريو الملكى بكندا |
30 الف قطعة | المعهد الشرقى بشيكاجو بالولايات المتحدة |
12 ألف قطعة | متحف تاريخ الفن بفيينا , النمسا |
وللحديث بقية.
الكاتب: مرشد سياحى مصرى ومترجم عن اللغةالإسبانية وله العديد من المقالات التاريخية والإجتماعية ومؤسس صفحة صوت مصر أو la voz de Egipto وهى أكبر صفحة عن مصر باللغة الإسبانية.