القاهرة 01 اغسطس 2017 الساعة 11:12 ص
الفنان ابن بيئته، يصنع فنه من مفرداتها ومن رؤيته الخاصة لتلك المفردات وكيفية تعاطيه معها وإحساسه بها، يتعامل بفنه معها موضوعًا وخامة، وفي الفن المعاصر أصبح لكل من الموضوع والخامة أهمية تنبع من قدرة الفنان على التغيير وعدم السير في ركب القدماء أو حتى مجاراة المعاصرين، التفرد في الموضوع وفي اختيار الخامة وفي البحث عن الإبهار من خلال البساطة المتناهية، وهو ما يفعله الفنان المصري أحمد عسقلاني بخوصه.
مفردات الحياة اليومية المصرية في الشارع والبيت:
ماذا ترى في الحياة كرجل بسيط عادي تعيش في بلد مثل مصر وتتعامل بشكل يومي في الشارع مع مفردات الحياة المصرية، المعاني المختلفة والأنماط المتعددة من تلك المظاهر الحياتية، هل سترى بعض الحيوانات تسير في الشارع تنظر إليها وتنظر إليك؟، هل سترى رجلا يجلس على كرسي وأمامه نرجيلته؟ أو صبيًا على عجلة يحمل فوق رأسه قفص العيش؟، من بين كل تلك التفاصيل اليومية هل سيلفت نظرك رجال ونساء منتشرون في الشارع يمارس كل منهم حياته ببساطة وعفوية؟، تحمل النساء فوق رؤوسهن أطباقهن أو سلالهن والتي ربما احتوت بعض الخضار أو الفاكهة للبيع، وهنا تأتي مفارقة جميلة لأن أغلب تلك السلال في الحياة الواقعية مصنوعة بالفعل من السعف والخوص، هل سترى مفردات الشارع البسيطة والبيوت وطريقة بنائها والبلكونات المدلاة من أحد أطرافها عناقيد الثوم والتي يجتمع الناس بها في العصاري لشرب الشاي أو للنظر للشارع ومتابعة مجريات الحياة اليومية؟، أم هل ستعود إلى بيتك لكي تقبل زوجتك التي تشاركك الحياة بكل مآسيها ومتاعبها؟
كل هذه الصور وأكثر ستجدها ماثلة ببساطة وعفوية وبخامة تقارب في بساطتها الموضوع الذي استخدمت فيه، الخوص هو أيضًا أحد تلك الارتكازات التي تقوم عليها صورة البيئة المصرية، فكأنك ترى قصة متكاملة عن الحياة المصرية البسيطة وتنتقل في شوارعها وتشعر بعبق الأماكن عندما ترى تلك الأعمال في مكان ما.
العنصر الديني:
ولأن المعنى الديني متواجد في الذاكرة الشعبية المصرية لن تستطيع سرد حكاية الحياة المصرية بدون الإشارة إلى هذا المعنى متمثلا في أبسط صوره وهو الحضرة، الرجال الذين يذوبون في حركات معروفة بتداخل موسيقي منغم من الأصوات التي يصنعونها بأنفسهم من خلال الإنشاد الديني والمديح النبوي أو حتى مجرد الذكر بصوت عال.
المعنى الرمزي لاستخدام الخوص:
يمتد تاريخ الخوص في مصر إلى جذور قديمة جدًا، فالمصري استخدمه في الحياة منذ عصر المصريين القدماء، وهو مادة إذا ما استخدمت في الفن المصري إذ ترمز إلى معنى أعمق من مجرد طواعيتها للاستخدام الفني، فهي مادة خام مصرية عرفها المصري القديم وتعايش معها المصريون عبر العصور المختلف وتناقلتها الأجيال المتعاقبة وطوروا في مهارات استخدامها وصنعها وقد صنع المصريون أغلب أدواتهم من هذه المادة خاصة في القرى والنجوع والصعيد وهو موطن الفنان الذي أخذ منه أغلب عناصر موضوعه، فبعض الأواني والمقاعد والمناضد وأدوات الزينة وغيرها من الخوص.
ومن الاستخدام اليومي العادي أخرج الفنان مادة" الخوص" من مجرد صناعة حرفية لصنع أدوات يومية للمنازل العادية أو حتى ديكورات للفيلات أو القصور، إلى المعنى الفني برقي وبساطة وعفوية تلائم تلك المادة الشعبية التي تنتمي أكثر إلى حياة المصري البسيط، فكان اختيار المادة معبرًا بقوة عن الموضوع، وصنع حالة من الانسجام بين عناصر الموضوع والمادة التي استخدمت للتعبير عنه.