القاهرة 13 ابريل 2017 الساعة 01:18 م
في العمود اليومي "وجدتها" في صحيفة "المصري اليوم". الذي يكتبه "نيوتن" وهو اسم مستعار لشخصية معروفة. كان عمود الأحد الماضي 2 أبريل الحالي تحت عنوان "بعد نصف قرن". وقد بدأه كاتبه برسالة تلقاها من الدكتور يحيي نورالدين طراف. فيما يلي نصها حرفياً:
"عزيزي نيوتن"..
في مقالك المنشور يوم الخميس الماضي تحت عنوان: "القمة وما عليها"..
سأضطر هنا إلي أن أفتح قوساً: "لا يوجد مقال للسيد نيوتن بهذا العنوان. لا في يوم الخميس الماضي. ولا الذي قبله. كان عنوان يوم الخميس 30 مارس الماضي هو "طيف مجلس الشوري". أما عنوان "هذه القمة" فقد نشر في يوم الثلاثاء 28 مارس!!" أشرت إلي انعقاد القمة العربية في البحر الميت. علي مرمي حجر من إسرائيل. وبمناسبة ذلك أطرح هذا التساؤل: هل هناك في ميثاق جامعة الدول العربية ما يمنع انضمام إسرائيل إليها؟!!.. أو بقول آخر: ما هو تعريف الدولة العربية التي يصير حقاً لها الانضمام للجامعة. فيما لو قدمت طلباً بذلك؟!!.. فقد انضمت مؤخراً للجامعة دولة "جزر القُمُر". وهي حسبما علمنا تقع بعيداً في الجنوب خارج حدود الوطن العربي. واللغات التي يتحدث بها الأهالي هناك هي القمرية والفرنسية والعربية.
وإسرائيل تقع في قلب العالم العربي. والعربية كذلك لغة رسمية بعد اللغة العبرية. وعشرون بالمائة من السكان المتجنسين بالجنسية الإسرائيلية عرب. فهل لا تستوفي إسرائيل شروط العضوية. فيما لو قدمت طلباً؟!!
"سيقول قائل: إن إسرائيل دولة مغتصبة. وهي تحتل دولة عربية أخري عضواً في الجامعة وهي فلسطين وهذا مانع لقبولها. حسب ميثاق الجامعة.. فهل لو توصل الفلسطينيون والإسرائيليون لحل شامل. وعادل للقضية الفلسطينية. تزول عندئذي معوقات انضمام إسرائيل للجامعة؟!!".
من الواضح أن الدكتور يحيي يرد بنفسه علي تساؤلاته. فهو يعرف شروط العضوية في الجامعة العربية. بل يبدو أنه يعرف ما أثير حول العضوية بشكل خاص بشأن موريتانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر. وهي فيما لا يخفي عليه. دول "مستقلة" ذات حدود قائمة ومعروفة.. طبقاً لشروط العضوية في ميثاق الجامعة العربية. فأين إسرائيل من ذلك؟!!.. عن أي إسرائيل يتساءل. أو يتحدث الدكتور يحيي نورالدين طراف؟!!.. هل يتحدث عن إسرائيل قرار التقسيم في نوفمبر 1947؟!!.. أو إسرائيل ما بعد حرب 1948؟!!.. أو إسرائيل ما بعد عدوان 1956؟!.. واحتلال سيناء.. وقول بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت. أمام الكنيست: "لقد عدنا إلي أرض الآباء الغربية؟!!.. أو إسرائيل ما بعد عدوان 1967؟!!.. أو إسرائيل بعد الخروج من سيناء. ثم الانسحاب. مع الحصار. علي غزة؟!!.. أو إسرائيل التي يعلن بعض قادتها اليوم أنهم يريدون "أغوار الأردن". أو ضم "شرق الأردن"؟!!.. أو أجزاء أخري من هذا البلد العربي. أو ذاك. المجاور لفلسطين.. وصولاً إلي ما يسمونه ــ هم ــ "إسرائيل الكبري"؟!!
