القاهرة 18 ابريل 2017 الساعة 01:45 م
صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ان العلاقات بين واشنطن وبكين فى «تقدم هائل» في اليوم الثاني من محادثاته مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في فلوريدا. وقال ترامب أمس «أحرزنا تقدمًا هائلًا في علاقاتنا مع الصين»، مضيفا «أعتقد حقيقة أننا أحرزنا تقدمًا» واصفًا العلاقة الثنائية بأنها «استثنائية». وقال مثيرًا الضحك بين أعضاء الوفد «أجرينا حديثًا مطولًا وحتى الآن لم أحصل على شيء. لا شيء على الإطلاق». إلا أنه أضاف «لكنني أرى، على المدى الطويل بحسب اعتقادي، أننا سنتمكن من إقامة علاقة جيدة جدًا جدًا». ورد شي شاكرًا الرئيس الأمريكي «لاستعداداته الممتازة واستقباله الدافئ» مؤكدًا أن «هذا اللقاء كان مميزًا وتبعاته مهمة جدًا للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة. ووصف شي المحادثات بأنها «اتصالات متعمقة ومطولة». وجرت القمة في منتجع ترامب للجولف في مارالاغو بفلوريدا.
حبست الأسواق المالية حول العالم، والسياسيون أنفاسهم اثناء أول لقاء مرتقب بين زعيمي أكبر دولتين في العالم من المقرر عقده في 6 و 7 أبريل الحالي في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة، فما قد يحدث بين الزعيمين سيعني الكثير ليس لمصير التجارة بين البلدين وحسب، بل على مستوى العالم أيضًا، فاستقرار العلاقة بين البلدين تعتبر ركيزة أساسية لاقصاد العالم برمته. حيث يضمر ترامب العداء للصين منذ صعوده إلى البيت الأبيض، وينوي بأي شكل من الأشكال أن يعاقبها بسبب الميزان التجاري بين البلدين ولتلاعبها بالعملة لمصلحة تنافسية بضائعها، بالإضافة إلى الخلافات في بحر الصين الجنوبي. بين سعي الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة نحو تعزيز إجراءات الحماية التجارية وجعل "أمريكا أولا" شعارًا له، تسعى الصين من جهتها للحفاظ على وتيرة صادراتها نحو السوق الامريكية، إذ تعتمد سياسة ترامب الجديد على "معاقبة" أي دولة تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري معها وذلك من خلال فرض رسوم جمركية على بضائعها وتضييق أسواقها في الولايات المتحدة.
تصريحات مثيرة للجدل، تحمل في طياتها لهجة عدائية، أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من شأنها تأجيج الأوضاع بين أكبر قطبين للاقتصاد العالمي، واتهام صريح للصين بأنها دولة تتلاعب بعملتها من أجل الإضرار بالمصالح الأمريكية، وقال ترامب: «بيننا حرب تجارية، ونحن لن نخسرها». وتلا ذلك تصريحه في الحادي عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، «لماذا ينبغي علينا أن نلتزم بمبدأ الصين واحدة إذا لم نتوصل إلى صفقة مع الصين في قضايا أخرى، في مقدمتها القضايا التجارية». يأتي هذا في الوقت الذي أظهرت فيه أرقام الهيئة العامة للجمارك الصينية تراجع الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 10 مليارات دولار بين عامي 1015 و 2016. ومن المحتمل أن يتراجع هذا الفائض في ظل تولي ترامب لإدارة البيت الأبيض، وتعرُّض الصين لإجراءات حمائية كبيرة، وعدم المقدرة على النفاذ إلى السوق الأمريكي، وهنا يثار تساؤل حول ما ستشهده الأيام المقبلة من حرب تجارية محتملة بين قطبي الاقتصاد العالمي. من المرجح استمرار اللهجة العدائية إلى أن يحقق ترامب بعض من المكاسب التجارية، لاسيما أنه يعلم حسابات الربح والخسارة، ويتبنى رجل الأعمال الأمريكي شعار «إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى»، ويبدو أن ذلك سيصطدم مع طموحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يصور نفسه على غرار ترامب كزعيم قوي مهمته الأساسية «جعل الصين عظيمة مرة أخرى».
