القاهرة 18 ابريل 2017 الساعة 12:14 م
عرض عليه عبدالناصر تنظيم الضباط الأحرار فاعتذر
توالى على مصر منذ ثورة يوليو 52 ثلاثة رؤساء: عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، عرف كل منهم عددا من الوزراء والمعاونين الذين اختلفوا من رئيس لآخر. واحد فقط استطاع أن يعمل مع الرؤساء الثلاثة، وهو الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، الذى عمل مع عبدالناصر وزيرا، ثم مع أنور السادات نائبا لرئيس الوزراء، ثم مع حسنى مبارك مشرفا على المجالس القومية المتخصصة، التى كانت تضم فى وقتها مختلف الكفاءات فى مختلف التخصصات.
هو الذى أنشأ أولا هيئة الاستعلامات، ثم وزارة الإعلام، ثم التليفزيون، وسلسلة الفنادق العصرية التى أقيمت فى مصر، وكان أولها فندق هيلتون، وهو الذى أولاه الرئيس السادات مسؤولية إدارة شؤون الجبهة الداخلية استعدادا لحرب أكتوبر، وفى الوقت نفسه إدارة خطة الخداع التى جعلت إسرائيل تؤمن بأن مصر لا يمكن أن تحارب، ما أكسب مصر أول عناصر
فى هذه الحرب، وهو عدم علم إسرائيل بها إلا قبل ساعة واحدة من وقوعها!
اسمه محمد عبدالقادر حاتم، من مواليد الإسكندرية، 3 سبتمبر عام 1918، (توفاه الله 7 يوليو 2015 عن 97 عاما)، وقد تصادف أن عرف جمال عبدالناصر عندما كان تلميذا فى مدرسة العطارين الابتدائية بالإسكندرية. وأنقل من مذكراته التى صدرت أخيرا برعاية ابنه طارق، وإعداد الأستاذ إبراهيم عبدالعزيز الذى كان قريبا من الدكتور حاتم وخصه بحكايات كثيرة سجلها إبراهيم عبدالعزيز فى المقدمة الرائعة التى قدم بها الكتاب، إن حاتم دخل الكلية الحربية، وقد تدخل القدر فى طريقه فتعرض لحادث تسبب فى تكسير عظام رجليه مما كانت نتيجته تقرير عدم لياقته للاستمرار فى الجيش، وبدلا من أن يبكى حظه فإنه قرر تعليم نفسه، فبدأ بالذهاب إلى مركز الثقافة البريطانى لزيادة معرفة اللغة الإنجليزية، وهو ما جعله يدرس فى لندن ويحصل على دبلوم فى الاقتصاد السياسى، وبعد ذلك درس فى معهد العلوم السياسية ومعهد الإحصاء وكلية الحقوق وحصل على الدكتوراه، «وكان هناك أيضا امتحان فى كلية أركان حرب، فتقدمت إلى هذا الامتحان وحصلت على الدرجات النهائية فى مادة الاقتصاد السياسى. وكان الذى يتولى تصحيح الامتحانات البكباشى جمال عبدالناصر، وقد فوجئت به يخطرنى ذات يوم بأنهم سوف يلغون مادة الاقتصاد السياسى بسبب الفساد الموجود فى الجيش، لأن أحد الأشخاص الذين يجب امتحانهم له نسب بالعائلة المالكة. وقال لى عبدالناصر لا تحزن لأن الفساد موجود بالجيش وأخذ يكلمنى عن الضباط الأحرار!».
ولكن حاتم لم ينضم إلى تنظيم الضباط الأحرار لأنه، كما اعترف فى مذكراته، كانت له ظروف خاصة تجعله مسؤولا عن أسرته وأخت أرملة توفى زوجها وترك لها خمس بنات، ولذلك قال لعبدالناصر عندما عرض عليه تنظيم الضباط الأحرار: «أنا معك وتعلم أننى معك ولكننى لا أستطيع أن أدخل فى تنظيم لأننى لا أعرف ماذا سيكون مصير هذه الأسرة». وكان رد عبدالناصر: «معك حق». ومع علم عبدالقادر حاتم بسر الضباط الأحرار إلا أنه مثل أى سر عرفه، وكان يجب أن يحتفظ به، ظل محتفظا بسر الضباط الأحرار إلى أن قامت حركتهم.
وهكذا من ضابط توقف طريقه العسكرى بسبب حادث أكد عدم لياقته، إلى دارس متفرغ، ثم عودة إلى القوات المسلحة عن طريق امتحان فى كلية أركان حرب، التى كان جمال عبدالناصر يقوم بالتدريس فيها لعلم المخابرات، وبالتالى زادت معرفته أكثر بجمال عبدالناصر فى الوقت الذى كان حاتم يقوم فيه بكتابة مقالات لمجلة «روزاليوسف»، كان يحرص فيها على تبسيط الكثير من الموضوعات الاقتصادية التى تهم الرأى العام تحت عنوان «حديث الأرقام». وهى مقالات عبر فيها عن كثير من الأفكار التى تم تنفيذها بعد قيام ثورة يوليو، ومنها إنشاء البنك المركزى، وتوفير الفنادق اللازمة لإقامة حركة سياحية فى مصر.
ونتيجة لهذه المقالات التى كان يقرؤها عبدالناصر اختاره بعد الثورة مديرا لمكتبه. وكانت هذه أول وظيفة رسمية يشغلها فى الدولة بعد خروجه من الجيش. وكان أول عمل قام به من خلال وظيفته إنشاء وكالة أنباء خاصة كان يصرف عليها من راتبه الذى يبلغ 65 جنيها شهريا، وبعد ثلاثة شهور حققت فيها الوكالة نجاحا ملحوظا أبلغه عبدالناصر بأنه قرر جعل هذه الوكالة الوكالة الرسمية لمصر تحت اسم «وكالة أنباء الشرق الأوسط».
وبعد وكالة الأنباء أنشأ د. حاتم سنة 56 هيئة الاستعلامات التى أنشأ بها قسما خاصا لترجمة أحدث الكتب الأجنبية فى العالم، كانت تقوم بترجمة كتاب كل يوم وطبعه قبل الثامنة مساء، إلا أن الرجل الذى رفض عرض عبدالناصر بالانضمام لتنظيم الضباط الأحرار ولّاه عبدالناصر ثلاث وزارات فى وقت واحد!
salahmont@ahram.org.eg