القاهرة 03 ابريل 2017 الساعة 01:38 م
ميرفت عياد :
اجتمعت اصوات الحيوانات والطيورمخلفه ورائها موسيقى من نوع خاص ، فاختلط زئير الاسد ، بعواء الذئب ، وفحيح الحيه ، ونقيق الضفدع ، وصفير النسر وباقى اصوات الكائنات الحية لتخلق لنا سيمفونية الغابة التى لعبت بقلوب سامعيها منذ آلاف السنين واشعلت خيالهم فقاموا بسرد القصص والحكايات عن طريق الرسم على جدران الكهوف التي كانوا يسكنونها ، وفي القرن السادس قبل الميلاد لعبت حكايات "ايسوب "دورا مهما في التوجيه الاخلاقي مستعملة سلوك الحيوانات كأمثلة على ما يعتبر اخلاقيا وما لا يعتبر كذلك . خاصه فى ظل التنوع الكبير في عالم الحيوان والطيورالذى افسح المجال لتصنيف الأخلاق البشرية وأنواعها وفق مخلوق معين فوصف الثعلب بالمكر ، والاسد بالقوة والحكم ، والحماربالصبر، والبومة بالتشاؤم … وهكذا
ويتميز الأدب من هذا النوع بانه أكثر جذبا للعامة وصغار السن لأنه يخاطب فيهم دهشة الطفولة وسذاجة الخيال دون تعقيدات لغوية أو فلسفية ، وكما يختفى لاعب العرائس خلف الستار هكذا يختفى قلم الكاتب خلف وجوه والسنة الحيوانات والطيور ليجد حريته فى التعبير عن اراءه دون خوف من السلطات الحاكمة او منظومة القيم والاعراف المتعارف عليها ، والذى يعتبر المساس بها مخاطرة لا يستهان بها ، وبهذا ياخذ الكاتب من قلمه مشرط جراح ليجرح به عيوب مجتمعه املاً فى الشفاء من أمراضه ورغبه منه فى اصلاحه والرقي به ، وتقويم سلوك الحاكم والمحكوم معاً على نحو تراعى فيه الحقوق والواجبات .
كليلة ودمنــــــــــــــــه
ظلت تلك الافكار تتوارثها الاجيال والحضارات فاستعمل المصريون والاغريق القدامى الثيران والاسود بالاضافة الى الحيوانات الخيالية فى قصصهم ، ومن اشهر ما كتب على السنة الحيوانات كتاب " كليله ودمنه " الذى كتبه الفيلسوف الهندى " بيدبا " بناء على طلب " دبشليم " ملك الهند ، وترجمه الطبيب " بروزيه " فى اواخر القرن الرابع الميلادى الى الفارسية نزولاً على رغبة مللك الفرس " كسرى انوشروان " ، ثم ترجم مره اخرى الى العربية
في القرن السابع الميلادى على يد "عبد الله بن المقفع " .
ولمعرفة الحقبة الزمنية والظروف السياسية التى كتب فيها كتاب " كليلة ودمنة " يفتح لنا الماضى خزائنه ويعود بنا عبر عبق التاريخ لنتقابل مع الاسكندر ذو القرنين الرومى فى حملته التوسيعية التى استولى فيها على الغرب وما لبث ان استدار الى الشرق فدعا " فور " ملك الهند الى طاعته ولكنه رفض هذا ، فدقت طبول الحرب مدوية معلنة بداية معركة دامية قتل فيها الملك وانتصرالاسكندر واستولى على الهند وبسط عليها جناح سيطرته فتوج احد رجاله ملكاً عليها ، فثار الهنود وألقوا بهذا التاج من فوق راس الملك المزعوم ووضعوه على راس ملكاً من اولاد ملوكهم هو " دبشليم " الذى استقر له الملك فطغى وبغى واساء معاملة الرعية وظل على ذلك زماناً ليس يسيراً .