وبدأت التصريحات العدائية مع قيام ترامب باستخدام الشعارات الحماسية خلال حملته الانتخابية، بتعهده برفع الضرائب على السلع الصينية واعتبار الصين «دولة تتلاعب بالعملة»، لأنها تتعمد تخفيض قيمة عملتها الوطنية، حتى يتفوق المنتجون الصينيون على الأمريكيين، وحذر بفرض ضرائب جمركية على السلع الصينية الوافدة للسوق الأمريكي بنحو 45%، وتخفيض ضرائب الأرباح على الشركات التي تعمل بالسوق الأمريكي لتستقر على نحو 15% بدلا من 35%، لتستطيع منافسة السلع الصينية، وقال ترامب: «بيننا حرب تجارية، ونحن لن نخسرها». وزادت حدة التصريحات العدائية بعد أن تلقى ترامب اتصالا هاتفيا من رئيسة جزيرة تايوان، تساى أنج وين، بحجة التهنئة على الفوز في الانتخابات الأمريكية. تلك الجزيرة ذات الحكم المستقل، والتي تعدها الصين أحد أقاليمها. أعقب هذا الاتصال تصريح لترامب، ملمحا إلى أن واشنطن قد لا تلتزم بسياسة الصين الواحدة التي تتبعها منذ سبعينيات القرن الماضي، في إشارة تدل على سير واشنطن نحو استخدام حجة الاعتراف بجزيرة تايوان كورقة ضغط ضد بكين لتحقيق مكاسب اقتصادية، أهمها رفع قيمة اليوان الصيني في مقابل الدولار الأمريكي. وكان الرد الصيني شديد الحدة، إذ قوبل أمر المساومة على السيادة واستخدام ترامب لجزيرة تايوان للضغط على الصين من أجل تحقيق مكاسب تجارية بالرفض، واحتجت وزارة الخارجية الصينية على هذه التصريحات المعتدية على مبدأ «صين واحدة»، والقائم منذ سبعينيات القرن الماضي، كحاكم للروابط الصينية الأمريكية. وحذرت صحيفة جلوبال تايمز الصينية أن مبيعات آيفون والسيارات الأمريكية وغيرها من السلع الأمريكية ستعاني من انتكاسة حالة قيام الرئيس الأمريكي ببدء حرب تجارية ضد الصين.
لا شك أن التشابك الاقتصادي بين الاقتصاد الصيني والأمريكي بلغ ذروته مؤخرا، حيث بلغ حجم التجارة الخارجة بين البلدين نحو 600 مليار دولار في العام 2015، خلافا للتجارة في الخدمات التي تتفوق فيها واشنطن على نظيرتها بكين بفائض قدره 33 مليار دولار في العام نفسه. وكانت الصين أكبر مصدر للبضائع المستوردة إلى الولايات المتحدة في عام 2015، وفقا لمكتب الممثل التجاري الأمريكي. وفي إطار التجارة السلعية، يعلم ترامب أن موقف بلاده أقوى من الصين، إذ إنها أقل اعتمادا على التجارة الخارجية مقارنة بنظيرتها الصينية، حيث بلغ إجمالي التجارة الخارجية للصين ما يعادل 41% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، بينما كان اعتماد الولايات المتحدة على التجارة الخارجية نحو 28% من الناتج المحلي الإجمالي في نفس العام. أضف لذلك قيام الصين ببيبع سلع أكثر للسوق الأمريكي. وتسعى واشنطن في ظل إدارة ترامب إلى عرقلة نفاذ الصادرات الصينية إلى السوق الأمريكي، وهذا يعني تكبد الاقتصاد الصيني خسائر كبيرة. إذ بلغ إجمالي الصادرات السلعية الصينية إلى السوق الأمريكي ما