القاهرة 04 يوليو 2017 الساعة 09:45 ص
جميعنا نعرف السينما الأمريكية .و بالطبع نعرف السينما الهندية، و التى لا يصلنا منها الا أفلام المغامرات و الاستعراضات ،التى كثيرا ما تنقل صورة مغلوطة عن صناعة السينما فى الهند ،و لكن العديد منا لا يعرف السينما الفرنسية ،التى لها طابع خاص و سمة عريقة ،تتميز بها عن غيرها من صناعة السينما فى بلاد كثيرة، و لعل هناك كثيرون أيضا لا يعرفون أن اصل صناعة السينما بدأ على أيدى الفرنسييين، و هما الأخوان لوميير اللذان طورا علم التصوير، ووصلا به الى الصورة المتحركة، عندما قاما بعرض أول فيلم فى تاريخ السينما و هو فيلم " وصول القطار " فى قاعة " جراند كافيه " بباريس عام 1895 .
و فى البداية لم يكن الأخوين لوميير قد خططا مستقبل لاختراعهما ،الذى غير تاريخ الفن الانسانى ، فقد كان بالنسبة لهما هو مجرد اختراع، و مجرد اسهام أخر من اسهاماتهما العديدة فى علم التصوير و البصريات ، حتى أن " لويس " و هو أحد الأخوين لوميير قال عقب عرض الفيلم " أن السينما
اختراع بلا مستقبل ".و قد كان لويس لوميير على حق عندما قال أن السينمااختراع بلا مستقبل، فالأخوان لوميير و ان كانت لديهما الفكرة العلمية و الابتكار التكنولوجى ،لكن لم يكن لديهما الابداع الفنى ،و هو العنصر الذى أوجد صناعة السينما فى العالم و هو الخيال ، القصة ، سواء كانت واقعية أو اسطورية أو محض خيال ، لذلك اقتصرت الأفلام التى صنعها الأخوان لوميير بعد ذلك، على الأفلام التى تصور الحياة اليومية و منها أحد الأفلام التى
صورت فى مصر عن بعض ميادين الاسكندرية، و قد كان ذلك خليقا بالفعل بأن يجعل السينما مجرد تطور لفن التصوير.
و لكن كان هناك أخرون يملكون الخيال و الموهبة ،التى انتقلت بالسينما من منطقة الاختراع الى منطقة الفن، و هو فرق شاسع و هوة رهيبة، و يقص علينا موقع " فيلم دى فرانس " قصة ذلك الرجل الذى خطا بالسينما اولى خطواتها على طريق الفن و الابداع ،و هو " جورج ميليس " و قد استغل الرجل موهبته فى الخدع السحرية ، و قام بانتاج أول فيلم خيال علمى فى تاريخ السينما العالمية و هو " رحلة الى القمر " عام 1902 ،و تبع ذلك 500 فيلم قام ميليس بانتاجها ،ليرسى بذلك السينما كصناعة ترفيه غزيرة الانتاج، و هو الأمر الذى ظهر بعد ذلك فى استوديوهات السينما الأمريكية بهوليوود، حيث انتجت فيما بعد الأف الأفلام التى تنوعت بين الكوميدى ،و الدرامى، و البوليسى ،و الخيال ،و أنواع عديدة أخرى .
و كما تأثرت شعبية مسارح برودواى فى الولايات المتحدة بالسينما ،و فقدت جزءا كبيرا من شعبيتها لصالحها ،كذلك تاثرت المسارح ،و قاعات الموسيقى الفرنسية بالفن الوليد، الذى اجتذب جزءا كبيرا من جمهور صناعة الترفيه الفرنسية ، و يقول الكاتب فى نفس المقال أن "ميليس" قد استطاع أن يخلق جمهورا فرنسيا شرها للسينما .و يتابع كاتب المقال فى سرد رواد السينما الفرنسية الأوائل ،فيتحدث عن اثنان أخران من صناع السينما ،هما " تشارلز باسى ، و ليون جامونت " اللذان أسسا شركة لانتاج و توزيع الأفلام ،و عينا لها موظفة تهتم بشئون السكرتارية هى " اليس جاى " التى صارت فيما بعد اول مخرجة فى تاريخ السينما العالمية، و التى قامت بانتاج أكثر من 400 فيلم قصير من مختلف أنواع الدراما، فى الفترة من 1896 الى 1920
و لم يقتصر اسهام اليس فى السينما العالمية فقط على اخراج الأفلام و لكنها أدخلت أيضا اسلوب السرد السينمائى فى السينما .
