القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 09:52 ص
لم تكن الأساطير خرافة تضم خيالات غريبة وشاردة لا تصلح لسوي الأطفال فحسب. وليس فيها من الواقع والأهداف. وإلا لما استطاعت أن تكون هذه الأساطير الأعمدة الخالدة التي قامت عليها أركان الأدب والفنون، حتى أصبحت هي الجذور التي تفرعت منها هذه الألوان والفروع المختلفة في الأدب والفنون.
1/ الميناد:
فوق الجبال النائية كُن يجتمعن ليلاً يحتسين الخمر بلا حساب ويأخذن في رقص جنوني على دقات الطبول، وفي ضوء المشاعل حول انصاب ترمز لفحولة ديونيزوس لكونه إله للأخصاب، يلتهمن لحوم الثيران والعجول، فكان اعتقاد هؤلاء النساء -اللواتي يعرفن بالميناد- بأن ديونيسيوس يتقمصها. وفي أثناء هذه الشهوة العارمة التي كان يبعثها الرقص والشراب في نفوسهن، يستسلمن روحا وجسدا لمعبودهن بغية تحطيم الحواجز التي تفصل بين الإله والإنسان. فتدور الحياة دورتها وتتجدد في الأرحام وفي باطن الأرض.
ويعبر هذا عن صور العرامة والفجور التي اتصفت بهم هذه العبادة في بعض صورها في موطنها الأصلي، والتي كان لها بعض التأثير على نشأة المسرح الإغريقي القديم.
****
2/ ديونيسيوس يحدد أركان المسرح:
1_ وأن كانت القوي الشيطانية المتصارعة في قلب الإنسان تخشي الموت المفجع بصورته المرعبة والحزينة، يمثل العالم الذي ينتقل إليه ديونيزوس بعد تقطيع جسده إرباً ودفن البذور في باطن الأرض، عالم الظلمات والجن والأبالسة وما هو خفي عن البشر. متماثلاً للقوي الشيطانية التي تتصارع في قلب الإنسان.
ومن هذا الصراع الوجداني وجد الإغريق صورة من صور "التراجيديا" لأول مرة.
2_ وعندما تنفتح السماء ويهطل ماء الحياة ليخصب الأرض وينبثق النبت، يُبعث ديونيزوس من محنة عالم الظلمات، حتى تكتمل الثمار وينضج الثمر والزرع فتملا البهجة أركان الكون، فيغني القوم ويشربون ويرقصون طائفين في القري على عربات تحمل انصاب ديونيزوس لقدوم العيد الأكبر.
وقد وضح المسرح الإغريقية في صورة جديدة عرفت باسم "كوموس" والتي عرفت فيم بعد بالكوميديا، وأصبحت تطلق على المسرحيات التي تقوم على الهزل والطرب.
****
3_ النزعة الديونيسية في نشأة الفن:
لقد نشأ المسرح الإغريقي على نحو مشابه لنشأة المسرح المصري القديم، أن الثاني قد نشأ وتحددت أركانه من وحي عبادة أسطورة الإله أوزيريس. والأول كانت بداية نشأته أيضا من وحي عبادة الإله ديونيزوس، وهذان الإلهان يتشابهان في إنهما ينخرطان في سلك مجموعة الإله القديمة التي كانت حياتهم مقترنة بنمو النبت وموتهم بدفن البذور. وكانت النزعة الدينيزية أقوى في التفاعل مع نشأة المسرح الإغريقي فحددت من خلال نسك العبادة مفهوم التراجيديا والكوميديا.