قيمته 483 مليار دولار مقارنة بنحو 116 مليار دولار فقط مبيعات أمريكا إلى الصين عام 2015. ولفت ترامب إلى أن «الصين تفرض رسوما على منتجاتنا عبر الحدود، بينما لا نفرض نحن رسوما على بضائعهم». لذا من المحتمل أن تواجه الصين صعوبات قادمة، حتى بعد أن أظهرت مرونة في تعويم عملتها. وعلى مستوى الاستثمار الأجنبي، تحظى الصين بأهمية نسبية، إذ تملك الشركات الصينية استثمارات ضخمة بالولايات المتحدة تقدر بنحو 45.6 مليار دولار، وذلك وفقا لتقديرات شركة Rhodium Group لعام 2015، وهي شركة استشارات أمريكية، موزعة بين عدد من القطاعات الحيوية. وتظل استثمارات الصين في الديون السيادية الأمريكية، تحظى بأهمية بالغة كورقة ضغط رابحة للإدارة الصينية، إذ تأتي الصين في المرتبة الأولي عالميا، وفقا لما كشفت عنه الخزانة الأمريكية. إذ بلغت استثماراتها بنهاية شهر مارس/آذار 2016 نحو 1.244 تريليون دولار في الديون الأمريكية. أي تملك بكين وحدها نحو 20% من مجموع الديون الخارجية لواشنطن، لتصبح بذلك الدائن رقم واحد في العالم للولايات المتحدة الأمريكية.
كما تملك الصين أوراق ضغط أخرى يمكن أن تساوم بها الولايات المتحدة الأمريكية في إطار حربها التجارية. كإلغاء أوامر شراء طائرات من شركة بوينج الأمريكية، لاسيما وأن الصين قامت بمشتريات بلغت نحو 12% من مبيعات شركة بوينج عام 2015، ومن المحتمل تحول الصين نحو الشراء من شركة إيرباص جنبا إلى جنب مع خفض استيراد الأقماح الأمريكية وبعض السلع الزراعية كفول الصويا وغيرها من المنتجات الزراعية التي يمكن لبكين استعاضتها بالاستيراد من كندا والبرازيل والأرجنتين. وإجمالا؛ تعد الصين الشريك التجاري الأول لعدد من الأسواق الأفريقية وأسواق الشرق الأوسط، كما أنها تمتلك حصصا تقليدية واسعة في السوق الآسيوي، كما أن إنشاء طريق الحرير لربط الصين بالعاصمة البريطانية، لندن، يأتي في إطار بحث الصين عن فرص تجارية جديدة لتعزيز صادراتها. لكن السوق الأمريكي مازال السوق الأكبر بالنسبة للصاردات السلعية الصينية. يرى عدد من المراقبين أن هناك صراعا محتملا إذا ما نفذ ترامب وعوده بتقييد نفاذ السلع الصينية للسوق الأمريكي. إذ سيؤدي هذا الإجراء إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي للصين بنحو 1 : 2%. ولا شك أن الرد الصيني سيكون مناسبا، في ظل ما تملكه من أوراق ضغط أهمها الاستثمار في الديون السيادية الأمريكية. فلن تسمح الصين بذلك بعد أن تضاعف الاقتصاد الصيني نحو 6 مرات في 14 عاما، وسعيها الدءوب لتتفوق على القوة الاقتصادية الأمريكية الأولى بحلول عام 2040، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، والثابت أن هذا التصعيد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم لن يكون في صالحهما، ولا حتى الاقتصاد الدولي، فتبعات ذلك ستنعكس على نمو الاقتصاد العالمي ككل.