و يقول ريتشارد أبل استاذ الأدب المقارن بجامعة ميتشجان بالولايات المتحدة ،و الكاتب و الناقد السينمائى فى مقاله عن السينما الفرنسية فى بدايتها، و المنشور فى موسوعة تاريخ السينما التى قام بترجمتها و نشرها المركز القومى للترجمة ، يقول أبل عن السينما الفرنسية فى البدايات أنه فى عام 1907، تكررت مقالات الصحف الفرنسية عن فن السينما الوليد من بين مؤيد و معارض، و طرحت التساؤلات عن مصير فن المسرح، أمام هذا الطوفان الجديد المسمى بالسينما . يستطرد ابل قائلا : و مهما تكن المواقف المتخذة، و هى تتأرجح ما بين التمجيد الى الاستبعاد الشديد، فانه مما لاشك فيه أنه فى فرنسا كان عام 1907 ،هو عام السينما أو على حد تعبير أحد الكتاب المتحمسين " فجر عصر جديد للبشرية " و لقد بدا عندئذ أن مستقبل السينما بلا حدود .
و يتحدث أبل عن اثنين من رواد صناعة السينما الفرنسية، و هما الأخوان باتيه اللذان قامت شركتهما بانتهاج سياسة الانتاج الكثيف ،سواء من عدد الأفلام المنتجة، أو دور العرض السينمائى التى قاما ببناء العديد منها فى باريس، و باقى مدن فرنسا ،و ذلك فى الفترة ما بين عامى 1906-1907 ،حتى أنه بحلول عام 1909 كانت هناك دور عرض سينمائى فى كل مدن فرنسا و بلجيكا ، أما عن ظهور الفيلم الروائى بشكله المعروف، فيحدثنا كاتب المقال قائلا : فى عام 1911 بدأت فى الظهور الأفلام الروائية، الى يصل طولها الى ثلاث بكرات أو أكثر و قد قدمت شركة باتيه أول تلك الأفلام، فى ربيع نفس السنة و هو ميلودراما كابللانى التاريخية " جاسوس ليونز " . و يوضح ريتشارد أبل فى مقاله أن تلك كانت بداية اقتباس السينما من الأدب، حيث تلا " جاسوس ليونز " دراما جيرارد البرجوازية " ضحايا الكحوليات " و رائعة فيكتور هيجو " احدب نوتردام .ثم يستطرد أبل قائلا : و طوال السنوات القليلة
التالية أصبحت الأفلام الروائية الطويلة هى موضع الجذب الأساسى فى البرامج السينمائية الفرنسية .
كانت تلك محاولة متواضعة لالقاء الضوء ،على بداية احدى أعرق صناعات السينما فى العالم و هى " السينما الفرنسية " ،و التى للأسف الشديد لا يصلنا منها الا القليل من الأفلام التى تعرض فى مهرجانات السينما العالمية، التى تقام فى مصر كمهرجان القاهرة ،و مهرجان الاسكندرية ،و التى بعد انتهاء المهرجان لا تعرف طريقها الى قاعات العرض ،فهى أفلام غير تجارية ، فمعظم الأفلام التى تعرض فى دور العرض الأن، هى أفلام تجارية تهدف أساسا الى الربح ،سواء كانت أفلام مصرية أو أمريكية ،و هى ربما تكون السينما الأجنبية الوحيدة التى تستطيع شق طريقها الى دور العرض، بما تتميز به من الأبهار، و الاحتراف التجارى ،و التى صارت الأن هى واجهة السينما بالنسبة للكثيرين، اللذين ربما يظنون أنه لا توجد سينما اخرى فى العالم سوى السينما الأمريكية، التى تظهر عليهم بوحوشها، و ابطالها الخارقين، لكن الحقيقة أن هناك صناعات عريقة للسينما، فى دول كثيرة مثل فرنسا، لذلك كان هذا المقال عبارة عن اطلالة قصيرة على السينما الفرنسية، و لكن مازال الكثير لم يقال بعد عن تلك السينما ،التى ولدت فى مدينة الفن و النور و الجمال " باريس " ،حيث يقبع برجل ايفل و متحف اللوفر، و مسلتنا المصرية العظيمة .