القاهرة 08 اغسطس 2017 الساعة 10:01 ص
يعد متحف النوبة بأسوان الذى انشئ عام 1996 تتويجا لإنجازات الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة التى قامت بها منظمة اليونسكو، حيث قامت المنظمة بعمل دراسة لحصر الأماكن التي يجب تسجيلها عمليا وهندسيا وتلك التي يمكن أن تجري فيها عمليات النقل وكانت البداية بمعبد أبو سمبل الذي تم فكه ونقله إلى مكانه الحالي، ثم توالت عمليات الإنقاذ لباقي المعابد في نفس الوقت التي كانت تجري فيها عمليات حفر وتنقيب واسعة في المناطق التي من المنتظر أن تغمرها مياه البحيرة؛ مما أسفر عن اكتشاف آلاف القطع الأثرية التي يرجع بعضها إلى فترة ما قبل التاريخ، وقد تم إيداع هذه الاكتشافات في المخازن الى أن تم إنشاء متحف النوبة ليكون بمثابة مركزا ثقافيا وفولكلوريا يضم جميع الاثار المنقولة من بلاد النوبة ويعرض من خلاله المراحل المختلفة لتاريخ بلاد النوبة، وليكون بمثابة نموذج مصغر لأوجه الحياة بها قبل أن تغمرها مياه النهر ، وتم إفتتاح المتحف للجمهور في نوفمبر 1997، ويحتوي متحف النوبة بأسوان على اكتشافات تم العثور عليها خلال عمليات الحفر والتنقيب الأثرية التي أجريت لإنقاذ آثار النوبة بجانب عرض أكثر من 3000 قطعة أثرية تحكي تاريخ وثقافة بلاد النوبة منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا.
إحباط محاولة سرقة
ومن المؤسف أن هذا المتحف تعرض منذ أيام لعملية سرقة ولكن تم إحباطها بالتعاون مع شرطة السياحة والآثار حيث أحبطت وزارة الآثار محاولة سرقة تمثال المعبودة إيزيس ترضع ابنها حورس المعروض بأحد قاعات متحف آثار النوية بأسوان.
وأوضح المهندس محروس سعيد مدير عام آثار النوبة أن المتحف تعرض لمحاول السرقة ما بين الساعة الواحدة بعد الظهر و الساعة الرابعة عصر هي فترة الراحة المخصصصة للعاملين بالمتحف. و استطرد قائلا أن كاميرات المراقبة خلال ذلك الوقت رصدت وجود شخصين يعتدون علي إحدي الفتارين داخل أحد قاعات العرض الخاصة للمتحف، وتم علي الفور إبلاغ شرطة السياحة والآثار والتى قامت بدورها في تفريغ جميع الكاميرات لتحديد هوية الجناه و التي أكدت أنهم ثلاثة أشخاص (سيدة و رجلان) من بينهم اثنان من الموظفين الإداريين بالمتحف والثالث رجل غريب من خارج المتحف.
و أكد م. محروس أن الشرطة تمكنت من إلقاء القبض على أحد الجناة و هو من العاملين بالمتحف و جاري التحقيق معه الآن كما تتبع الشرطة الهاربين الأخرين.
و أشار د. حسني عبد الرحيم مدير عام متحف آثار النوبة أن التحقيقات المبدئية أوضحت أن الموظفة بالمتحف كانت قد سهلت تسلل الرجل الغريب الي داخل المتحف في وقت الراحة حيث يكون المتحف مغلق و غير مسموح بالزيارة ، ولكن لم يتمكن الجناة من سرقة التمثال ولا أية قطعة من مقتنيات المتحف وأن التمثال الذي تعرض لمحاولة السرقة في حالة جيدة من الحفظ و كذلك جميع مقتنيات المتحف.