وإذا كان أحد يعول على الفترة التي قضاها ترامب في البيت الأبيض بأنها ستغير من فكره وقراراته، فقد التغت تلك الأفكار بعد زيارة المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل إلى الولايات المتحدة قبل أسبوعين تقريبًا. فبينما توقعت ميركل أن تأخذ محادثاتها مع ترامب حيزًا كبيرًا حول الاتفاقيات التجارية والسياسات الاقتصادية، تجاهل ترامب النقاش معها بخصوص تلك الأمور ليقول لها ضمنيًا أنه لا يزال مُصِر على اتباع سياسات انعزالية لحماية المصالح الأمريكية، وقالت ميركل عقب المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض أنها "لم تجد الوقت لمناقشة تفاصيل السياسات الاقتصادية مع ترامب" وذكرت أن "اللقاء بالمجمل اتسم بعدم الدفء". ليرسل ترامب بهذا تهديدًا لركائز استقرار التجارة بين البلدين فالميزان التجاري مع الولايات المتحدة مائل لصالح ألمانيا، وتشكل السوق الأمريكية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة 10% من مجموع الصادرات الألمانية، وتهديد لبلدان العالم أجمع وصفته صحيفة دير شبيغل الألمانية "سياسة ترامب تعد أكبر مهدد للاقتصاد العالمي منذ أزمة المال العالمية في 2007 وأن ألمانيا تقف على خط النار". على كل حال ترامب مهّد للقاءه مع الرئيس الصيني كعادته على حسابه في تويتر، قائلًا أن الاجتماع سيتناول الخلافات حول كوريا الشمالية ومطامح الصين الاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي، "سيكون اجتماعا صعبًا جدًا"، وقال "لا يمكننا أن نتحمل بعد ذلك عجزًا تجاريًا ضخمًا ولا فقدًا للوظائف"، وأضاف في إشارة واضحة إلى الشركات الأمريكية العاملة في الصين "لا بد من أن تكون الشركات الأميركية مستعدة للتحول إلى بدائل أخرى".
هذه التغريدات تعطي انطباع أولي أن ترامب لم يغير من فكره تجاه الصين، على الرغم من الفكر السائد في الولايات المتحدة أن العلاقة بين البلدين يجب أن تحظى باهتمام بالغ وترتقي إلى مستوى من التعاون أكثر من أي وقت مضى، إلا أن ترامب لديه رؤية مغايرة عن علاقة بلاده مع الصين ويرى أن الإدارات السابقة فشلت في حماية حقوق العامل الأمريكي وفرطت في المصالح التجارية في المفاوضات المتتالية التي عقدت بين بكين وواشنطن. ويشير ترامب أيضًا أن بكين عليها أن تدفع الثمن خلال سنوات حكمه، وذلك من خلال فرض رسوم جمركية على بضائعها قد تصل إلى 55% بينما يرى وزراء سابقون في الصين إن العلاقات الاقتصادية بين بكين وواشنطن لن تشهد نمواً، إذا لم تقم على المنفعة المتبادلة. يُذكر أن التساهل الأمريكي مع الصين في العقدين الماضيين كان كبيرًا أسهم في اندماجها في الاقتصاد العالمي، وأصبحت في السنوات القليلة الماصية محرك النمو العالمي. وتظهر البيانات الرسمية الصينية أن التجارة الثنائية ازدادت من 2.5 مليار دولار في عام 1979 إلى 519.6 مليار دولار عام 2016، أي أنها زادت أكثر من 200 مرة.
