القاهرة 30 مايو 2017 الساعة 11:27 ص
الانترنت كتاب رائع، سهل التناول، شيق القراءة.
القاع عندنا مزدحم بأعمال تغطيها زبدة نفاق لا تصمد أمام المواجهات العلمية الجادة.
معظم الوقت اكتب لأمتع نفسى ولا ادرك نوعية الكتابة (جادة أم ساخرة)
حوار : إبراهيم حمزة
لا يمكن إنكار وجود جيل من الكتابات الساخرة التى تنمو عبر وسائل الاتصال الحديثة ، وتزدهر وتترعرع فى حضن الفيس بوك ، وتؤتى أكلها عبر تغريدة سريعة على " تويتر " .. وهكذا نجد لغة جديدة رشيقة ساحرة ساخرة ، عبر كتابات موهوبة عميقة ، من أبرزها الدكتور ياسر العدل
وهو من مواليد مايو 1947م.
ولد بقرية ديمشّلت - مركز دكرنس - محافظة الدقهلية - مصر.
أستاذ الإحصاء بتجارة المنصورة ، وكاتب ورحالة ، وواحد من دراويش مدرسة الكتابة الساخرة
أصدر عام 1999م كتابه ( رحلات واحد مفلس - عام 1999م )
ثم أصدر بعد عامين كتابه ( عليه العوض - عام)
مما نطالعه للكاتب د. ياسر العدل ، نقرأ – على سبيل المثال :
(فعلتْها الجميلة معى، اقتربَتْ منّى هادئة، تحفّها أنوثة طاغية وعطْر فوّاح .. وفى لحظة توترى المناسبة تجاهها كادت أن تمسك أذنى ثم قالت بحسْم: خلّى الجربانة بتاع الفيسبوك تنفعك)
*****
(أنا لسْتُ كاتبا ساخراً .. فقط أنا أحبّ الحياة كما هى، وأمد يدى لها دون ادّعاء نبوّة أو إمْساك بحقيقة أو خَجَل من ضعْف .. الحياة من حولنا مليئة بالمساخِر)
*****
(ثلاث من النّساء مبشّرات بالجنّة .. أمىّ، وأم العيال الدكتورة مراتى، والموزّة .. كان الربّ فى عونهن على تحمّل غتاتتى ونزقى .. أنا صايم)
*****
(إنى هنا ألقى قولا أراه ثقيلا يستوعبه من كانت به خصاصة فطنة وثقافة .)
***** (إلى البنت حبيبتى .. النهارده انا تعبان من تطنيشك لى، وابتديت اخبّط فى الحلل واتكلم عن البلد والدّين والسياسة .. تعالى جنبى احبّ فيك واكتب لك وعنّك .. هروح فى داهية بسببك، يارب تموتى)
*****
(أم العيال الدكتورة مراتى اقتربت منّى باسمة حانية وقالت: صباحك عَسَل، يا بركة .. انتفضت هائجاً صاخباً وقلت لها: صباحك قشْطة، يا بركة وستّين بركة)
*****
(أقول قولى هذا ولا أستغفر عما يفعله السفهاء من حكامنا، إنهم بسلطان قهر يتولون أمورنا، وبسقط متاع يشترون فقهاء يباركون تخلفنا، ولا أستغفر عما يبدر من دعاة لا يقدرون على علم مضبوط يصنع لنا قيما حضارية معاصرة، إنهم دعاة يختزلون حضارتنا فى فقه الفصل بين بول الناقتين، ناقة سافرة وناقة منقبة.)
وإلى الحوار :
إلى أى مدى كانت الأسرة ، والأم خاصة مصدرا للحس الساخر ؟
أبى كان أزهريا ويتعامل بحس ساخر مع الأشياء .. أمى كانت تصنع حكاياتها الساخرة وتلصقها عادة بما يقوله أبى .
أليس غريبا الجمع بين علم الإحصاء –كعلم عقلى بحت – وبين الكتابة العميقة الباسمة الساخرة ..لماذا كان اختيار كلية التجارة ، ثم علم الإحصاء ؟
الساخر الجيد هو بالضرورة عاقل جيد يعرف نسق الانسياب المنطقى فى الأشياء ويعرف متى يكون التناقض بينها باعثا على البهجة ..كل العلوم فنون وهى بطريقة ما تملك أدوات دراسة السياق للظواهر ، ومن ثم يمكنها وضع جماليات ساخرة فى علاقات الظواهر .. أما عن اختيارى الدراسة فى كلية التجارة فهى اختيار مشروط بأليات مكتب تنسيق دخول الجامعات .. أما اختيارى لدراسة الإحصاء فكان اختيار بين بدائل متاحة أمامى للدراسة العليا.
كتاباتكم الجادة قيمة جدا ، تعتمد – ككل الكتاب الكبار – دمج الرأى بالمعلومة العميقة ، إلى أى الكتابات تميل : الجادة أم الساخرة ؟
أنا لا اكتب لأضيع وقتى .. اكتب لأستفيد مما اكتبه .. لذلك أجمع المعلومة وأتداولها فى ذائقتى ثم أضعها فى سياق انفعالى واكتبها على خلفية ايقاع موسيقى ..معظم الوقت اكتب لأمتع نفسى ولا ادرك نوعية الكتابة (جادة أم ساخرة) الا بعد الانتهاء منها .. وفى كل الأحوال فانا اكتب بجدية
نفيت عن كتباتكم صفة " الكتابة الساخرة (أنا لسْتُ كاتبا ساخراً .. فقط أنا أحبّ الحياة كما هى) لكنك تقدم سخرية تختلف تماما عن السائد ، حيث تقدم قصة قصيرة أو تغريدة عميقة تعتمد التركيب البنائى حتى تصل لمبتغاها .. حضرتك ابن أى مدرسة فى الكتابة ؟
لست مكترثا بتصنيف طبيعة كتاباتى فذلك أمر يخص القارئ والناقد .. كل ما أدركه أنى أكتب باكتراث شديد .. ولأننى لست دارسا علميا للأدب فلا أستطيع يقينا أن أدلك إلى أى مدرسة أدبية أنتمى.
