القاهرة 22 اغسطس 2017 الساعة 10:24 ص
فيصل رشدى : المغرب
العنوان مأخوذ من صفحة الأستاذ محمد شحاته العمدة
فى تمام الساعة السابعة مساء بتوقيت القاهرة كان الموعد، ب84شارع طلعت حرب حيث توجد عمارة يعقوبيان الشهيرة وهى عمارة ذات طراز أوروبي تتكون من تسعة طوابق، كل طابق توجد فيه ثلاث شقق. الداخل إلى عمارة يعقوبيان يشعر بأنها تمثل المجتمع المصري بكافة طوائفه .
دخلت العمارة برفقة عدد من الزوار، مدعواً معهم لحضور ندوة، وجدت على يميني قاعة كبيرة، تتوسطها منصة وضعت عليها أربعة كتب، تقابلها مقاعد مرتبة لجلوس الحاضرين.
جلست أنتظر بداية الندوة، فإذا بوجوه المحتفى بهم تظهر واحداً تلو الآخر، الأساتذة وليد علاء الدين، محمد شحاته العمدة، ميسرة صلاح الدين ومختار شحاته. رأيتهم يلقون التحية على الجمهور الذى يتكون من أدباء ومثقفين وشبان وشابات والجمهور يرد التحية عليهم مرحباً بكم يا أساتذة.
جلس الأساتذة حول المنصة والجمهور على الكراسي بالمقابل منهم، سمعت أذني صوتاً نسائياً رقيقاً وأنيقاً يتحدث مرحباً بالزائرين، سألت الشاعر المصري محمد زين العابدين الذي كان بجانبي، من تلك السيدة؟
فقال لي: الدكتورة هويدا صالح ناقدة وروائية مصرية.
خرجت من الباب إلى الخارج دون أن يحس أحد بخروجي، إتجهت مباشرة إلى محل للملابس قبالة عمارة يعقوبيان إسمه " تاج الأهرامات"، دخلت فاشتريت ملابس جديدة، هندام أسود، ومعطف أحمر و نظارة شمسية سوداء وضعتها على عيني. بدوت شخصاً آخر، يصعب التعرف عليه.
ساد الصمت بداخل القاعة، الكل ينظر إلى الكل، في انتظار بداية الندوة، لحظتها سمع الحضور وقع أقدام عند الباب، إلتفت الحاضرون إلى جهة الباب، فإذا بي أدخل القاعة، وأتجه مباشرة إلى المنصة، سمعت همسات تقول، من هذا الرجل؟ ذو النظارة السوداء، طويل القامة، حليق الوجه. بدأ الكل يتسأل، مين ده؟
فلم يتعرف علي أحد، حتى الشاعر محمد زين العابدين .
ألقيت التحية على الجميع، فقلت بنبرة مميزة وصوت جهوري: مفاجأة.
توسطت كل من الأستاذ وليد علاء الدين الذي كان على يساري والأستاذ مختار شحاته الذي كان على يميني.
فبدأت الكلام .
مرحباً بكم يا أساتذة ويا أيها الحضور، أنا جئت من غير موعد، لكنني قررت أن أحضر هذه الندوة، لأقدمها أنا بنفسي، لأنني حقاً أحب مصر وشبابها الغاليين علي، ونحتفي برموزنا الأدبية: وهم الأساتذة وليد علاء الدين، ومحمد شحاته العمدة وميسرة صلاح الدين ومختار سعد شحاته.على فكرة أنا لن أقدم الكتب الصادرة، بل سأقدم الأدباء شخصياً.
ليس من المهم أن تعرفوني، لكن المهم هو ما سأقدمه لكم، وأنا أعرف أن ما يبقى للإنسان في التاريخ هو إرثه الثقافي والفني والأدبي. هذه هي مصر أم الدنيا، مصر التاريخ والحضارة، فيها أمم عاشت هنا من أيام الفراعنة واليونان والرومان والعرب والإخشيديين والأيوبيين والفاطميين. والكل يعرف أن مصر هي قبلة لكل الحضارات، فيها الفلاسفة والشعراء والكتاب والعلماء، ناهيك عن قصص الحب.
أقول ما قاله مصطفى كامل "إن لم أكن مصريا لوددت أن أكون"، سؤال بات يحيرني كثيراً لماذا قال مصطفى كامل هذه العبارة؟ ولماذا مصر بالضبط؟ أحسست أن للكلمة ألف معنى فمصر حلم وعمر وإحساس.
صدقوا بالله:
رد الجمهور: لا إله إلا الله.
فقلت:
المصري عندما يخرج من مصر تبقى روحه فيها وجسده في المكان الذي يعيش فيه، و"يكون مصرياً مئة في المئة عندما يكون في مصر"، آنذاك ستسمع كلمة جميلة جداً قالها يوماً ما رأفت الهجان: "يا حبيبتي يا مصر"
يا أيها الحضور الكريم مصر ولادة في كل جيل تجد مبدعين وفنانين وعباقرة، وأضرب لكم على سبيل المثال الست أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وشادية.