في الواقع ليس ترامب وحده من يفكر بتقويض مصالح الصين وفرض رسوم عليها، فالصين أيضًا لديها خطط لمواجهة استراتيجية ترامب ضدها، فالرئيس الصيني يعمل على مشروع "الحزام والطريق" حول العالم تنوي الصين إنفاق 4 ترليونات دولار عليه في الفترة المقبلة، وهو ما من شأنه أن يقوي علاقة الصين التجارية مع الدول الذي سيمر فيه المشروع ويعطي استدامة لنمو اقتصادها، فضلا عن مواجهة خطط ترامب الحمائية ضد البضائع الصينية. زادت التجارة الثنائية بين الصين والولايات المتحدة من 2.5 مليار دولار في عام 1979 إلى 519.6 مليار دولار عام 2016، أي أنها زادت أكثر من 200 مرة. مشروع الحزام والطريق يُقرأ على أنه "نظام عالمي جديد" ضد النظام الذي فرضته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فضلا أن الصين تسعى لإقامة بنوك شبيهة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتشكل تحالفات على كافة الأصعدة مع دول العالم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. أما ترامب فجاء بخطط هجينة على البيت الأبيض وغريبة على العالم من حيث قيادة أمريكا للاقتصاد العالمي إذ يعتمد على سياسات انعزالية محضة وخطط قومية، وعدم التزامه بالاتفاقيات التجارية والمواثيق الدولية، مرتكزًا على قوة الدولار وحركة المال حول العالم، بالإضافة إلى تصحيح الميزان التجاري الأمريكي مع الدول، وإنعاش صناعة الطاقة وإجبار الشركات الأمريكية للعودة للإنتاج من داخل الولايات المتحدة. ترامب في الواقع بهذه السياسات يثور أيضًا على النظام العالمي ويريد تغييره ولكن ليس بالشكل الذي يفيد الصين ودول العالم أكثر من أمريكا بل بالشكل الذي يعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد والمواطن الأمريكيين، حيث يرى أن أمريكا خدعت من قبل دول العالم خلال السنوات الماضية. وتبقى الأيام القادمة هي التي ستحدد لمن الغلبة للقوة الصينية الصاعدة أم للقوة الأمريكية المنعزلة.
دائمًا ما تسبب قوة الدولار الصداع لعملات الدول العالمية وخصوصًا التي تعتمد على توافد الاستثمارات الاجنبية والعملة الصعبة إليها، وكان من بين العملات المتأثرة بقوة بعد رفع الفائدة الأمريكية الأخيرة، الصين، بسبب ما رافقها من انعكاسات سلبية على اليوان الصيني، والمعلوم أن الصين دفعت خلال الثلاث سنوات الماضية نحو 800 مليار دولار حسب تقديرات مصرف مورغان ستانلي الاستثماري الأمريكي لدعم سعر صرف اليوان والحفاظ على نطاق ذبذبة ثابت ومستهدف مقابل الدولار. عمليًا الصين تعد من الاقتصادات الناشئة استفادت بشكل كبير من دخول رأس المال الأجنبي إليها في دعم الاستثمارات والدفع في معدلات النمو الأعلى على مستوى العالم حتى باتت محرك النمو العالمي، ونزوح المال الأجنبي من الصين سيسبب ضعفًا في اقتصادها يؤدي إلى تباطؤ النمو، علمًا أنها تستهدف نموًا بنسبة 7% خلال العام الجاري. خلال الفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية 2007 خفض الفيدرالي الأمريكي معدل الفائدة على الدولار لتصبح نحو 0% استفادت كل الدول ذات الاقتصادات الناشئة ومن بينها الصين حيث باتت تتربع في ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة ويعد معدل النمو الصيني المرتفع من أهم أسباب تماسك الاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية 2007.
ويعد بدء رفع الفائدة بعد إبقاءها قريبة من 0% لفترة قصيرة نسبيًا لم تمكن تلك الاقتصادات من الاعتماد على أنفسها بشكل كلي ويترك الرهان على الاستثمارات الأجنبية المباشرة والغير مباشرة ويتحرر من سطوة رأس المال الأجنبي. لذا فإن رفع الفائدة سيقوي من الصداع على الصين ويجعلها في سباق لمجاراة الدولار، وإلا فإن هناك مخاوف حقيقية من حدوث كارثة اقتصادية قد تحل بسوق المال كما حدث بعد رفع الفائدة الأمريكية لأول مرة في ديسمبر/كانون الثاني من العام الماضي 2015.