عودة إلي بورقيبة
ندع ما يثيره كلام الدكتور طراف من تساؤلات. لنقف عند تعليق السيد "نيوتن" المستعار. علي رسالته. فهو لم يجد ما يضيفه سوي العودة إلي تصريحات أدلي بها في 1965 الرئيس التونسي "الحبيب بورقيبة" في جولة شملت مصر والسعودية والأردن ودولاً عربية أخري. والسيد "نيوتن" تتميز كتاباته بالاجتزاء. أي علي طريقة "لا تقربوا الصلاة.....". فهو في كتاباته ــ خاصة حين يتحدث عن الزعيم جمال عبدالناصر ــ لا يروي واقعة متكاملة. وإنما يأخذ من حوافها وهوامشها وأطرافها. ما يصلح سنداً لما يريد قوله. فمن المعروف أن بورقيبة. بدأ يدلي بتصريحاته حول فلسطين في شتاء 1965. حين وصل إلي القاهرة في زيارة رسمية. ثم منها إلي الرياض. وإلي أريحا في الضفة الغربية. التي كانت في يدي الأردن في ذلك الوقت.. وفي الثالث من مارس تحدث إلي المواطنين الفلسطينيين في أريحا وقال: "يجب ألا نتهم الذين يريدون أن ينادوا بالحلول الجزئية بالانهزامية. إن سياسة كل شيء. أو لا شيء. لم تقدنا إلا إلي الهلاك".. وقد روي الملك حسين. ملك الأردن عندئذي أن بورقيبة قال له: "نعم إسرائيل دولة استعمارية.. ولكن الحقوق الفلسطينية يمكن أن تُسْتَرجَع تدريجياً".. كما صرح لصحيفة فرنسية بأنه: "لو كنت قائداً فلسطينياً. فإنني لن أتردد في الذهاب إلي تل أبيب واللقاء بزعمائها".. والقصة طويلة. وردود أفعالها عديدة. وكل هذا لا يتطرق إليه السيد "نيوتن". ويتحدث عن رفض مجلس وزراء الخارجية العرب في سبتمبر 1965 المذكرة التي رفعها بورقيبة في أبريل من العام نفسه. وعلي الرغم من أن القاهرة لم تشهد مظاهرة ضد تصريحات الرئيس التونسي إلا بعد بغداد وبيروت والقدس وغيرها. إلا أن نيوتن لم يشر إلا إلي ما اسماه هجوم عبدالناصر علي هذا الاقتراح.. ولم يذكر كلمة واحدة عما جري من حديث بين عبدالناصر وبورقيبة حول "التسوية". قبل أن يغادر الرئيس التونسي القاهرة. في حين رفضت دمشق وبغداد استقباله بعد تصريحاته في أريحا.
ما بعد 1967
وفوق ذلك. فإن حديث العودة إلي بورقيبة وتصريحاته في 1965 وأسلوبه في الدبلوماسية: "خُذ وطالب" وتجاهله لطبيعة الحركة الصهيونية والاحتلال الصهيوني. يتجاهل ما حدث من عدوان إسرائيلي توسعي في 1967. لا نزال نكتوي بآثاره إلي اليوم. ثم حرب الاستنزاف. وحرب أكتوبر المجيدة. وقبل ذلك صدور قرار مجلس الأمن 242 في نوفمبر 1967. وكيف قاوم الإسرائيليون ــ بمساندة أمريكا تنفيذه. وما تلي حرب أكتوبر من اتفاقات ومفاوضات. وصولاً إلي زيارة الرئيس السادات المشئومة للقدس المحتلة في 1977. ومؤتمر كامب ديفيد الأول في سبتمبر 1978. وصدور إطاري السلام. ثم توقيع معاهدة مارس 1979. وما تلا ذلك مثل مؤتمر مدريد. واتفاقات أوسلو الفلسطينية ــ الإسرائيلية. والمعاهدة الأردنية ــ الإسرائيلية. وكيف عطلت إسرائيل تنفيذ اتفاقيات أوسلو. مما أشعل الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ثم صدور المبادرة السعودية التي أصبحت مبادرة عربية في مؤتمر القمة في بيروت في 2002. فلماذا لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقيات؟!.. وما الضمان أن العوائق التي حالت دون تنفيذ كل هذه الاتفاقيات لم تكن لتحول دون نجاح "دبلوماسية" الخطوة خطوة التي دعا إليها الرئيس التونسي في 1965؟!.. ثم أين مبادرة "خريطة الطريق" التي قدمتها الإدارة الأمريكية في أبريل؟!.. ألم تقبلها القيادة الفلسطينية. بينما قدمت إسرائيل 14 تحفظاً عليها. كما تهربت من تنفيذها. خاصة وقف الاستيطان؟!.. من الواضح أن عملية التسوية التي بدأت منذ 1974. بل ومقترحات السلام العديدة بعد 1967. والتي قبلها العرب قد تكسرت علي صخرة الرفض الإسرائيلي. ويمكن الوقوف عند كل مقترح للتسوية. ابتداءً من قرار مجلس الأمن رقم 242 إلي المبادرة العربية في 2002 وتبيان مَن المسئول عن تعطيل التسوية. هل العرب أو الكيان الصهيوني؟!.. وتفصيلات كل مساعي التسوية عبر نصف قرن في هذا العام بالكمال والتمام.. تملأ عشرات. بل مئات الكتب. وتفيض بها آلاف الصفحات.. فمن الذي أضاع عمداً تحقيق التسوية ــ العادلة والشاملة ــ مَن؟!!