مقتنيات المتحف
صمم عمارة المتحف المهندس المصري محمود الحكيم وقد أتي التصميم متناغما مع البيئة المحيطة به من صخور وتلال وطبيعة الشمس الساطعة والحارة لمدينة أسوان، تضم قاعة المتحف الرئيسية مجموعة كبير من الأثار الهامة التي عثر عليها بالنوبة ومن أهمها : هيكل عظمي لإنسان عمره 20 ألف سنة , وعثر عليه عام 1982 في منطقة الكوبانية شمال مدينة أسوان , ويكشف لنا هذا الهيكل العظمي عن المحاولة الأولي للنوبيين في اكتشاف العالم الآخر , وكيفية دفن الموتى. جنود المدجاي وهي فرقة عسكرية نوبية شهيرة كانت تمثل قسما من اقسام الجيش المصري في مصر القديمة الذي كان يقوده الملوك الفراعنة من اجل تكوين إمبراطورية في العالم القديم , وقد اشتهر النوبيين بحمل الأقواس ورمي السهام والحراب , ووصل صيتهم حتى أيام الفتح العربي , سموا ب “رماة الحدقة” نظرا لمهارتهم في إصابة حدقة العين بالسهام أثناء الحروب. احد تماثيل الملك رمسيس الثاني من معبد جرف حسين ومن المعروف أن الملك رمسيس الثاني شيد ستة معابد في النوبة وتقع هذه المعابد بين الشلالين الاول والثاني. تمثال الملك خفرع , وهو تمثال بدون رأس , ونحت من حجر الديوريت , ويرجع لعصر الأسرة الرابعة , ومن المعروف أن هذا الملك هو احد الملوك المصريين الذين استغلوا محجر الديوريت في توشكي لقطع الأحجار من اجل نحت التماثيل. تمثال الاميرة امنرديس من الجرانيت , ويرجع لعصر الأسرة الخامسة والعشرين , وهي الاسرة النوبية التي حكمت مصر لمدة مائة عام , وامنرديس هي أميرة نوبية حملت لقب زوجة الإله أمون لأنها كانت كبيرة الكاهنات في زمن هذه الأسرة.
لوحة الملك النوبي بعنخي , وهي من الجرانيت , وعثر عليها في جبل البرقل بالسودان. ثلاثة تيجان من الفضة المطعمة بالكارنيليان , وترجع للفترة ما بين القرنين الثالث والخامس لميلاديين , وعثر عليهم في قرية بلانة القديمة , وكانت هذه القرية جبانة للثقافة التي تعرف تاريخيا باسم “مملكة بلانة و قسطل” , وحكمت النوبة ما بين القرنين الثالث والخامس الميلاديين , وهذه التيجان هي بقايا التيجان التي كان يرتديها ملوك هذه المملكة.ثلاثة لوحات جدارية ترجع للقرن العاشر , وعثر عليها في كنيسة عبد الله نرقي التي كانت تقع علي بعد 4 كم شمال معبدي ابوسمبل , والأولي تمثل القديس يوحنا يحمل بيسراه مخطوط وأمامه احد رجال الكهنوت ومعه مخطوط أيضا , والثانية بها جواد ابيض لا يظهر من راكبه سوي قدمه وأمام الجواد رجل مكتوب فوقه باليونانية “يارب ارحمني” , والثالثة تظهر القديس مارمرقس يرتدي تاج ويبدو نهايتي القدمين للكرسي وقد أخذت رجلي أسد. شاهد قبر من الحجر الجيري كتب عليه خمسة عشرة سطرا بالكتابة الكوفية , ويرجع إلي العصر الإخشيدي , وعثر عليه بجبانة طافا.
