القاهرة 09 يوليو 2017 الساعة 07:19 م
عالم محمود خاطر الشعري
د. حسام جايل
في ديوانه الأول " رسالته قبل الرحيل" الذييحمل براءة البدايات، ومثالية الرؤية يرسم لنا الشاعر محمود خاطر عالمه الشعري،ويقدمه لنا من خلال سبع عشرة قصيدة.
وهذا العالم الشعري له سماته وملامحه ومنها؛ الحنو علىأمته،، والرومانسية الهادئة الوادعة التي تميل إلى الثورة الشعرية، والحزن، والصورالجميلة التي تخلو من التعقيد وتجنح إلى البساطة، واللغة السلسة غير الوحشية،وشيوع روح الوطنية والإسلامية.
وهو ديوان خفيف الظل؛ ليس به مشاكل في الصياغةأو اللغةأو الموسيقى. وتتضح رغبة الشاعرفي إثبات ذاته من خلال ياغة العنوان على هذاالنحو" محمود خاطر.. رسالته قبل الرحيل". كذلك في الصوت المنفرد كثير، حيث يكثر في أغلب القصائدأحادية الصوت مما يشي بغلبة صوت الشاعر الناصح أو الموجه على صوت الشاعر المنغمسفي الحياة. ويكثر الشاعر من الاتكاء على بنية المضارعة، والاستقبال ( سأقول لكم،سأحكي زأعرف، أتكلم، أتحرّق،...) كذلك الرغبة في تفنيد الأكاذيب والإشاعاتالمغرضة، يقولون إنيص89.. تمادت وقالت 49.
كذلك فإن عناوين القصائد" جدار، انتظار، رسالته،أوهام الشتاء ، مواساة، من خلف جدار العمر، أساطير،.. تشي بالحزن والعزلة وسيطرةحالة السجن الاختياري والانطواء كأثر رومانسي واضح مما ترتب عليه أن تشيع فيالديوان كثرة السؤال، وصيغة الحضور، مما يدل على البحث عن مخرج، وعلى الرغبة فيالعثور على الذات المبعثرة والمتشظية من خلال تجسيد الحلم في صلاح الدين أو في صورة الفتىالرومانسي المحب الوفي :لمَ لمْ تعد 23، ما تنتظر 24، لا تسأل الشمس 25، ترى هل22، وهل 12-19 ومعظم قصيدة انتظار ، وأسأل 29، هل 39.
يعتمد الديوان بنية الحذف، ويستغل الفضاء الكتابي فيالتعبير عن لوحته ،كذلك يلجأ الديوان إلى استخدام تعدد الأصوات كسمة منسماته كملمح سردي يساعده على تقنية القص والحكي كما في قصائد انتظار 19، وحبة قمح،39، ومغرورة9، والمعصوم 59، لست انا 81.
يقول في قصيدة المعصوم:
ذات مساء
كنت أناجي ربي سرا
"ربي استرني
واغفر ذنبي
وإذا بي يدهمني الشرطي مفاجأة
قال
"تأدب حين دعائك
حتى يقبل.
كما يلجأ الشاعر إلى الوصف لرسم مشهده الشعري كما فيقصيدة من حلف جدار 65
هل تذكرني
كانت عيناها
تسألني
ظلت
ترمقني في عجب
حين رأتني
وكما في قصيدة المعصوم 59.
إن فرط الرومانسية في طبعتها الحزينة تلجئ الشاعر وتدفعهإلى التعبير عن همومه الوطنيةوالإسلامية،ولكن الشاعر يتخذ السخرية اللاذعة مستعينابالأقنعة في سرد قصصه الساخرة، ورسم صوره الحزينة كما في قصيديتي المعصوم59،وإعلان 73:
لأني
ملكت ولم أبغ ملكا
كأني من الشعب
بيت القصيد
وأني نبيل
وأني لبيب
وأني امتداد لعهد الرشيد
لأني وفي
أبيٌّ
عنيد
قبلت انتخابي
لقرن جديد.
كما يدين المبالغةفي خلع صفات القداسة على الحاكم.. وممارسة التدخل في كل شيء؛ حتى بين العبد وربه.
إن الشاعر نتيجة طبيعية لتكوينه الرومانسي، وانشغالهبقضايا الإنسان – انطلاقا من حسه الشعري وارومانسي- يحمل هم الغصلاح والتصحيح؛ لذاجاءت لغته بسيطة، وكذلك صوره، وقد أوقعههذا في شيء من الاستطراد،ص95، وقد أبان هو عن رؤيته ومذهبه في قصيدة لا ترحمني 95،كذلك الاستطراد في قصيدة أوهام الشتاء،ص9.
وبناء من الملمح السابق ونتيجة له لجأ الشاعر إلىالأوزان الصافية والخفيفة والراقصة، مثل الوافر، والمتدارك، والمتقارب، والكامل.
وحرصا منه على الاستخدام الأمثل للبنة العروضية فقدألجأته إلى استخدام كلمات لم تكن في محلها الصحيح .
إن هذا هو الديوان الأول للشاعر محمود خاطر فيه ما فيه –كما– من براءة البدايات، وسيطرة الذات والرغبة في اللإصاح والإبانة، لكنه ينم عن شاعريمتلك موهبة مبشرة، وأدوات تساعده على استكمال مشواره الإبداعي، واستكمال رؤيتهالشعرية لعالمه المليء بقضايا الإنسان.