لماذا الآن؟!
وبعيداً عن التفصيلات. خاصة بالنسبة لخطوات الرئيس السادات منذ اقتراحه في 4 فبراير 1971. وبالنسبة لاتفاقات أوسلو. وما تلاها.. فإن الكيان الصهيوني وقيادته المتطرفة. هما اللذان قتلا عملية التسوية عامدين. ومن ثم فلا حاجة إلي إلقاء اللوم علي الضحايا. ولا انتقاء واقعة جزئية لمحاولة النيل من الموقف العربي. ومن جمال عبدالناصر بشكل خاص.. ومن ثم فإن السؤال المحوري هنا هو: لماذا هذا "الحديث السياسي" الآن عن ضم إسرائيل للجامعة العربية؟!!.. إن هذه دعوة لا تأتي في فراغ. ولا من فراغ. بل هي مرتبطة بأحداث أخري. منها مثلاً:
** تنشر الدعوة بعد أيام ثلاثة من القمة العربية في الأردن. التي أكدت تمسك العرب بمبادرة 2002. فهل يريد فريق آخر من العرب أن يجعل عضوية إسرائيل في الجامعة العربية جزءاً من هذه المبادرة؟!!
** الاقتراح المتداول في دوائر إقليمية ودولية بإقامة ما يسمي "حلف ناتو" في الشرق الأوسط يضم الدول السُـنِّـيَّة "بضم السين المشددة" بالإضافة إلي إسرائيل!!
** المساعي المنتظرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لطرح ما يسمي "صفقة القرن" التي قد تظهر معالمها خلال شهور.
إن "إعلان عمَّان" الذي صدر عن القمة. قد أوضح. وبتفصيل دقيق أسس ومبادئ وقواعد الموقف العربي من تحقيق التسوية الشاملة. والعادله مما يقطع الطريق ــ لأمد منظور علي الأقل ــ علي محاولات أي "حلف عربي" تكون إسرائيل فيه طرفاً. ولو غير مباشر.. قد لا يُدرك البعض هذا. ولكن إسرائيليين ذوي وزن يستبعدونه. ويقفون بشكل خاص عند عدم قدرة أي تسوية علي "المرور" دون موافقة شعب فلسطين
.. ولم يعد ثم متسع للخوض بقدر من تفصيل فيما يكتبه هؤلاء الإسرائيليون. وأؤجل هذا للأسبوع المقبل. إن كان ثمَّ بقية من أيام ومجال.. لأختم اليوم بنقطة خاصة بمسار. بل بمسارات التسوية مع الصهاينة. حتي قبل إنشاء الكيان الصهيوني.. أنشئ هذا الكيان في 1948 ولكن الاتصالات العربية ــ الصهيونية. ترجع إلي أوائل القرن العشرين.. كما ظهرت في الأوساط اليهودية في فلسطين. فيما بين الحربين العالميتين. أصوات تدعو إلي سلام وتهدئة. ولكنها قوبلت برفض المتطرفين الصهاينة. ومقاومتهم.. أما الاتصالات "الرسمية" بين العرب والصهاينة. فتأتي بعد 1948. وخاصة بعد عدوان 1967. ومع تكرار هذه المحاولات وتعددها. إلا أن أهل التسوية العرب. ومن اتجاهات مختلفة ــ لم يعطوا أنفسهم فرصة لمراجعة مواقفهم. وتقييم أساليبهم وخطواتهم ــ إنهم بصفة عامة. لم يدركوا طبيعة العقلية الإسرائيلية الحاكمة منذ 1967. ولو أدركوها علي حقيقتها لما أقدموا ــ لو كانوا مخلصين حقاً ــ علي خطوات خطوها. واتخذوا لأنفسهم خط رجعة. ولكن هذا لم يحدث.. فهل يمكن أن يحدث؟!.. واسلمي يا مصر.