الحديقة المتحفية
أما الحديقة المتحفية فتضم مجموعة من الآثار النوبية والعناصر التي تعبر عن البيئة النوبية منها:المسلة التي يحيط بها أربعة قرود , وهي تخص الملك رمسيس الثاني , وكانت موجودة أمام معبد ابوسمبل الكبير في مقصورة الشمس. الكهف الذي يمثل المحاولة الأولي للإنسان في النقش في عصر ما قبل التاريخ قبل أن يعرف الكتابة , ويضم نقوش لحيوانات نمت بجوار النهر في النوبة مثل الزراف والوعل و الخرتيت والغزلان. القناة المائية والتي تمثل عنصرا هاما في البيئة النوبية لان النوبيين كانوا يعيشون بجوار النهر قبل تهجيرهم إلي منطقة النوبة الجديدة , ويمثل النهر مكون أساسي في الأساطير والروائيات النوبية , ويمكن لأي إنسان أن يتلمس ذلك في أول رواية نوبية وهي الشمندورة.البيت النوبي ويعد كينونة النوبي الحالية لذا يقوم النوبيين بعمل مؤسسات وجمعيات تحمل اسم البيت النوبي لأنه يجمع التراث والفولكلور والعادات والتقاليد , ولذا وضع مصمم متحف النوبة البيت النوبي كعنصر أساسي في متحف النوبة , ويتكون تصميم البيت النوبي من واجهة كبيرة مزخرفة بالمناظر , ومدخل يؤدي إلي فناء البيت والذي يحيط به غرفة الاستقبال والحمام وغرفة الطعام والتي تضم تخزين الطعام والمطبخ الذي يضم الأدوات التي تستخدمها السيدة النوبية في الطبخ.
الدور الوطنى للنوبيين
وفى هذا الاطار أوضح باحث علوم المصريات أحمد صالح أحمد ان النوبيون كان لهم دور هام في الجيش المصري القديم , ويحاول البعض اختصار وطنية النوبيين في استخدام لغتهم في سلاح الإشارة أثناء معركة أكتوبر 73 , ولكن للأسف ينم هذا عن عدم معرفة بالتاريخ لان النوبيين اشتركوا في كل معركة قامت بها مصر قبل أن يتكون جيشها في القرن الثالث والعشرين ق م وبعد تكوينه , ولهم دور هام في كل المعارك التي خاضتها مصر وحتى الان , ودارسي التاريخ يعرفون مصطلح اسمه " مدجاي" وهي فرقة نوبية أساسية في الجيش المصري طوال تاريخه , وكان أفرادها من النوبيين الذين يتقنون استخدام الأقواس والسهام , وكانت الشرطة المصرية القديمة تستعين بهم في حفظ الأمن داخل مصر وقت السلم , فمثلا مدينة تل العمارنة عاصمة اخناتون كان بها قوات من المدجاي , وعين اخناتون نوبيا مديرا للأمن في داخل هذه العاصمة وهو يدعي بانحسي , واستعانت الملكة حتشبسوت في رحلتها الشهيرة إلي بونت بشرق أفريقيا بقوات من النوبيين وصورتهم علي معبدها بالدير البحري
مشيرا إلى أن الملوك الفراعنة تعاملوا مع قضية النوبة بذكاء خارق وإن كانت كتب التاريخ تركز علي الحملات العسكرية , وهو أمر مبالغ فيه لأن كل ملك عندما يتولى السلطة كان يوجه الأمر بتنفيذ حملة عسكرية إلي الجنوب , ويبدو أن هذا الموضوع يعد من "أدبيات السلطة وبروتوكول تولي العرش" , ولدينا أمثلة كثيرة عن أن كل ملك كان ينقل من سابقه نفس تفاصيل الحملات , مثل الملك توت عنخ آمون الذي لم يبلغ عمره خمسة عشرة سنة ولكنه ذكر انه قاد حملة عسكرية علي النوبة , وحتى الملاحظ لأوضاع الحصون العسكرية في الجنوب يجد أن الحصن الأول هو حصن اليفانتين والحصن الذي يليه هو حصن بوهن يبعد عنه أكثر من 350 كم مما يعني أن المنطقة التي سكن فيها النوبيون المصريون هادئة , ويضاف لذلك أن الحصن الأول اليفانتين كان أشبه بجمرك أو نقطة مراقبة تجارية وهي اقرب
للمكان الذي يتم فيه التبادل التجاري , وربما يكون الحصن الثاني هو الذي تغلب عليه الصفة العسكرية ومراقبة الحدود الجنوب
موضحا أن الملوك الفراعنة قاموا بزيارة بلاد النوبة في شكل سلمي لمقابلة زعماء النوبة وملوكها علي عكس كتب التاريخ التي تركز علي الحملات العسكرية هذا ما أكده باحث علوم المصريات أحمد صالح أحمد حيث زار الملوك المشروعات الاقتصادية مثل المحاجر أو المناجم التي كانت تفتتح, ولدينا أمثلة كثيرة مثل زيارة ببي الأول لافتتاح قناة مائية وسط الشلال الأول وقابل علي هامش الزيارة زعماء النوبة وناقش معهم مشاكلهم وأعطوه وعودا بالمساهمة في تشييد سفن وقطع أحجار لهرمه , وأيضا الزيارة الشهيرة للأسرة الملكية للملك رمسيس الثاني وزوجته نفرتاري وابنته مريت آمون حين قدموا لافتتاح معبدي ابوسمبل .
