القاهرة 01 اغسطس 2017 الساعة 11:51 ص
بقلم :طلعت رضوان
آرثرميلر(17 أكتوبر1915- 10فبراير2005) مسرحى أميركى ورغم إهتمامه بالمسرح، إلاّ أنه لم ينعزل عن المُـشاركة فى الحياة العامة والسياسية، وأشتهربميوله اليسارية، وكانت له مواقف عديدة ضد السياسة الأمريكية (الداخلية والخارجية) فعارض التدخل الأمريكى الوحشى ضد الشعب الفيتنامى،وانتقد بوش الأب أكثرمن مرة . كما ازدرى الكونجرس الأمريكى بسبب سياساته غيرالعادلة. فأدانته لجنة (تحقيق النشاط المُـعادى لأميركا) لمجرد أنه رفض الإدلاء بأسماء (حلقة أدبية) زعم أعضاء اللجنة أنّ لها إهتمامات بالشيوعية. وأسّس (الاتحاد الدولى للكــّـتاب المسجونين) وأنتخب رئيسًا له عام 1965.
وفى مقال له بمجلة التايمزاللندنية (3يوليو2003) كتب (عند إعلان الدولة الصهيونية عام 1948 اعتبرتُ أنّ هذا الحدث يُـشبه أحداث العهد القديم. اهتزتْ مشاعرى بعنف. وخشيتُ أنّ الدولة القادمة سوف تتوسّع على حساب السكان الأصليين (الفلسطينيين) وأيّـد قيام الدولة الفلسطينية. ويرى البعض أنه أخطأ- فى بداية الأمر- فى تصنيف (إسرائيل) لأنه لم يُـميّزبين اليهودية ودولة اليهود، وعندما راجع نفسه صنــّـنف الدولة الصهيونية التصنيف الصحيح وسجــّـل احتجاجاته عليها.
من الأمورالتى يتوقف العقل الحر أمامها، أنّ المؤسسات الدينية (فى كل العالم) لم تتخذ أى موقف جاد ضد صناعة الأسلحة التى تسبّبتْ فى قتل الملايين، بخلاف تدميرالمدن،إهتمّ ميلربتلك القضية فى مسرحيته (كلهم أبنائى) ومع ملاحظة أنّ إدانته جاءتْ بشكل درامى مؤثر، من خلال الأب الذى تسبّب فى قتل ابنه، لأنّ جشع هذا الأب–من أجل الحصول على الثروة- جعلهيبيع لسلاح الطيران الأمريكى أغطية سلندرات للطائرات بها شروخ واكتفى بلحامها، فكانت النتيجة قتل 21 طيارًا أمريكيًا من بينهم ابنه.
وحكى ميلركيف واتته فكرة كتابة هذه المسرحية فقال ((أثناء دردشة عادية فى غرفة الجلوس ببيتى، حدثتنى سيدة عن أسرة من جيرانها فى الغرب الأوسط تحطــّـمتْعندما أسلمتْ الابنة والدها إلى السلطات بعد أنْ اكتشفتْ أنه كان يبيع للجيش أسلحة فاسدة والحرب دائرة ومُـشتعلة. وماكادتْ السيدة تنتهى من حكايتها حتى كنتُ قد حوّلتُ الابنة إلى ابن، وحتى كانت ذروة الفصل الثانى قد تمّتْ واتضحتْ فى ذهنى..وهذا الفعل المُشين من الأب الذى يُـتاجرفى الأسلحة، كشف لى الكراهية والتقززاللذيْن يُـثيرهما عمله ضد المجتمع)) وذكرأنه ظلّ يُفكــّـرفى كتابة المسرحية طوال عاميْن حتى انتهى من كتابتها.