الكاتب "ناجى جورج " ظل يقدم فى الأهالى " يوميات موظف ، إلى أى مدى تجد تجربته مفيدة للكتاب الساخرين ، خاصة أن حضرتك تعتمد على تيمات مثل أم العيال الدكتورة مراتى ، والواد الباشمهندس ابنى ، الموزة إلخ .. هل استفدت من تجربة ناجى جورج ؟
منذ سنوات قرأت بضع أعمدة صحفية للكاتب "ناجى جورج" فى جريدة الأهالى لكنها لم تعلق فى ذهنى .. أنا لا أمتهن الأدب ولا أمتهن الموسيقى لكننى مولع بإيقاع رحلاتى بين الكتب العلمية والأماكن والبلاد وقليل من البشر .. نادرا ما أقرأ عملا أدبيا فى شكل قصة او شعر او مقال .. الكتابات العلمية احب قراءتها اكثر
الحس الفلسفى العميق ، كون لنصوصكم مجالا للتأويل .. هل ضيق العبارة وتكرار الرمز فى بعض كتاباتكم الساخرة يقف عائقا أما الانطلاق فى تجارب متعددة ؟
لعل كثرة ما شاهدت فى رحلاتى من أحداث وبشر هى ما جعلت رغبتى عالية فى تعريف الأشياء وتصنيفها، وهذا المنحى من السلوك هو بطبيعته منحى فلسفى .. التأويل مشكلة القارئ المتلقى .. القارئ يلجأ للتأويل حين يصادر على نفسه ويتناول النص باعتباره نصا مقدسا يصعب تفسيرة فى الواقع، أو أن القارئ لدية ضعف فى اللغة وتهرؤ فى صياغة التعريف .. أنا أتحرى الدقة فى التعريف والتصنيف تجنيا للتأويل ..
جزء من عبقرية الكتابة لديكم يعتمد على اللغة وخصوصيتها ، التناص مع النص القرآنى أو الحديث النبوى يحمل النص قدرات عالية .. إلى أى حد كان للإنترنت تأثيره على ما تكتبه ؟
لعل تربيتى فى البداية كان لها تاثير على لغتى العربية .. فى الطفولة دخلت كتّاب قريتنا (ديشملت، قريبة من مدينة المنصورة، شمال شرق دلتا النيل) وحفظت جزء "عم" من القرآن الكريم .. والدى كان مدرسا للغة العربية يكثر من مراقبة لغتى العربية نطقا وفهما وقواعد وتصحيحا .. أذكر أننى فى الخامسة عشرة من عمرى قرأت كتاب "إحياء علوم الدين" للامام الغزالى .. حب اللغة جرسا ونطقا أثر فى طريقة تعاملى مع وقائع حياتى اليومية .. أما عن الانترنت فهى بالنسبة لى كتاب رائع، سهل التناول، شيق القراءة .. الانترنت تساعدنى فى جمع بعض المعلومات التى تخدم الأرضية الفكرية التى أتناول بها نصا معينا.
"ندوة الفكر " لماذا لم تستمر طويلا ؟ وهل الإدارات الجامعية كلها تفتقد الحس الثقافى ؟ وهل لو كنت مسئولا .. هل كنت ستفتح بابا للحرية ؟
ندوة الفكرة التى أقمتها بين طلاب كلية التجارة جامعة المنصورة (حيث أعمل) كانت تجربة ثقافية تحملتها وحدى تخطيطا وإدارة ولم تستمر إلا لعام واحد .. ندوة الفكر كانت مفتوحة ثقافيا ومارس الجميع حرياتهم الفكرية وحين لمس كثير من الطلاب جديتها امتد نشاطها وضمت طلابا من كليات الهندسة والآداب والطب والعلوم .. كانت الندوة فى كلية التجارة تضم حوالى 30 طالبا يجتمعون أسبوعيا كل يوم اثنين، فى قاعة رقم اثنان، بدءا من الساعة اثنان .. العمل الثقافى فى الجامعة مرهون برغبة كلٍ من القيادة الجامعية والروتين الإدارى .. الوضع الثقافى الآن منهار فى جامعاتنا .. لو أننى مسئول عن النشاط الثقافى فى الجامعة لأضفت كثيرا إلى مدارك الطلاب من خلال عمل مؤسسى جماعى فأنا أحب الفنون والمسرح والرحلات
هل الكاتب الساخر لديكم له وجوده فى الحياة العامة ، مع طلابك ، مع أبنائك، فى مجتمعك ؟
لى وجود طيب مع أبنائى وبعض المحيطين بى .. أما العمل العام فلست إنسانا ساخرا بل جاد فى عملى وأسعى إليه بشروطى البسيطة .. شروطى فى العمل العام أن ترتفع أنشطتنا فوق مستوى قاع الشخصنة، فالقاع عندنا مزدحم بأعمال تغطيها زبدة نفاق لا تصمد أمام المواجهات العلمية الجادة.