لكن للعدالة وجوه كثيرة تسعى لاظهارها مهما طال الزمان على يد رجال الحكمة والعدل وكان من بين هؤلاء الفيلسوف " بيدبا " الذى عرف بحكمته ورجاحة عقله ،لذلك اراد ان يقلع عن الملك عباءة الظلم والطغيان ويلبسه حلة العدل والانصاف مستخدماً فى ذلك حكمته العقل الذى يستطيع ان يبلغ بحيلته ما لا يبلغ بالخيل والجنود ، لذلك طلب مقابلة الملك وقال له : " انك ايها الملك طغيت وبغيت وعلوت على الرعية واساءت السيرة وعظمت منك البلية ... وكان الاولى بك ان تحسن النظر برعيتك وتسن لهم سنن الخير الذى يبقى بعدك ذكره " فعلت حمرة الغضب وجه ذلك الطاغية وعقد حاجبيه وعلا صوته مدوياً أمراً حراسه بحبس وتقييد بيدبا ، وبعد عدة ايام هذأت عاصفة الملك واراد ان ياخذ سفينته ويبحر فى عقل ذلك الفيلسوف عله يجد ما فيه من لالالى نفيسة حجب الغضب عينيه عن رؤيتها فامر باستدعاءه ، وعند مثول " بيدبا " لأمره استطاع ان يفطن الى خوالج نفس الملك ، فاستغل تلك الفرصة وأكد له انه يريد له ولرعيته الخير والصلاح ، فسر الملك بكلامه وكافاه وعينه وزيراً للعدل ، وطلب منه كتاباً يشتمل على الجد والهزل واللهو والحكمة والفلسفة ، فكان كتابه " كليله ودمنه " الذى اخرج فيه عصاره عقله وقلبه معاً .
الأسد والثــــــــــــــور
انى الآن ادعو القارئ العزيز الى الدخول معى بحظر الى الغابة لنتنقابل مع الاسد الملك بانيابه الفتاكة وضروسه الطاحنه وفكه القوى الذى لايستطيع احد ان ينجو منه، ولعل هذه الوحشية جعلته يغتر بقوته فانفرد برايه لذلك لم يستشير أحد عند خوفه من سماع صوت خوار الثور الذى يجهله ، ولكن استطاع اثنين من السباع يقال لهما كليلة وللاخردمنة وكان ذى دهاء وعلم وادب ، ان شعرا بمخاوف الاسد فتحدث دمنة اليه موضحاً له عدم خطر ذلك الثور واتى به اليه فنال الثور" شتربة " اعجاب الاسد لما ظهر له من ادبه وعقله فقربه اليه واكرمه وائتمنه على اسراره حتى صار اخص اصحابه منزله عنده مما اثار هذا بغض وسخط دمنه ، ولكنه استطاع بدهاءه وقوة حيلته ان يشكك الاسد فى ولاء الثور له ، وان يقنع الثور بغدر الاسد له ورغبته فى التهامه ، مما جعل هذا كل منهم يتربص بالاخر حتى هلك الثور . ولعل الفيلسوف بيدبا اراد بهذه القصة ان يكشف عن خفايا السياسة الداخلية في الدولة و صراع السياسين و تنافسهم ، وانفراد الحاكم برايه وعدم طلبه للمشورة ، والتسرع فى الحكم وعدم التحقق من صحة ما يقال له .
الحمامة المطوقـــــــــــــــــة
بعيداً عن عالم الافتراس والتوحش دعونا نحلق فى السماء حيث عالم الطيور عالم الخير والجمال وهناك عبر السحاب نرى الحمامة المطوقة وهى سيدة الحمام التى تسقط مع اصحابها فى شباك احد الصيادين فتفكر كل من هن فى الخلاص بنفسها من اشراكها ولكن الحمامة المطوقة تتطلب منهن التعاون ليطيرن كطائر واحد لينجو جميعاً ، وبسبب التعاون وتنفيذهن لنصيحة سيدتهم يخرجن من هذا الشرك ، ولعل اراد " بيدبا " ان يظهر اهمية التعاون والاتفاق فى الراى الذى يؤدى الى الخير حتى لو كان هناك ازمة ما يتعرض لها المجتمع .
أما عالم الزواحف فله نصيب ايضاً فى حكايات ذلك الفيلسوف الذى يعبر عن قصر نظر الجرذ الذى يعتقد فى أهمية المال قائلاً : " ما الاخوان والاعوان الا بالمال .. ان الرجل اذا افتقر قطعه اقاربه واخوانه .. فالقفر راس كل بلاء وجالباً الى صاحبه كل مقت " ولكن هذا الكلام لم يعجب السلحفاه الحكيمة التى عاشت سنين طويلة تعلمت نها ان المال لايجدى صاحبه شيئاً اذا كان لا يتمتع بالاخلاق مما اثار هذا الكلام غضبها فاجابت الجرذ قائلة :" لا تحزن لقلة المال فان الرجل ذا المروءة قد يكرم على غير مال كالاسد الذى يهاب وان كان جالساً .. والغنى الذى لا مروءة له يهان وان كان كثير المال كالكلب لا يبالى به وان طوق بالذهب "
بهذا اراد الفيلسوف "بيدبا " ان يضع على السنة البهائم و الطيورحكايات مثلية اتخذ فيها الحيوان بديلا عن الانسان ولكنها فى نفس الوقت تهدف الى بث تعاليم اخلاقية موجهة إلى رجال الحكم و افراد المجتمع .