تبدأ المسرحية بداية هادئة تمامًا– فى جوأسرى–مع التركيزعلى دورأم الابن الطيارالذى لم يعد من الحرب، بينما عاد زملاؤه، ومع ذلك فهى ترفض أى كلام عن موت ابنها.وتعيش على أمل (صنعته أوهامها) بأنّ ابنها (الطيار– لارى) لم يمت.بينما الأب وأخوه (كرس) على يقين من موته. وهوما عبّرعنه كرس فى حوارمع أبيه ((آن الأوان لكى تــُـدرك (ماما) أنه مامن أحد يعتقد أنّ لارى حى. هل نقول لها بصراحة أنه لم يعد لدينا أمل؟ وأننا فقدنا الأمل منذ سنوات))
أما الأب الذى تسبّب فى قتل 21 طيارًا من بينهم ابنه، فقد صنع لنفسه وهمًا من نوع آخر، واستند فى ذلك إلى أنّ المحكمة برّأته من التهمة، فقال يُخاطب زوجته ((كانت القصة الشائعة أننى بذلتُالمساعى لأبرىء نفسى. مشيتُ فى الشوارع وفى جيبى صورة من حكم المحكمة تـُـثبتْ أننى لم أكن مذنبًا. وبعد 14 شهرًا أصبحتُ أمتلك واحدًا من أحسن المصانع فى الولاية من جديد. أصبحتُ رجلا محترمًا من جديد)) وفى هذا المشهد يبدأ التصاعد الدرامى، مع الإشارة إلى شخصية المسئول عن تلك الجريمة.
المسئول– كماجاء فى حكم المحكمة هو(شريك) الأب فى المصنع. فمن هوهذا الشريك؟ إنه والد الفتاة (آن) خطيبة لارى الطيارالمفقود. وأنّ والدها يقضى عقوبة السجن. بل إنّ الفتاة (آن) كشخصية درامية صدّقتْ حكم المحكمة فقالت عن أبيها ((عندما أخذوه تبعته.وكنتُ أذهب إليه أيام الزيارة. كنتُ أبكى طول الوقت، إلى أنْ جاءتْ الأخبارعن لارى. عندئذ فهمت)) فماذا فهمتْ؟ أضافتْ ((من الخطأ الإشفاق على رجل كهذا.
سواء كان أبى أم لا. لاتوجد إلاّ طريقة واحدة للتفكير. لقد شحن قطع غيار، وهويعلم أنها ستؤدى إلى تحطيم الطائرات. ومن أدراكِ أنّ لارى لم يكن واحدًا منهم)) ولكن الأم دافعتْ عن والد الفتاة– بطريقة غيرمباشرة– فقالت ((مافعله أبوكِ لاعلاقة له بلارى)) ولأنها صدّقتْ أوهامها أضافتْأنّ لارى لم يمت.بينما الأب دافع عن شريكه قائلا أنّ الميجور- المسئول عن سلاح الطيران–كان يُـلهبنا تليفونيًا بطلب سلندرات الطائرات..فخرجتْ دفعة مشروخة..لم يكن يقصد سوءًا..كان يعتقد أنّ أغطية السلندرات ستصمد.
أما كرس (شقيق لارى) فيقول عن الطيارين الذين ماتوا: إنّ الإنسان يستطيع أنْ يستفيد من الحرب..وأنّ مايملكه الواحد منا مُـلطخ بالدم. ولأنّ كرس هوالذى سيرث ثروة أبيه، فإنّ (آن) الفتاة التى تنوى الزواج منه،خفــّـفتْ عنه عبء الشعوربالذنب قائلة ((أبوك صنع مئات الطائرات التى حلــّـقتْ فى الجو. يجب أنْ تكون فخورًا)) بل إنّ الأب يقول لابنه كرس ((أظن أنك تشعربالعارمن المال)) وعندما علم أنّ جورج (ابن شريكه وشقيق الفتاة آن خطيبة ابنه لارى) ذهب لزيارة والده فى السجن، رغم أنه لم يزره من قبل، قال: هل يُـفكرون فى فتح القضية من جديد؟
وفى الفصل الثانى يتصاعد التوترالدرامى، فبعد أنْ كانت الأم تعتقد أنّ خطيبة ابنها لارى لم تتزوّج رغم مرورثلاث سنوات على اختفاء لارى، واعتبرتْ أنّ ذلك معناه أنها فى انتظارعودته، إذا بها تقول لابنها كرس (الذى ينوى الزواج من خطيبة شقيقه) أنّ أسرة الفتاة ((تكرهنا)) خاصة وأنها فى المشاهد الأولى من الفصل الأول كانت تعتقد أنّ الفتاة (آن) مازالت على الوفاء لابنها لارى. وحتى عندما قالت لها الفتاة أنها لاتنتظرعودة لارى، اندهشتْ الأم من ردها.