مستطرداً كانت النوبة هي وسيط الملوك الفراعنة في افريقيا , ومن المعروف أن كلمة أسوان كلمة مصرية قديمة تعني " السوق" لأنها كانت المكان والسوق الذي يتم فيه تبادل المنتجات الأفريقية , وحتى الجزيرة المواجهة لمدينة أسوان كانت تسمي في المصرية القديمة " آبو " والتي تعني الفيل أو سن الفيل , وهذا يشير إلي أن الجزيرة في أصولها الأولي كانت المكان الذي يتم فيه تبادل الأفيال مع المنتجات المصرية , واستعانت الحكومة المصرية الفرعونية بمترجم من النوبيين أسمته النصوص " ايمي را عو " وكان يرافق البعثات المصرية التي تقوم باستكشاف أفريقيا علي إدراك انه يفقه اللغات الأفريقية والقبائل التي كانت تعيش شمال السودان.
مضيفا من المعروف أن النوبيين لم يشعروا في عهد الفراعنة بأنهم دخلاء أو غريبين عن مصر بل علي العكس وصلوا إلي اعلي المراكز في السلطة في مصر وهو منصب الفرعون , وبعد الثورة الأولي الفرعونية في تاريخ مصر في القرن الواحد والعشرين ق.م تطلع الشعب المصري إلي حاكم عادل من وسطهم , ونتج عن هذه الثورة حاكم كانت امه نوبية وهو الملك أمنمحات الأول أول ملوك الاسرة الثانية عشرة ومؤسس الدولة الوسطي , ويري بعض الباحثون ان الملكة تي ام الملك اخناتون من أصول نوبية , ووصل النوبيون إلي قيادة الجيش في نهاية الاسرة العشرين, كما تقلد النوبي منتومحات محافظا لأهم مدن مصر
إنقاذ آثار النوبة من الغرق
بدأت قصة إنقاذ آثار النوبة بالطلب الذى قدمه الدكتور ثروت عكاشة عام 1959 إلى نظمة اليونسكو طالبا المساعدة الفنية والعلمية والمادية للمحافظة على تلك الآثار نظرا لضخامة هذا العمل باعتبار أن هذه الآثار تمثل تراث إنسانى يهم العالم اجمع ، ووافق المجلس التنفيذى لليوسكون على هذا الطلب بالاجماع وكان لنداء العالم صداه وبدأت خطوات إنقاذ تلم الاثار التى تعرضت للغرق ثلاث مرات قبل بناء السد العالى ، المرة الأولى عند بناء خزان أسوان سنة 1902 وتبع ذلك ارتفاع منسوب المياه بشكل هدد الآثار والمرة الثانية سنة 1912 ، والثالثة فى سنة 1932. وفى كل مرة كان يتم عمل مسح للمواقع الأثرية، ويتم تسجيلها وعمل الخرائط اللازمة لها. وعندما تقرر إنشاء السد العالى أصبح واضحاً أن جنوب الوادي سيتعرض لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم ومن ثم أصبح من الضرورى العمل لتلافى مخاطر ارتفاع منسوب المياه على المواقع الأثرية. وبعد مبادرة من مصر قامت هيئة اليونسكو بإصدار نداء دولى لأضخم عملية إنقاذ للآثار فى التاريخ. واشترك فى هذه العملية أكثر من أربعين دولة تقدمت إما بالمساعدة المالية أو المشاركة العملية .