القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 06:41 م
منذ سنوات ونحن نتساءل عن أسباب ما تعيشه مصر من أزمات، ويلقي البعض ـ وأنا منهم ـ باللوم على الأداءات الإعلامية غير المنضبطة، وقد سبق ونظمت ندوة في ملتقى الشباب الذي تقيمه الهيئة المصرية العامة للكتاب على هامش فعاليات معرض الكتاب لمناقشة دور الإعلام في صناعة الرأي العام، وفي تغييب الوعي، ونشر الأفكار الغيبية والتكريس للخرافة واستضفت في هذه الندوة أصوات إعلامية متنوعة ما بين الصحافة المقروءة والتلفزيون والإذاعة المسموعة، وما بين المتخصصين في الشأن الثقافي والشأن الاجتماعي والسياسي، وحاولتفي هذه الندوة التي كانت تخاطب الشباب في المقام الأول أن أكشف الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في صناعة وتوجيه الرأي العام.ورغم أن الضيوف كانوا من توجهات شتى ما بين المؤيد للنظام السياسي والمعارض له إلا أنهم اتفقوا جميعا أن الإعلام موجه بالضرورة، وأنه لا يوجد إعلام محايد أو نزيه أومبرأ من كل التهم التي يلقيها على الإعلاميين رجل الشارع المصري.
.
لم يختلف المشاركون تقريبا على ما طرح من وجهات نظر تصب كلها في إدانة الأداء الإعلامي، بل وطالبوا ـ جميعاـ مؤيدون ومعارضة بضرورة إنشاء مجلس وطني للإعلام يكون رقيبا مهنيا وفنيا على الأداء الإعلامي، حتى لا يذهب المجتمع بالإعلاميين إلى المحاكم نتيجة للدور السلبي الخطير الذي يلعبونه.
وصار السؤال لو أن إعلاميا أخطأ خطأ مهنيا هل نذهب به إلى المحكمة، وبهذا نقضي على حرية الرأي والتعبير وهذا ما يرفضه المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الإنسان، أم نترك الإعلاميين يعبثون بأمن الوطن وسلامه الاجتماعي،ويعمل كل إعلامي حسب الأجندة التي تحركه، وحسب مصالح رجل الأعمال الذي يدفع مرتبه الخيالي؟ وكانت الإجابة التي اتفق عليها المتداخلون جميعا أن المجلس الوطني للإعلام هو وحده المنوط به محاسبة منيرتكب خطأ يخالف المعايير المهنية التي قرّت في العالم كله، واتفق عليها الجميع،وأن هذا المجلس يكون بيده الحق في وقف الإعلامي المرتكب للخطأ أو إغلاق القناة أوتصعيد العقوبة حسبما يرى دون أن يتهمه أحد بأنه يقف ضد حرية الرأي والتعبير.
وقد كان وأصدر رئيس الدولة قبل شهور قرارابإنشاء هذا المجلس، وضم إليه من رأى فيه الكفاءة والمهنية لمحاسبة الإعلاميين حين يخطئون. والآن وحين تصدمنا جميعا المذيعة شيماء جمال والتي عُرفت إعلاميا بـ" مذيعة الهروين " وتخرج على الهواء مباشرة على فضائية ( l.t.c ) وتقوم بتفريغ كيس صغير به مسحوق أبيض، وتقول للمشاهدين أنه بودرة هيروين، وتقوم بشمها على الهواء متحدية بذلك أعراف وتقاليد ليس العمل الإعلامي فقط، بل المجتمع كله، ساعتها نتساءل عما تريد مثل هذه المذيعة؟ ما الرسالة التي أرادتها؟هل أرادت أن تخبر المشاهد أن شم الهروين ليس قاتلا؟ أم دفعتها الحاجة الجسديةالملحة إلى شم الهروين على الهواء ضاربة بعرض الحائط كل قيمة سمعنا بها يوما في سبيل أن تحصل على جرعتها من المسحوق القاتل؟ أم أن نمد الخط على استقامته ونتهم الإعلاميين بالسعي إلى تغييب وعي الشباب والقضاء على هدوء وسلام المجتمع؟ والسؤال الأكثر إلحاحا أين هو المجلس الأعلى للإعلام أو أيا ما كان اسمه؟ ماذا فعل في هذه الحادثة؟ وهل يكفي أن نوقف المذيعة ثلاثة أشهر عن العمل؟ هل تسمح مواثيق العمل الإعلامية لهذا النموذج السئ من الإعلاميين أن يعودوا مرة أخرى ليفسدوا المجتمع ويسمموا فكره؟ هل تكفي حقا ثلاثة شهور كعقوبة لمثل هذا العمل الشيطاني؟
المذيعة تدافع عن نفسها بأن ما قامت بشمه على الهواء هو سكر بودرة أبيض وليس هروينا، لنصدقها، ماالمهنية في تعليم الشباب كيفية الشم؟ ما زلت أطرح تساؤلا ماذا أرادت أن تفعل؟ شاهدت المشهد مرات ومرات وأصدق أنه لم يكن هيروين، لكن ما الهدف من هذا المشهد التمثيلي؟ المشهد لمن شاهده لم يكن يحذر المشاهد أو يخوفه من عملية الشم، بل كان أشبه بالتحفيز على عملية الشم؟ لابد من عقوبات رادعة لمثل هذه التصرفات الحمقاء التي تؤدي في النهاية رسالة سلبية عن دور الإعلام الخطير في إفساد الذوق العام المصري. ولا تكفي عقوبات ضعيفة ومرتعشة مثل منعها من العمل لمدة ثلاثة أشهر بل مث لهذه المذيعة وغيرها من الإعلاميين يجب أن يمنعوا من ممارسة المهنة، ويضع المجلس عقوبات على القنوات الفضائية التي تستخدمهم أو تتعاقد معهم. هذا إن أردنا حقا أن نصلح من شأن الإعلام المصري.