وتتصاعد الشكوك حول دوركل من صاحب المصنع (كلر- والد كل من لارى وكرس) وشريكه (والد الفتاة آن) فيقول كرس ((أنا أعرف أنّ ناسًا كثيرين يظنون أنّ أبى مُـذنب، وكنتُ أسلــّم بأنه قد تدورفى رأسك أسئلة. وهل تظنين أننى كنتُ أغفرله إذا كان قد فعل ذلك؟)) فترد عليه ((أنا لم آت إلى هنا من سماء صافية يا كرس. لقد أدرتُ ظهرى لأبى)) أى أنها لاتتهم والده وصدّقتْ حكم المحكمة الذى أدان والدها. وحتى عندما قال لها كلر(والد كرس) أنّ أباها سيُفرج عنه بعد عام وأنه سيُعيده للعمل فى مصنعه قالتْ ((لم يعد هذا يُهم))
وبعد أنْ زارجورج (شقيق آن) والده فى السجن، توجّه إلى منزل كلر. وكان أول سؤال سأله لشقيقته: هل تزوجتِ من كرس؟ فلما قالت له: لا. لم نتزوّج بعد، اطمأنّ وقال لها ((أنتِ لن تتزوجيه.. لأنّ أباه قضى على أسرتك)) كذبتْ الفتاة شقيقها وقالت له ((هل تريد أنْ تكون صوت الرب؟)) تجاوزجورج عن هذا الرد الساخر، لأنه بعد أنْ تقابل مع أبيه شعربالندم لأنه لم يزره من قبل وصدّق حكم المحكمة. وقال لشقيقته ((لقد فعلنا شيئـًا فظيعـًا. شيئـًا لايمكن أنْ يُـغتفر. لم نــُـرسل إليه حتى بطاقة معايدة فى الكرسماس.أنت لاتعرفين ماذا فعلوا بأبى))
فى هذا المشهد بدأتْ الأمورتتضح حول من هوالمسئول عن جريمة قتل الطيارين. قال جورج لشقيقته أنّ الجيش كان يُـلح فى طلب أغطية السلندرات. ولم يكن فى المصنع أى شىء جاهزللشحن، غيرالسلندرات المشروخة. وأنّ أباه طلب كلر(شريكه فى المصنع) بالتليفون فقال له أنْ يلحم الشروخ ويغطيها بأى شكل ممكن ثم يشحنها للجيش. وأنّ كلررفض الحضورللمصنع وأبلغ أبى أنه مريض، مع وعد بأنه يتحمـّـل المسئولية. ثم قال ساخرًا: طبعًا لايمكن أنْ يكون الإنسان مسئولاعلى التليفون. والمحكمة لاتأخذ بهذه المسئولية إلاّبالاعتراف أمامها. وكانت المحكمة تعرف أنه كاذب. ولكن محكمة الاستئناف صدّقتْ هذه الكذبة. وأصبح كلررجلا عظيمًا. وأنتِ هنا تأكلين طعامه.
ولكن الفتاة رفضتْ تصديق رواية أبيها وقالت أنه ذكرنفس الرواية فى المحكمة والمحكمة لم تأخذ بأقواله. وشاركها كرس فى قولها وقال لجورج أنّ أباه حاول أنْ يلقى بالمسئولية على شخص آخر. ولكنه لم يفلح، ولكن مع إنسان أحمق مثلك قد ينجح. وهنا تكهرب الجو، وطلب جورج من شقيقته أنْ تستعد للرحيل معه ومغادرة هذه الأسرة لأنّ ((كل ما لديهم مُـلطخ بالدم)) وعندما ظهركلرعلى خشبة المسرح قال له جورج: رأيتُ مصنعك.. يبدوكشركة جنرال موتورز. تجاهل كلرالسخرية وسأله عن صحة والده، فقال له: ليس بخير. فسأله: هل يشكومن قلبه؟ فقال: من كل شىء..إنها روحه.
وهنا فإنّ آرثرميلراستطاع تجسيد مأساة هذا الرجل الذى تحمّـل مسئولية لحام السلندرات المشروخة نتيجة الاستجابة لطلب شريكه فى المصنع، وأنه نادم على مُـشاركته فى تلك الجريمة. وعندما قال كلرلجورج أنّ أباه بعد خروجه من السجن سيكون له مكان فى المصنع، ردّ عليه: إنه يكرهك. ويتمنى أنْ يأخذ كل رجل جمع مالامن الحرب ويضعه أمام الحائط. فكان رد كرس: أنه سيحتاج إلى رصاص كثير. دافع كلرعن نفسه بأنْ قال: أنا لن أغفرلنفسى. فلوكان فى استطاعتى أنْ أذهب إلى المصنع فى ذلك اليوم، ماكنتُ سمحتُ لأبيك أبدًا بأنْ يمس أغطية السلندرات.
