القاهرة 30 مايو 2017 الساعة 12:52 م
ترجمة/ سناء عبد العزيز
نقلا عن/ موقع المسرح القومي البريطاني
يرتبط العرض المسرحي عادة بحدين صارمين لا يقبلان المساومة؛ أولهما المكان الذي يتم الأداء المسرحي بين جنباته، وثانيهما الجدول الزمني المحدد للعرض، وهذان الحدان على الرغم من كونهما الوسيلة الوحيدة لتحقيق المشاهدة الحية؛ فقد أسهما – بلا شك – في محدودية جمهور المسرح على مر تاريخه، فتقلصت شريحة جمهوره مقارنة بجمهور السينما، حيث ظل دومًا رهنًا بهذين البعدين.
وفي محاولة لإكساب هذين البعدين بعضًا من المرونة والتمديد خارج الأطر الضيقة؛ كان لابد من ابتكار أفكارًا جديدة، ومن هنا جاءت فكرة المسرح القومي لايف.
تجاوز الأسوار
قامت فكرة المسرح القومي لايف في لندن (NT Live) على تلك الجدلية؛ تجاوز الزمان والمكان من خلال فريق من الخبراء ينقلون ما يتم على خشبة المسرح من عروض بكاميراتهم الذكية الحساسة وبثها في التو واللحظة بثًا مباشرًا إلى دور السينما وأماكن ومراكز الفنون في جميع أنحاء العالم.
بدأ هذا المشروع منذ سبع سنوات، واجتذب بالتدريج جمهورًا يزيد عن 5.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، هذا الجمهور أُتيحت له فرصة الاستمتاع بسحر العروض المسرحية الحية، بعيدًا عن رفاهية السينما في بلدانهم.
وتتلخص فكرة المسرح القومي لايف (NT Live) في بث العروض المسرحية من على خشبة المسرح إلى تلك الأماكن محتفظة بحيويتها الآنية بواسطة فريق من الخبراء يتضمن عملهم تصوير أعمال المسرح القومي والعروض المسرحية المشاركة وبثها مباشرة.
اجتذاب جمهور واسع
بدأ المسرح القومي لايف بوصفه وسيلة تتيح للجمهور فرصة الدخول إلى عروض المسرح القومي خارج لندن. في البداية تم بث تلك العروض في دور السينما في المملكة المتحدة فقط، وبمرور الوقت لاقت تلك الفكرة وما يقدمه المسرح القومي استحسانًا من قبل جمهور عالمي.
هذا النجاح الذي حققه المسرح القومي لفت نظر المسارح الأخرى لقوة الفكرة وقدرتها على كسر حاجز المكان الذي ظل لصيقًا بالمسرح طيلة مسيرته بين الفنون الأخرى، مما جعلهم يجربون الفكرة بالاستعانة بفريق الخبراء لبث نتاجهم، ومن ثم شارك المسرح القومي لايف حتى الآن في نقل أكثر من 40 عرضًا مسرحيًا من المسارح الرائدة في لندن إلى جميع أرجاء المملكة المتحدة وخارجها، وبحلول شهر مايو من العام الماضي 2016 وصل عدد جمهور المسرح القومي لايف أكثر من 5.5 مليون.
هل يختلف البث الحي عن العرض المسرحي؟
المسرح القومي لايف ليس محاولة لإعادة التجربة المسرحية الحية، بل هو بالأحرى يبتكر شيئًا مختلفًا تمامًا. وذلك عن طريق تقريب اللقطات وحركة الكاميرا، فهو بمثابة تقنية سينمائية لتمرير تجربة المسرح. ويحتفظ البث المباشر بذلك الشعور الساحر والرائع الذي تحسه وأنت تشاهد عرضًا حيًا. كما تحس بحقيقة الأحداث، مع ذلك التواصل بين كثير من الناس في جميع أنحاء العالم ومشاركتهم التجربة.
كان أول بث مباشر للمسرح القومي لايف هو مسرحية فيدرا Phèdre في يونيو 2009 التي شاهدها أكثر من 50،000 شخص. وهي تراجيديا مكونة من خمسة فصول كتبها جان راسين. تأثر راسين في كتابة فيدرا بالفكر التشاؤمي لجماعة الجانسينيست وتدور أحداث المسرحية حول فيدرا زوجة الملك الشابة التي تقع في عشق ابنه وعندما يشاع موت زوجها في إحدى المعارك تمني نفسها بالزواج من ايبوليت الابن، مدفوعة بقدر ما، ليس بوسعها الفكاك منه؛ إلا أن ايبوليت يستهجن ذلك عندما يعلم به، وحين يعود الملك سالمًا يصب جام غضبه على ابنه وتتصاعد الأحداث.
وتعتبر مسرحية هاملت Hamlet مع بنديكت كومبرباتش Benedict Cumberbatch، هي أضخم بث مباشر، تم عرضه حتى الآن؛ حيث شاهدها أكثر من 550،000 شخص في جميع أنحاء العالم.
هل يتم البث بالفعل "مباشرة"؟
نعم، يتم تصوير العروض لايف وتبث في وقت واحد في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا. وبطبيعة الحال، عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة وكندا، فثمة فروق شاسعة في التوقيت يتم التعامل معها، وبالتالي فإن معظم الأماكن تعرضها في نفس اليوم مثل التصوير الحي ولكنها تتأخر وفقًا للفروق الزمنية. وهناك أيضا بعض المحافل الدولية التي تعرض العروض في غضون بضعة أسابيع من تاريخ البث المباشر.
ومما يحافظ على البث الحي، عدم معالجة اللقطات، حتى بالنسبة للمناطق المختلفة في التوقيت، وذلك حتى يتسنى للجميع الاستمتاع بنفس البث. وهناك أيضًا عروض تتم إعادتها بانتظام للبث وهي العروض الأكثر رواجًا.
ومما لا شك فيه أن التحدي الأكبر في تلك التقنية يكمن في اقتناص الفروق الدقيقة بنجاح في المسرح على الكاميرا بطريقة ديناميكية وتفي بكمال العمل المسرحي. فما بدأ باعتباره تجربة أصبح الآن يجمع بين فورية العروض المسرحية الحية واللغة الدرامية للفيلم.
ومن أهم الأعمال التي تم عرضها “البحر الأزرق العميق" The Deep Blue Sea، لتيرنس راتيغان Terence Rattigan الذي تم بثه في أول سبتمبر الماضي. بطولة هيلين مكروري Helen McCrory وهي من الأعمال التي تناولها النقاد بحفاوة، وتدور المسرحية حول امرأة على علاقة غير مستقرة مع طيار في سلاح الجو الملكي البريطاني في خمسينيات القرن العشرين في انجلترا.
لعل مشاهدة العروض الحية بتوسيع نطاق عرضها مع تردى أحوال المسرح في الآونة الأخيرة ومع رحيل قاماته، تعد من الأفكار التي قد تسهم في اجتذاب جمهور جديد، بحيث يتمكن أكبر عدد من محبي المسرح من مشاهدة ما يروق لهم دون التقيد بمكان واحد، فهل يصبح من المجدي طرحها ولو على سبيل المعرفة لمن يهمهم الأمر؟!