فبعد قرار الفيدرالي الامريكى برفع الفائدة على الدولار بواقع ربع نقطة مئوية أول أمس الخميس أوقفت الصين التعامل في السندات في أعقاب ما حدث من انهيار بسبب رفع الفائدة الأمريكية، فتراجع اليوان الصيني مخترقًا مستوى 6.95 للدولار ليسجل أدنى مستوياته منذ مايو 2008. خفض المركزي الصيني نسب الفائدة بواقع مئة نقطة أساس بعد قرار الفيدرالي برفع الفائدة ، وبالتبع فإن زيادة الفائدة الأمريكية ستقود الأموال والاستثمارات للهروب إلى حسابات أجنبية خارج النظام المصرفي الصيني، مما قد يهدد أركان الاستثمار في الاقتصاد الصيني وخصوصًا في ظل الوقت الحالي الذي يشهد تباطؤًا في معدلات النمو. وعلى الرغم من امتلاك البنك المركزي الصيني لذخيرة كافية من الرصيد الأجنبي بالعملات الأجنبية لدعم عملتها أثناء هبوط قيمتها أمام الدولار، حيث يقدر احتياطي الصين بأكثر من 3 ترليونات دولار، إلا أن مراقبون أشاروا أن رفع الفائدة سيرهق احتياطي النقد الأجنبي الصيني وسيجعل سياساتها النقدية أقل شراهة من التي في أمريكا، حيث عمد المركزي الصيني لخفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس أو 1% وهو يعد أكبر خفض من نوعه في الصين منذ العام 2008 كما عمل المركزي الصيني على تقليص نسبة الاحتياطي للبنوك المحلية.
جاءت هذه القرارات للتخفيف من وطأة الظروف التي تعيشها الأسواق الصينية ولكنه لن تكون المنقذ الوحيد لأزمة الصين مع الدولار. فالصراع مع الدولار لا يتعلق بتغيير السياسة النقدية بشكل مؤقت، فالشركات الصينية لديها مستويات مرتفعة من الديون المقومة بالدولار ويحتاج منها أن تسدد ما عليها من ديون في ظل ارتفاع قيمة الدولار ما سيرفع من تكاليف السداد ويضغط على الشركات. والتحدي الأبرز لها أنه إذا كان اليوان واجه أول رفع للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية وتهاوت العملة بشكل كبير لتلامس مستوى عال لم تلامسه منذ سنوات فكيف سيكون الحال عندما يرتفع سعر الفائدة على الدولار إلى 3% كما هو متوقع في المستقبل أو أن يرفع البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة 3 مرات في العام المقبل 2017. فمع تولي ترامب السلطة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل وتنفيذه وعوده بزيادة معدل النمو عبر خفض الضرائب وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، سيعطي هذا دفعة قوية للاقتصاد الأمريكي آخذًا معه الدولار بهذا الاتجاه. رفع الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية يعد رمزيًا نوعًا ما إلا أن الخطوة بلا أدنى شك لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الصيني والعالمي على حد سواء وكذا في تحركات الأموال الساخنة الباحثة عن الاستقرار والعائد الأعلى كما سيكون لها تأثيرات على البورصات العالمية وليست العربية منها باستثناء. ورفع الفائدة المقبل من قبل الفيدرالي سيحتم على اليوان إجراءات أكثر صرامة وأكثر جرأة ولا شك أن الحكومة تحث الخطى لتعمل على سياسات نقدية أكثر نجاعة تخفف من الصدمة التي ستتلقاها بعد رفع الفائدة، إذ من المتوقع أن يزيد هروب رأس المال الصيني إلى حسابات الأوفشور في مراكز المال العالمية كستغافورة الأقرب إلى الصين، وستواجه الشركات الأجنبية المطالبة بسداد قروضها المقومة بالدولار ضغطًا كبيرًا إذ تجني أرباحها باليوان. كل هذه العوامل ستسهم في ضرب جاذبية الصين للاستثمار فيها وبالتالي الدخول في دوامة التباطؤ بعدما سجلت معدلات نمو عالية سببت تطوير وتوسيع الاقتصاد الصيني بشكل أوصل الصين إلى هذا المركزي العالمي، ومن غير المستبعد أن تمتد آثارها على الاقتصاد العالمي وتؤثر فيه بشكل أو بآخر.