لاننسى أيضاً عباقرة التمثيل مثل يوسف وهبي ونجيب الريحاني وعادل إمام ومحمود عبد العزيز والرائع خالد صالح والمتألق أحمد فتحي.
مصر في الأدب غنية وفي كل العلوم نوبل للعرب مرتين كانت من نصيب مصر، هذه هي عظمتنا يا مصريين.
لحظتها سمعت صوتا نسائيا أوقفني قائلا: يا أستاذ، الظاهر أنك غريب عن مصر؟
فإذا به صوت شابة في الثلاثينات من عمرها.
أجبتها: لماذا.
قالت لي: مصر يا أستاذ حصدت أربع جوائز نوبل، أعدها لك: واحدة للأستاذ نجيب محفوظ، الثانية لأحمد زويل، الثالثة لأنورالسادات، والرابعة لمحمد البرادعي.
صح يا أستاذة.
فـأكملت حديثي قائلا: جئت هذه الليلة لأعيش معكم ليلة العمر كما سماها الرائع محمد شحاته العمدة، وأقدم شخصيات أدبية مهمة جداً. وهم على يميني الأستاذ وليد علاء الدين، الأستاذ ميسرة صلاح الدين وعلى يساري كل من الأستاذين مختار شحاته ومحمد شحاته العمدة.
أبدأ من اليمين بالأستاذ وليد علاء الدين والذى ينطبق عليه وصف( إبن الأصول)فوجهه إبن ناس، ولما نقول وليد نقول المنطقة التي ينتمي إليها وهى مدينة فوه التى يعتز بها وتتبع محافظة كفر الشيخ. وليد علاء الدين يا مصريين من الجيل الذي مثل المصريين أحسن تمثيل فهو كاتب وشاعر وكاتب مسرحى ومدير تحرير مجلة تراث الإماراتية. أعجبتني روايتك المعنونة ب"ابن القبطية"، هذه الرواية عجيبة، سمعت أن الراحل محمد خان قرأها وكان سيحولها إلى فيلم سينمائي، لكن القدر حال دون ذلك. أنا قرأت الرواية هي رواية جميلة تتطور فيها الأحداث بشكل منتظم، وفيها صراع نفسي ليوسف الشخصية الرئيسية في الرواية.أنا كنت رشحت الممثل القدير بيومي فؤاد لهذا الدور، لكننى أرى الفنان الرائع ماجد الكدواني يصلح أيضاً للقيام بالدور، لكن بشرط أن تشاركه الفنانة القديرة نيلي كريم،أكيد في يوم من الأيام سأرى هذه الرواية عملاً سينمائياً.
وليد إنسان عجيب تعجبني فيه أشياء كثيرة، أهمها حاسة النقد، فعندما يقرأ شيئاً يفحصه جيداً ، والأخطاء اللغوية لا تمر عليه، وهذا يدل على تكوينه الجيد وهو أيضا صحفي وفنان يعزف على العود، عندما يرى العود يفرح، ويطير من الفرح، الله عليك يا أستاذ وليد، أنا لدي هدية لك في آخر الحفل.
رد علي الأستاذ وليد مبتسماً : تسلم يا باشا.
الشخصية الثانية ميسرة صلاح الدين، حينما أسمع اسمه ميسرة أتذكر فيلم "حين ميسرة" وأتذكر الراحل خالد صالح رحمة الله عليه. ميسرة الشاعر ابن الإسكندرية مدينة الحضارات مدينة الحب والعشق، الإسكندرية مدينة هادئة تذكرني كثيراً بالرواية التي قرأتها سابقا عنها للرائع إبراهيم عبد المجيد "لا أحد ينام في الإسكندرية" وميسرة هو الشاعر الذي عشق البحر ورأى أن الإلهام ينزل عليه من سماء الإسكندرية، وألهمه ليلها حب الحياة، هذا هو ميسرة صلاح الدين، الذي يكتب الشعر بإحساس منبعث من أعماقه. أنا أعجبني ديوانك يا أسطا ميسرة:
التفت ميسرة صلاح الدين تجاهي: أى ديوان تقصد؟
أجبته: أنا قلبي فارس.
وأكثر ما يعجبني فيك يا أستاذ ميسرة خفة دمك، فدائماً تبتسم ووجهك وجه خير أتمنى أن تكتب الرواية زي الأستاذ وليد، الشعر نعم والمسرح نعم، لكن هناك رواية عن الحب، أتمنى أن أقرأها لك.
