القاهرة 05 سبتمبر 2017 الساعة 01:18 م
د.محمدالسيد إسماعيل
" حذاء سيلفانا" هى المجموعة القصصية الثامنة للكاتبة هدى توفيق بالإضافة الى روايتين هما " بيوت بيضاء" و" المريض العربى " ويظهر فى هذه المجموعة الاخيرة خيطان سرديان يتمثل الاول فى ذلك التوجه الواقعى التسجيلى بينا يتمثل الثانى فى ذلك النزوع الرومانسى الذى تتخذه الكاتبة – فى بعض المواضع – بديلا للواقع القاسى الذى تعيشه مرغمة وهذه سمة اولى تؤكد درامية النصوص وماتنطوى عليه من صراع وامتدادا لذلك التوجه الواقعى التسجيلى نجد حرصا على مايسمى بضرب الايهام بمعنى ان الكاتبة تنزع توقعات القارئ بأنه أمام قصة تخييلية وتقدم الحدث بوصفه واقعة حقيقية وحرصها على مشاركة القارئ فى طرح السؤال مما يجعل منها راويا تقريبيا ففى قصة " تخيل رومانتيكى" تقول " هممت أسأل نفسى بهمس : مابى؟ اسألنى أيها القارئ لقصتى انت ايضا وشاركنى التساؤل" ( "حذاء سيلفانا" هدى توفيق ص 53دار الكتبى 2017) وأغلب قصص المجموعة مكتوبة فى أجواء ثورات الربيع العربى ووقوف القوى المعادية ضدها وتحويل أهدافها المشروعة الى آثار مدمرة للأوطان والشعوب فالقصة الاولى التة تحمل عنوان " ملامح الوطن واحدة"
– والمقصود بالوطن هنا الوطن العربى الكبير- تحكى عن شاب ليبى هجربلده وجاء الى مصر فى اعقاب الثورة ونعرف من خلال حديثه مع الساردة – مأساة الشعب الليبى حين يقول " إن فى ليبيامليونى قطعة سلاح الطفل لايتجاوز عشرسنوات ويحمل السلاح بل اكثر من نوع " (ص15) لقد تحول الشعب من الثورة على الحاكم الى الاقتتال الداخلى غيران الامريبدى اكثر مأساوية فى سوريا حيث اصبح الشعب السورى هدفا للجميع وتمثل مدينة الرقة حالة معبرة عن الواقع السورى كله حين نتابع أخبارها من خلال " مجموعة الرقة " التى ساعد فى تأسيسها ابراهيم الرقاوى لتسجيل بشاعات تنظيم داعش فى المدينة من قتل وزواج قسرى ونزوح جمعى والقصة تحمل عنوان " وطن كان " وهو واضح الدلالة على تدمير سوريا وتشريد اهلها وفى قصة " عائشة من دارفور" تعود الساردة الى ماقبل الثورات العربية تعود الى دارفوروما وقع فيها من حرب بشعة عام 2003" بسبب نزاعات قبلية وعرقية " (ص86) وتتجسد مأساة دارفورفى مأساة عائشة التى يموت زوجها فى هذه الحرب وبالكاد استطاعت ان تهرب بأولادها الثلاثة .وفى لمحة ذكية تعود الكاتبة الى حدث تاريخى مواز فى دلالته لما يحدث الان من ضياع للأوطان تعود الى سقوط الاندلس وما حدث للمسلمين من قتل وتعذيب وذلك فى قصة " كذبة سمكة نيسان (ابريل) الشهيرة
– ابريل شهرالغباروالاكاذيب " – وهو عنوان طويل كان من الممكن اختصاره الى " كذبة ابريل " مثلا – وتتمثل الخديعة فى دعوة المسلمين الى الذهاب نحو الشاطئ بدعوى وجود سفن سوف تنقلهم الى حيث يريدون وهناك وجدوا الجيش الصليبى الذى حاصرهم وأعمل السيف فيهم واستدعاء هذا الحدث التاريخى يلقى بظلاله على الحاضروكما استدعت الكاتبة الماضى تتوقف امام بعض المشاهد الدالة على غريزة البحث عن وطن آمن ففى قصة " وطن صغير" تتحدث عن مجموعة من القطط تبحث عن وطن اخر بعد تعرضها للايذاء حيث تقول فى نهاية القصة " تفرق الجميع تعسفا وفزعا حتى قطتى العنيدة ذهبت لتبحث عن وطن اخر مع اصدقائها وصديقاتها من قطط الشوارع " (ص46) وفى قصة " خيال عن وطن مغاير" يفجرالطفل خيال أمه فى الحلم بوطن اخر حين يحكى لها حلمه بصعود القمر .
والخيال نوع من المقاومة كما يصبح اللجوء الى الطبيعة – حتى ولو كان ذا نزوع رمانسى – ضربا من مقاومة الواقع البائس وتظل تيمة العنف والموت وزواج المال والسلطة وتفريغ الشعارات من دلالتها الحقيقية من اكثر الثيمات شيوعا وأغلب الشخصيات الرئيسية فى هذه المجموعة من النساء وهى شخصيات معذبة تعانى القهروالوحدة والعقم واللافت انه عقم مرغوب فيه ففى قصة " حذاء الصغيرة التى لم تأت " توافق شامة على تعقيم قطتها " بيتى" حتى تستطيع ممارسة الحب مع القط سمبا بكل حرية وسعادة دون انجاب الابناء إن شامة غير قادرة على الانجاب تجعل من قطتها صورة لها وفى قصة " التدريب على الانتماء" تعرض الساردة لمظاهرتفكك هذا الانتماء " بين التلميذ والمدرس بين التلميذ وأسرته بين المسلم والمسيحى بين الفرد والمجتمع بين التلميذ والفن عموما " هذا التفكك يفسر مظاهرالاغتراب التى يعانى منها اغلب الشخصيات فى هذه المجموعة التى نأخذ عليها المباشرة والخطابية وبساطة الفكرة فى مواقف سردية عديدة .