فقال جورج لشقيقته أنّ كلرطلب من أبيكِ بكل بساطة أنْ يقتل الطيارين وغطى نفسه فى السرير.فطلب الجميع من جورج–بمافيهم شقيقته أنْ يُغادرالبيت. ولكن عندما يتصاعد الحوارحول لارى، الذى يرى الجميع أنه مات مع باقى الطيارين، فإنّ الأم ترفض تصديق ذلك، وقالت لابنها كرس: أنا لن أعترف بموته. أخوك حى. وإذا كان ميتــًا فإنّ أباك هوالذى قتله. فقال زوجها: هى ليستْ فى وعيها.
وعندما حاصره ابنه كرس بالأسئلة قال: أناصاحب عمل. عندى 120 سلندرمشروخة. ومعنى ذلك أنْ أصبح بلاعمل. إنهم يُغلقون مصنعكويُمزقون عقودك. أنتَ تقضى 40 سنة فى عملك وهم يقضون عليك فى خمس دقائق. أأتركهم يقضون على مجهود40سنة؟ ثمّ يُبرّرموقفه- والأدق– البحث عن عذرلفعلته بأنْ قال: لم يخطرببالى أبدًا أنهم سيُركبون أغطية السلندرات. كنتُ أظن أنهم سيمنعون الطائرات قبل أنْ يصعد بها أحد. كنتُ أظن أنهم سيكتشفون الأمر.
ولكن ابنه كرس يُفحمه بالسؤال: ولماذا لم تخبرهم؟ فقال كان الوقت قد فات. فقد نشرتْ الصحف أنّ 21 طائرة سقطتْ. وجاءوا إلى المصنع بالقيود الحديدية. أنا فعلتُ ذلك من أجلك يا كرس. فسأله ابنه: وكنتَ تعرف أنها لن تصمد فى الهواء؟ أنتَ قلت أنك كنت تنوى تحذيرهم..وهذا يعنى أنك كنت تعرف أنها ستتحطم. وعندما كرّرالأب جملة: من أجلك..قال الابن: أناكنتُ أموت كل يوم..وأنتَ تقتل رفاقى..ماذا يعنى قولك: من أجلى؟ أليس لك وطن؟ إنّ الحيوان لايقتل ذريته.
وفى الفصل الثالث تكون قمة التصاعد الدرامى، فتقول الأم: كان عندى دائمًا إحساس بأنّ كرس فى قرارة نفسه يعرف..ولأنها تخشى على ابنها من الانهيارالعصبى الذى بدأتْ بوادره عليه، قالت لزوجها: يجب أنْ تعترف له بأنك فعلتَ شيئـًا فظيعـًا. وأنكَ على استعداد لأنْ تدفع ثمن مافعلت. فيسألها: كيف أدفع الثمن؟ فقالت: قل لابنك أنك ترغب فى دخول السجن. وعندما ظهرتْ علامات الدهشة على وجه الأب قالت له: هولن يطلب منك ذلك..ولكن لوأنك قلت له هذا فربما سامحك.
يتمادى الأب فى انفعالاته ويقول لزوجته أنّ ابنهما كرس لايستطيع أنْ يُرغمه على دخول السجن..فتقول الأم: لقد كان يحبك..ولكنك حطــّمتْ قلبه. وقال عنه زملاؤه أنه فى الحرب كان يقتل بعنف..أما الآن فهويخاف كالفأر. وهنا تتدخل الفتاة (آن) التى كانت خطيبة لارى (المفقود) وتنوى الزواج من شقيقه كرس، فتطلب من الأم وترجوها أنْ تــُـطلق سراح ابنها كرس..بأنْ تقول له إنّ لارى قد مات ولن يعود..ولكن الأم ترفض هذا الرجاء فتقول لها: إذا كان ابنى لارى مات..فإنّ معرفة شقيقه كرس لذلك لن تكون مُـتوقفة على كلماتى..وفى الليلة التىيدخل فيها إلى فراشك سيجف قلبه.