فابتسم الأستاذ ميسرة صلاح الدين: أشكرك يا أستاذ، هو انت اسمك إيه؟
لم أرد عليه. مررت إلى الشخصية الثالثة:
الآن سأقدم شخصية مختار شحاته، الله عليك يا مختار، إسمك له مدلول تاريخي مشرف، يذكرني بعمر المختار أسد الصحراء، لما كنت صغيراً شاهدت فيلم العقاد عن المختار، أقول لك حاجة أن دور أنطوني كوين أعجبني وأعده دوراً مهماً، لقد تقمص شخصية عمر المختار.
مختار لك قلم مبدع، لكن أتمنى أن تنشر مقالاتك في الإنترنت لكي يتعرف عليك القراء، فأكيد أنت مبدع كبير، لكن عليك مواصلة المشوار وأتمنى منك المزيد من العطاء. نظر الأستاذ مختار شحاته صوبي، فابتسم، فقلت له: أقول لك حاجة يا أستاذ مختار:
أجابني مختار: إتفضل يا أستاذ.
أشكرك: أنت فنان، لك رؤية خاصة للأشياء، وأحب أن أراك دائما في القمة؟
فقال لى: أشكرك يا أستاذ .
والآن نأتي لآخر شخصية في اللقاء: إلتفتت لأبحث عن الأستاذ محمد شحاته العمدة، فلم أجده، فقلت: هو راح أسيوط ؟. لحظتها عاد الأستاذ شحاته، فقال أعتذر لكم، فأنا فقط كنت أرد على الموبايل.
أجبته: مفيش مشكلة يا أستاذ محمد شحاته العمدة، أكيد أن والدك كان عمدة.
رد على الأستاذ محمد: جدي كان عمدة يا أستاذ.
ليسألني بعدها سؤالاً مباشراً : هو احنا التقينا قبل كده؟ صوتك وملامحك ليست غريبة عنى !
أجبته:الله عليك يا أستاذ محمد أنا من أصدقائك في صفحة الفيس بوك صح، كل يوم جمعة تعجبني عبارة تكتبها وهي "إدعوا لأمي بالرحمة" الله يرحمها، الأم يا أستاذ محمد هي كل شيء وأنا تعجبني عبارة للكاتب اللبناني جبران خليل جبران أريد أن أقولها لك الآن"الأم هي رجاء في اليأس". الله يرحمها يارب ويرحم كل الأمهات.
محمد شحاته العمدة كاتب وشاعر وباحث، لكن سأقول لك شيئا في البحث، على الباحث التحلي بالصبر، حتى يصل إلى أهدافه، المصري يبدع أكثر حينما يجد نفسه واقعاً في مشكلة و بقدرته وتوكله على الله، عندما يقول يارب يصل إلى أهدافه.
محمد شحاته العمدة له العديد من المزايا فهو يحب الحياة ويحب الخير للناس ويعشق الحكايات الشعبية ماشاء الله عليه. محمد شحاته العمدة روح مصرية أصيلة، يكتب عن الأشياء انطلاقاً من رؤيته لها. هل تتذكر عندما كنت في المغرب ما قاله لك الطفل عطاء الله الغلى"في هذه الدنيا لاشيء يعطى بالمجان".
رد الأستاذ محمد شحاته: الله عليك يا أستاذ ، أنت عارف كل حاجة.
إبتسمت، لأنظر مباشرة في اتجاه الأستاذة هويدا صالح، وأقول لها: صعبانة علي أيامك في جامعة حائل، عندي أغنية كارول سماحة، الله يخليك ماتبكيش، سنتسمع إليها.
فبدأت أغنية كارول سماحة تتصاعد، فلم تقدر الأستاذة هويدا صالح أن تمسك دموعها.
صفق الجميع لي تصفيقاً حاراً، و من شدة الفرح، نزعت نظارتي الشمسية عن وجهي. فرأني الكل، فقال محمد شحاته العمدة: فيصل رشدي المغربي، أنا أقول ملامحك ليست غريبة علي، عامل لي فيها جيمس بوند، يا ابن الجنية.
ابتسمت فقلت: رغم كوني مغربي الجنسية، إلا أنني مصري الهوى، مصر تسكن أحاسيسي وعقلي وقلبي، أحب نيلها، وماءها، وبحرها، وأهراماتها وشعبها الطيب، أحب أن أشرب قهوة على ضفاف النيل وأستمع إلى صوت أسمهان، أحب أم الدنيا مصر يا مصريين، وأنتم كمان غاليين علي.
ثم قلت: الآن مع المفاجأة التي كنت قد خبأتها عنك يا أستاذ وليد علاء الدين، أقدم لكم الفنان السيد الصعيدي وربابته ومجموعته، دخلت المجموعة وهي تعزف فقام كل من الأستاذ وليد ومحمد شحاته يرقصان.
فإذا بي أقول : هي دى مصر، وهذه أحلى ليلة عمر عندي في الدنيا.