القاهرة 05 سبتمبر 2017 الساعة 12:53 م
فشل سكان العمارة، في إثناء أم سماح، عن وضع علب كرتونية متهرئة ودراجة مستهلكة، على بسطة السلم، لا تسمح إلا بمضيق، أحياناً يعلق المار به بكفة البدال، وإذا كان نور السلم مطفأً، فعليه أن يتحسس الدرابزين بيديه حتى يعبر. وحجة أم سماح أنها تشغل بسطة السلم المؤدي إلى شقتها في الدور
الأول العلوي.
يسكت السكان على مضض، ويزعمون أنهم لن يتشاجروا مع امرأة زوجها غائب. مع أنه حين يحضر في إجازته السنوية، لو فتح فمه بكلمة تأكله. ويمسك الجيران ألسنتهم عن شكاواهم. فعندما انسدت البالوعة في المدخل، لم تسهم في نفقة تسليكها. وهي تترك التراب والمهملات تتكاثر على سلمها، مدعية أن السكان في الأدوار العليا، عليهم تنظيفه لأنهم يمرون عليه. وعندما غيروا بلاط العتبة والمدخل المضعضع، امتنعت عن دفع نصيبها، زاعمة أنهم لم يستشيروها .
أما ما بينها وفتحية الساكنة فوقها فلا يعلم سره إلا الله، أثناء دخولها العمارة، يساقط قشر البصل فوقها. وإذا لمس أحد أطفال فتحية طفلاً لها أثناء لعب الأولاد، تنشب مشاجرة بين المرأتين، تتصاعد ألسنتها إلى السماء، وتخرج كل منهما مخزونها، ففتحية بنت بواب، ولم ير أحد أهلاً لها يزورونها، وأم سماح قادمة من عزبة أهلها لصوص ويلعبون بالبيضة والحجر، وهي مجنونة، وتقف تحكي مع كل من هب ودب .
ولذلك تعجب الجيران، عننا سقط ابن فتحية على حافة الرصيف وسال دمه، فأسرعت أم سماح إلى السوق، وعادت بها مسرعة لتذهب به إلى المستشفى . وتوقعوا أن تخف المشاجرات بينهما، ويستريحون من الزعيق، ومن الألفاظ النابية التي تخرم آذان أطفالهم.
لكن أم سماح عاودت التمألس عليها كعادتها. تقف مع بعض النسوة عند المضيق الذى أطلقوا عليه مضيق أم قويق، تقلدها عندما تذوي ما بين حاجبيها المعتني بتقوسهما، وينزلق كلامها، الذى لا يقلل الغضب من نعومته، لائمة عديمي الذوق الذين يسدون مدخل العمارة بسياراتهم . ثم تفسح الطريق، وتذهب مع من تكون ذاهبة للتسوق، وقد لفت شعرها بطرحة سوداء في إهمال ، وانسدل طرفاها فوق كتفيها، تخب في عباءة سوداء. يتهرب منها النسوة، فهي تدوخ البائعين في الفصال، وهي في نظرهم فاضية، فزوجها يظل في الخارج عدة سنوات متصلة، ويتقول الناس أنه ربما تزوج غيرها هناك، أو لعله هارب من قلة أدبها. فكثيراً ما يرتفع صواتها دون إنذار، وتشتم أولادها لاعنة أباهم، ويستنكر الجيران ذلك، لأنهم كبروا ودخلوا الجامعات. وينقذ بناتها أحياناً من بذاءتها خبط محصل الكهرباء على الباب.
ويسر حين يجدها، فهي دوماً تتهرب من دفع أي شيء، مع أن حوالات دولارية تصلها شهرياً. لا تجد مفراً من الدفع هذه المرة وتلمح عجوزاً نازلة عند المضيق، تحتضنها، وتعتب عليها فهي تحت أمرها لشراء ما تحتاجه من السوق وتأخذ بيدها لتصعد بها على مهل .
وقابلتهما فتحية على السلم، فمالت بقامتها إلى الحائط، لتتفاداهما ، وحارت في إلقاء التحية وهي لا تريدها لأم قويق، زمت شفتيها المطليتين بأحمر شفاه فاقع، تهلل له وجهها الخمرى، وكادت تصطدم بابن العجوز طالعاً، ليلحق بها، اعتذرت في خفر وغمرته بنظرة من حدقتيها البنيتين، وأغمضت جفونها لحظة، فأرسل جفناها العلويان، المطليان بالسمار، دفئاً، ويرضخ كيانك بفعل جاذبية غامضة تتسرب من جسدها، فتقع أسيراً بين شقى الشوق والتشوق، وتفقد أمر نفسك، وتتصرف وأنت لا تروم .
عادت أم قويق إلى شقتها، وصفقت الباب بعنف، ابتسمت العجوز، ولم يزل في أنفها رائحة عرقها النفاذة، وتساءلت، هل هذه طبيعة جسدها، أم أنها لا تستحم .