القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 10:13 ص
يصعب التكهن بالنجاح والظهور والحضور، لاسيما أن الذوق العام للجمهور متنوع ومتباين، إلا أن هناك بعض الأعمال التي ترى بريقها من بعيد وقبل نهايتها وهو ما يجذب المشاهد بشكل أو بآخر للمتابعة وبشغف.
على صعيد هذه الأعمال حضر مسلسل "هذا المساء" فكرة ومعالجة درامية وإخراج "تامر محسن" وتأليف ورشة كتابة أشرف عليها السيناريست محمد فريد، ليحتل مكانة خاصة ضمن القائمة المطولة للأعمال الدرامية الرمضانية، وبالنظر إلي الأعمال التي حضرت هذا العام نجد تنوع واضح في القصص المطروحة وتطور في سبل التصوير والإخراج فضلا عن حضور الإضاءة والملابس داخل سياق اهتمام المشاهد نظرا لجودتها العالية، وعليه فما المميز بمسلسل "هذا المساء" ليحقق النجاح.
إذا ما نظرنا إلي مسلسل هذا المساء وقصته، التي يمكن اعتبارها قصة عادية تدور في فلك الواقع المحيط بجمالياته وقبحه وهو ما يقلل، نظريا اسهمه وسط الأعمال الأخرى، إلا أن التعامل مع تلك القصة الاعتيادية التي يمكن أن تكون طرحت عناصر من شخوصها في أعمال درامية أخرى ماضية إلا أن نمط الطرح هو ما ميز هذا المساء عن أعمال أخرى.
مند اللحظة الأولى بالحلقة الأولى يشعر المشاهد أنه أمام خفايا عليه متابعة خيوطها للتمكن من حل لغز تلك الشخصيات.
حيث نمط الطرح اعتمد على التكوين الشبكي للعلاقات الإنسانية ولعب على التعقيد ورشاقة الأحداث المنطقية التي وحدت بين المشاهد والشخصيات.
"أكرم، نايلة، عبلة، سمير، تقى، سوني، نور، تريكة" وهذه هي الشخصيات الرئيسية التي تعتمد عليها أحداث المسلسل، جميعها شخصيات تنتمى إلى عالم الإنسان، حيث الخير والشر والجبن والشجاعة والانانية والتضحية، كل هذه الصفات الإنسانية اتسمت بها شخصيات المسلسل فظهر شخصيات حقيقية من لحم ودم. فلا يوجد تنميط أو حياد في الطرح، وإنما شخصية حقيقية، تتصرف على سجيتها وتتشاحن حتى مع الذات.
الحبكة الشبكية
أطلقت هذا الاسم على حبكة مسلسل هذا المساء لتشابهها مع الشبكة التي تتشابك أطرافها لتكون الشكل النهائي لتظهر القصة ككولاج يكتمل تكوينه مع كل حلقة، مستفيدة من تضافر العلاقات وأفعال الشخصيات، وهو ما يبعد المشاهد عن الملل كما يبعد العمل عن حالة التنميط القصصي في الطرح.
العقاب والعمل
يعاب على بعض الأعمال خروجها عن السياق واعتمادها على الانتقام من الشخصيات غير المحبوبة بطرق لا تتواكب مع حجم العمل الذي قامت به، في حين امتاز هذا المساء بالواقعية في الثواب والعقاب، إذا جاز التعامل مع الشخوص الدرامية بهذا الشكل، حيث نجح الجميع في عيش الحياة وفقا لاختياراته الخاصة وأفعاله.
اختيار مميز
اعتمد المخرج "تامر محسن" ليس فقط في هذا المساء وإنما في أعماله السابقة كمسلسل "بدون ذكر أسماء" على اختيارات مميزة تحمل على عاتقها التعبير عن المتغيرات المتزنة لشخوص أعماله، حيث اعتمد على ممثلين يتقنون التمثيل الهادئ والإمساك بخيوط الشخصيات والغوص في ملامحها العميقة، وهو ما قرب الجمهور من الشخصيات، لاسيما أنها تقارب نماذج يراها في المحيط العام.
لماذا +18؟؟
يتساؤل البعض ممن شاهدوا المسلسل أنه لا يستحق هذا الشعار الذي يرفعه وأنه لمن هم فوق سن الثامنة عشر، حيث اعتاد المشاهد أن هذا التصنيف يحتمل وجود مشاهد حميمية أو ما شابه، في رأيي فإن التصنيف منصف للغاية للمشاهد وأصحاب العمل على حد سواء، حيث أنه ينم عن وعى وفهم شديد لما وراء التصنيفات العمرية للأعمال سواء الدرامية أو السينمائية، فضلا عن فهم لطبيعة العلاقات التي يقدمها وأن الموضوع المطروح هو ما يلزم صناع العمل من وضع هذا التنصيف، فضلا عن استهداف الشريحة الصحيحة لمشاهدة العمل والتي تستطيع أن تستوعبه وتتعامل معه بموضوعية كذلك تستوعب مدى تشابك العلاقات وانحرفاتها الجزئية.
اللغة الصامتة
فيما قدم محسن بالتعاون مع أحمد جبر مدير التصوير، وكذلك وائل فرج المونتير، صورة اعتمدت على الشد والجذب في تعاملها مع المشاهد، كذلك استخدام الدلالات المغرسة بدقة في قلب الصورة المقدمة سواء بأداء الممثل أو مظهر الصورة، فضلا عن السلاسة في الانتقال بين الأحداث بعضها البعض، ولا ننسى أن التكثيف كان أحد أهم عناصر النجاح التي اعتمدها المسلسل حيث أن المسلسل يبتعد عن زخم الحوار والأحداث والاكتفاء بسرعة مسار الأحداث وهو ما جعل المسلسل سريع في مساره وبسيط في قصته، وهي البساطة التي اعتمد سبيل السعل الممتنع.
في النهاية مسلسل هذا المساء حتى وإن لم يكسر آفاق التوقعات لدى المشاهد في بعض الأحداث إلا أنه احتفظ لنفسه بالقراءة النهائية للعلاقات، وجعلتها واقعية ومتفائلة وهو ما يمتاز به تامر محسن في أعماله.