يعتبر نظام العملة المباشرة أو ما يسمـى direct trading يتـم بين عملتين إحداهما ثابتة والأخرى متحركة تستخدم للعملات العالمية، ويعتبر الدولار من أكثر العملات المباشرة تعاملاً وتداولاً في العالم، وقبـل أسبوع تقريبًا عقـدت اتفاقية بيـن الصين والسعودية لتطبيق العملة المباشرة بين البلدين، في السابق كانت المؤسسات والشركات التجارية السعودية التي تتعامل مع الشركات الصينية وتستورد بضائعها إلى المملكة تلجأ إلى صرف الدولار مقابل الريال وتحويل الدولار إلى اليوان الصيني لتنسيق المعاملات المالية من دفع وشراء بين البلدين، لكن أصبح الآن التحويل والصرف المباشر بين الريال السعودي واليوان الصيني، وهذا ينطبق على الشركات الصينية أيضًا. أي أنه كان التحويل من الريال السعودي إلى الدولار الأمريكي يتم عن طريق خطوتين في عملية صرف العملات: تحويل الريال السعودي إلى الدولار USD/SAR ثم تحويل الدولار إلى اليوان الصينيUS/CNY، لكن الآن سيكون الصرف مباشرة SAR/CNY. وفي عالم صرف العملات والتحويلات المالية تعتبر هذه الخطوة الاقتصادية فعالة لتقليل مخاطر التحويل إلى الدولار لأن العملية السابقة كان بإمكان العملة أن تفقد نسبة من قيمتها وذلك عند التحويل إلى الدولار وسعر الصرف، أما الآن وبعد التبادل المباشر للعملات فلا توجد مخاطر التحويل إلى الدولار، وستقوي العلاقات التجارية بين السعودية والصين، وهي أيضًا خطوة لتشجيع السياحة بين البلدين. كما أن توقيت هذه الاتفاقية للتبادل المباشر في العملات ذكي خاصة وأن السعودية تمـر بمرحلة توجب عليها اختيـار حلفائهـا التجارييـن والسياسيين بكـل دقـة لتوسـع تعاملها مع الدول وبعمـلات مختلفـة ومتنوعـة ليست حكـرًا على الدولار فقط، خاصـة بعد تمرير مجلس الشيوخ الأمريكي قانون جاستا والذي بإمكانه وضع السعودية من مسؤولين وعوائل تحت المساءلة والملاحقة القانونية ويحتم على المملكة أن تبحث إما عن تنوع في الشراكة التجارية أو تقوية العلاقات الحالية لمزيد من التبادل التجاري. والهدف من هذه الخطوة أيضًا إرسال المملكة إشارة مفادها أنها تنوي توسيع رقعتها التجارية مع الدول الأخرى وسعيها إلى تنوع التبادل التجاري وعدم الاعتماد الكلي في تبادلها التجاري على الدولار حتى وإن كانت قيمة الريال السعودي مرتبطة بالدولار شأنها شأن الدول الأخرى ذات الاقتصاد النفطي. الخطوة هذه ستوسع التبادل التجاري بين المملكة وبين دولة صناعية لها شأن كبير كالصين، وستقوي العلاقات بين البلدين، وتفتح الأبواب أمام دول الأخرى لتُنوع في تبادلاتها التجارية وتغطي مناطق جديدة في العالم والتبادل المباشر للصرف والعملات الأخرى، سياسة عدم وضع كل البيض في سلة واحدة دائمًا ما تكون مفيدة وخاصة في مجال الصرف والعملات ليس كرد فعل لما يحدث مؤخرًا، وإنما كاستراتيجية مدروسة للسنوات القادمة لإيجاد أرضية مشتركة مع أكثر من حليف واحد استراتيجي وفي قطاعات متنوعة.