القاهرة 18 ابريل 2017 الساعة 02:04 م
دار حوار بينى وبين عميد كلية التربية بجامعة عين شمس الأستاذ الدكتور سعيد خليل حول وسائل تطوير كلية التربية. وكان رأيه أن الثورة الالكترونية تلزمنا بهذا التطوير فى مجال المناهج والمقررات إلى الحد الذى يمكن فيه حذف بعضها وإضافة أخرى على أن يتم ذلك بفكر إبداعي. وعند هذه النقطة أشار إلى أنه بصدد تأسيس «مركز الإبداع» لتحقيق الغاية المطلوبة من التطوير. وعندئذ سردت له قصة جديرة بأن تُروى وهى كالآتي:
فى 18/2/1988 عرضت على وزير التعليم الأستاذ الدكتور فتحى سرور فكرة مشروع عن «الإبداع والتعليم العام» فوافق بلا تردد على أن تُعقد فى البداية ندوة نحدد فيها تفصيلاً المطلوب تنفيذه من هذا المشروع، وقد كان إذ انعقدت فى 9/12/ 1989. وقد وجهت كلمتى فى الجلسة الافتتاحية تحية تقدير إلى الوزير لجرأته فى اقتحام مجال التخلف وهو مجال التعليم بفكر غير تقليدى يؤثر فيه الإبداع على الاتباع لأنه يؤثر التقدم على التخلف، وأمتنا فى حاجة إلى هذا اللون من الفكر». ثم قال الوزير فى كلمته« إنه لابد من تطوير جذرى للمناهج فى التعليم ما قبل الجامعى والتعليم الجامعي. وإذا كانت حركة التطوير قد بدأت فإنها لابد أن تسير سيراً يعتمد على محاور الإبداع. ولهذا فإننا نتطلع إلى رؤية أهداف المناهج وقد احتل الإبداع فيها مكاناً كبيراً».
والجدير بالتنويه هنا أن من لوازم الإبداع إلغاء الكتب الخارجية التى تصدرها مكتبات شارع الفجالة بالقاهرة والتى تلخص الكتاب الأصلى الصادر عن وزارة التعليم فى نقاط محددة يحفظها الطالب، ثم يخزنها فى ذاكرته ليتقيأها فى ورقة الامتحان فى آخر العام. وعندما بدأنا التنفيذ ثار شارع الفجالة. فما كان من وزير الداخلية إلا أن قال لوزير التعليم «اترك الفجالة على حالها» وإثر هذه العبارة ترك الوزير الوزارة وذلك بتعيينه رئيساً لمجلس الشعب وتوقف مشروع الإبداع فى وزارة التعليم إلا أن الإبداع لم يتوقف فى كلية التربية ، إذ كنت قد أسست «سمينار الإبداع» فى عام 1987. وفى عام 1990 آثرت تحويله إلى مركز سميته «مركز الإبداع لتطوير التعليم»، وقد وافق مجلس الكلية على تأسيسه فى 22/4/1992، ثم وافق عليه مجلس جامعة عين شمس فى جلسته بتاريخ 24/2/1993 برئاسة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ الذى تقاعد بعد هذه الجلسة، وعُين بعده الأستاذ الدكتور عبد السلام عبد الغفار الذى كان فيما قبل ذلك عميداً للكلية ثم وزيراً للتعليم وهو يعتبر من أعمدة نظام الرئيس أنور السادات فامتنع عن تنفيذ قرار المجلس. وقد صاحب هذا المنع بداية صراع مع الأساتذة حول مدى مشروعية سمينار الإبداع. وقد توقف الصراع عندما أخبرنى عميد الكلية الأستاذ الدكتور أمين المفتى بأن الأساتذة أصروا على غلق السمينار وإلا فإنهم فى طريقهم إلى التصعيد. وفى زمن السادات هذا التصعيد وارد وممكن وقابل للتنفيذ، وقد كان.
والسؤال اللازم إثارته هو على النحو الآتي:
لماذا هذه الحساسية ضد الإبداع، أو فى صياغة أخري، لماذا الإبداع فى أزمة فى مجال التعليم؟
جوابى كالآتي:
إن نظام التعليم على علاقة عضوية مع النظام السياسي، أى أنهما متلازمان. والمعايش للنظام السياسى فى مصر يلمح بلا مشقة العلاقة العضوية بينه وبين الإخوان المسلمين منذ بداية ثورة يوليو فى عام 1952، إذ هيمن فكر الإخوان المتمثل فى فكر ابن تيمية على نظام التعليم خفية فى زمن الرئيس عبد الناصر وعلانية فى زمن الرئيس السادات مع بداية التحرر منه فى زمن الرئيس عبد الفتاح السيسي.
والسؤال بعد ذلك:
ما هو فكر ابن تيمية؟ وما علاقته بنظام التعليم؟
فى كتابه المعنون «درء التعارض بين العقل والنقل» يقرر ابن تيمية أن النص الدينى الذى سمعناه من الرسول صلى الله عليه وسلم هو ثابت بالسمع سواء علمنا ثبوته بالعقل أو بغير العقل، لهذا فإن ثبوت ما أُخبرنا به ليس موقوفاً على عقولنا. ولهذا فإذا أعملنا العقل فى النص الدينى فيجب أن يأتى هذا الإعمال موافقاً للسمع. وبذلك يهبط العقل إلى مستوى الحس الذى هو السمع. ومن هنا يمكن تعريف الإنسان ليس على أنه كائن يعقل إنما على أنه كائن يحس». وتأسيساً على ذلك التعريف يتم أفول العقل، ومن ثم أفول الإبداع. ولا أدل على صحة هذه النتيجة من قول ابن تيمية إن التأويل الذى هو عبارة عن إعمال العقل فى النص الدينى للكشف عن المعنى الباطن هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. وهذا القول على نقيض قول ابن رشد من أن التأويل هو إخراج اللفظ من دلالته الحسية إلى دلالته المجازية. وبسبب هذه الدلالة المجازية تتعدد التأويلات، ومع تعددها يمتنع الإجماع. ومن هنا يقول ابن رشد«لا يُقطع بتكفير مَنْ خرق الابداع». وإذا أخذنا بهذا القول فإن ممارسته تفضى إلى تفجير الطاقة الإبداعية الكامنة فى عقل الإنسان. وتعريفى للإبداع يدلل على صحة العلاقة العضوية بين العقل والإبداع لأن الإبداع هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الوضع القائم. إلا أن تغيير هذا الوضع ليس ممكناً من غير أن يكون هذا الوضع فى حالة أزمة، وعندئذ نستدعى الوضع القادم الذى هو رؤية
مستقبلية. وفى هذا السياق يمكن القول بأن كلية التربية فى أزمة بسبب أفول الإبداع وما يترتب عليه أفول العقل.
والسؤال إذن:
هل فى إمكان عميد تربية عين شمس الأستاذ الدكتور سعيد خليل نقل الكلية من أفول العقل إلى سلطان العقل ومنه إلى سلطان الإبداع؟