لأنه يعرف وأنتِتعرفين أنه سيظل حتى مماته ينتظرعودة شقيقه. ويتصاعد التوترالدرامى كلــّـما تأزمتْ حالة كرس النفسية حيث صاح: لقد صرتُ جبانـًا فى هذا البيت..كنتُ أرتاب فى أبى دون أنْ أفعل أى شىء. وكل ما أستطيع أنْ أفعله الآن هوأنْ أبكى. وعندما سألته أمه: وهل تستطيع أنْ تفعل شيئـًا آخر؟ قال: أستطيع أنْ أدخله السجن. لوكنتُ مازلتُ إنسانـًا..ولكننى الآن مثل القطط والصعاليك الذين فروا من الجيش عندما كنا نـُحارب..كانوا (عمليين) والموتى وحدهم هم الذين لم يكونوا (عمليين) ولذلك فأنا أبصق على نفسى.
فى هذا المشهد فإنّ آرثرميلرطرح قضية فلسفية غاية فى التعقيد: هل يستطيع أى إنسان أنْ يتقـدّم ببلاغ ضد والده؟ خاصة لوكانت النتيجة دخول الأب السجن؟ وهل الانحيازيكون لعاطفة الأبوة أم للولاء للوطن؟ سؤالان شائكان طرحهما المُبدع بشكل بسيط رغم عمقهما على المستوييْن الإنسانى والدرامى. لذلك فإنّ كرس– فى نفس المشهد– يعتبرأنّ الأرض الأمريكية ((أرض الكلاب الكبيرة)) وأنّ المجتمع الأمريكى ((حديقة حيوان)) وعندما رفض أنْ يرث ثروة والده قال له الأب: خذ كل سنت وانفقه فى أعمال الخير. أوارمه فى المجارى أواحرقه إذا كان مالاقذرًا. إنه مالك وليس مالى. أنا رجل ميت. نصف البلد ملعون. وهذا النصف لابد أنْ يختفى.
ثم كان التطورالدرامى الأخيرالذى كشف الحقيقة عندما أخرجتْ (آن) الخطاب الذى أرسله لها لارى قبل وفاته وقال لها فيه ((جاءتنا أمس بالطائرة شحنة من الصحف من أمريكا.. وقرأتُ فيها عن الاتهام الموجـّه إلى أبى وأبيكِ..فى كل يوم لايعود ثلاثة رجال أوأربعة. لا أعرف كيف أعبّرلك عن مشاعرى. لا أستطيع أنْ أواجه أحدًا. سأخرج فى مهمة خلال دقائق. وقد يذكرون فى تقاريرهم أننى مفقود.. فإذا صحّ ذلك فلا تنتظرينى..إننى أقولها لك يا آن..لوكان هنا الآن لقتلته)) ومن سياق الكلام نفهم أنه كان يقصد قتل والده.
وهنا يضع المُبدع أمام المُـتلقى إشكالية فلسفية أخرى: هل يستطيع أى إنسان أنْ يقتل والده حتى ولوكان (مجرم حرب) وتسبّب فى قتل الجنود والضباط؟ ولأنّ الأم/ الزوجة وقفتْ مع زوجها عندما رفض الذهاب إلى المصنع بحجة المرض،وأوصى شريكه بلحام السلندرات المشروخة. ورغم أنّ الأب ادّعى أنّ كل الطيارين الذين قــُـتلوا ((كلهم أبنائى)) فإنّ الابن كريس قال للأم وللأب ((كيف تستطيعان أنْ تــُـدركا أنّ فى الخارج عالمًا مأهولابالناس؟وأنكما مسئولان أمامه. ولأنكما لم تــُـدركا هذا، فإنكما ألقيتما بابنكما للتهلكة)) وتنتهى المسرحية بطلقة رصاص أطلقها الأب على نفسه.
إنّ المُبدع الكبيرآرثرميلرأطلق فى مسرحيته (كلهم أبنائى) أقوى إدانة للحروب وأهوالها..وأقوى إدانة لتجارالسلاح الذين لايتورّعون عن قتل البشر، من أجل الثروة. ومافعله ميلر- وغيره من المُبدعين والفلاسفة- تقاعستْ عنه مؤسسات شئون التقديس فى كل الأديان.