القاهرة 3 ابريل 2017 الساعة 02:04 م
هناك مقولة شائعة و شعبية للتندر على فكرة الافلاس بكل صورها ،الافلاس المادى و الانسانى و الابداعى ،و هى " التاجر لما يفلس يدور فى دفاتره القديمة "، و فى الحقيقة مثلما يبدو هذا المثل متعلقا بالتجارة و النقود، الا انه ينطبق على الكثير من حالات الافلاس حتى الافلاس الهوليوودى ، و هو اعادة انتاج الأفلام القديمة، و هو بما يبدو عليه افلاسا و اعادة تدوير لسيناريو ناجح، الا انه يبدو أيضا نوع من اللعب فى المضمون، بالاعتماد على سمعة الفيلم و قاعدته الجماهيرية، و احصائيات شباك التذاكر، و هى كلها أرقام تكون كافية للتنبؤ بمستقبل النسخة الجديدة من الفكرة القديمة، و هى فى الحقيقة احصائيات نادرا ما تخيب و تكون دائما فى صالح شباك التذاكر.
و لكنها فى النهاية لا تكون فى صالح المشاهد، الذى يذهب الى دار العرض ليشاهد قصة يعرف نهايتها و أحداثا يعرفها مقدما، بل و يستطيع أن يروى الحوار أيضا اذا كان قد شاهد نسخة الفيلم القديمة مرات عدة ، فما هى القيمة الفنية التى قد يجنيها المشاهد أو الفكرة ،أو الناحية الانسانية التى يمكن أن تهز مشاعر مشاهدى فيلم مثل " كينج كونج "، و الذى أنتجت له هوليوود فى الأيام الأخيرة أخا غير شقيق هو " كونج و جزيرة الجمجمة " ،و الذى يدور أيضا حول القرد الكبير الذى يعيش فى عالم مفقود " ، و يبدو أن هوليوود قد استنفذت و استهلكت الشكل التقليدى لفيلم كينج كونج، و هو القرد الكبير الذى يتمتع بمشاعر انسانية سامية تجعله يقع فى حب الفتاة التى قدمت له كأضحية .
لذا عمدت الى تحوير الفكرة قليلا ، فظهر القرد الكبير فى دور مختلف قليلا، و لكن الفكرة هى فى ظهور القرد الكبير المبهر و المخيف مرة أخرى على شاشة السينما، و هو سلوك غير غريب على هوليوود فى استخدام النموذج الناجح بصور مختلفة ،و أشكال متعددة و استغلال نجاح النموذج الأول ،و هو ما حدث ايضا بالنسبة للفكرة المبهرة لفيلم "حديقة الديناصورات "و الذى أخرجه مخرج يعد هو نفسه فيلما قائما بذاته و هو " ستيفن سبيلبرج "، و مثلما حدث فى كينج كونج حدث فى حديقة الديناصورات، الذى يقوم على فكرة تلاقى عالمين يفصل بينهما ملايين السنوات من التطور و الصراع، الذى يحدث نتيجة تلك الفجوة الزمنية، و تم استغلال النجاح الهائل الذى حققته الفكرة العبقرية المبهرة ،فى اعادة الديناصورات المنقرضة الى الحياة باعادة انتاج حمضها النووى المحفوظ فى الحفريات ، تلك الفكرة العبقرية نتج عنها سلسلة من خمسة أفلام ،حققت الثلاثة الأولى منها نجاحا باهرا ،بينما حصل الاثنان الأخيران على نجاحا أقل .
و لكن هوليوود لم تتوقف عند اعادة انتاج الأفكار القديمة الناجحة، و لكنها أيضا عمدت الى اعادة انتاج نوع خطير من الأفلام، بصورة مختلفة عن حقيقته، و هو تحويل أفلام الرسوم المتحركة أو كما يطلق عليها أفلام " الانيمى " الى اللايف - أكشن " ،أى الاعتماد على ممثلين ، و قد نجحت التجربة فى عدة افلام منها "روبن هوود" ، و" سندريلا" و كان أخرها " كتاب الغابة " ،الذى يدور حول قصة الأديب الانجليزى الشهيرة " رديارد كيبلنج " عن الطفل الذى يفقد فى الغابة و تربيه الذئاب ،و الذى تحول فيه الانيمى بالكامل الى لايف و لكن مزيج الانيمى و اللايف كان مخاطرة قامت بها هوليوود فى انتاج فيلم " الجميلة و الوحش " ،و رغم الايرادات التى حصدها الفيلم فى شباك التذاكر ،و النجاح التجارى الهائل الذى لاقاه الا أن النقاد كان لهم أراء اختلف بعضها مع شباك التذاكر و اتفق البعض الأخر .
و فى العنوان الرئيسى عن الفيلم بصحيفة " شيكاجو تريبيون " سحر الفيلم الموسيقى لديزنى قد فقد فى الترجمة " و ما تتحدث عنه الصحيفة هو شئ معروف فى عالم السينما، حيث يحدث كثيرا أن يفقد الأصل سحره و جماله ،أثناء عملية الاقتباس سواء كان هذا الاقتباس من أصل أدبى أو من أصل مسرحى، كما كان يحدث عند بداية ظهور السينما الاستعراضية فى الولايات المتحدة فى مطلع القرن العشرين، والتى كانت معظم أفلامها مقتبسة عن مسرحيات برودواى الموسيقية ، أو أن يحدث الاقتباس بتحويل فيلم رسوم متحركة الى فيلم " لايف – أكشن " مثلما حدث فى الجميلة و الوحش .
الناقد الأمريكى " مايكل فيلبس " فى مقاله عن الفيلم فى نفس الصحيفة حيث يقارن بين فيلم الرسوم المتحركة الذى أنتج عام 1990 ،و بين الفيلم الحالى، فيقول ان الفيلم الذى أنتج عام 1990 كان و احدا من بين قصص اسطورية عديدة تحولت الى أفلام ،و يرجع نجاحه الكبير الى انه كان مسرحية استعراضية بحتة كتبت للسينما ، بينما يتحدث عن الفيلم الذى يعرض حاليا ،فيقول أن" المشكلة" أن الفيلم حول انتباهنا الى حشد كم هائل من المؤثرات البصرية على الشاشة تحول الى ضوضاء مرئية .
بينما فى صحيفة النيويورك تايمز يستهل الناقد " انتونى اوليفر سكوت " مقاله بعنوان عريض يقول فيه " الجميلة و الوحش ينطلق بسحر و متعة " و يستطرد " A.O. Scott " مقتبسا من أحد اغانى الفيلم قائلا " أنه ربما يكن هناك شئ لم يكون موجودا قبلا " و يتحدث" سكوت" عن الفيلم قائلا أن كل عناصر الفيلم التقليدية كانت موجودة، قصة اسطورية قديمة قدم الدهر ، أغنية من الشعر القديم ، رحلة ملهمة من الحنين الى الماضى قاصدا" فيلم الانيمى الذى حصد نجاحا هائلا عام 1991 "، و الاثارة البصرية من ما قبل تقنية السينما الحديثة كأفلام المخرج " بوبسى بيركلى ، راى هاريهوزن فنان المؤثرات البصرية الشهير، و الأخرين من فنانى صناعة الخيال فى السينما الأمريكية ،و يعود سكوت الى الفيلم الحالى قائلا ،لكن هذا الفيلم الهجين بين " الأنيمى و اللايف " من اخراج بيل كوندون ،و بطولة ايما واتسون ، و دان ستيفنز، به ما هو أكثر من التمثيل اللايف ،و الوحش المصنوع من الفراء، فهو اعادة بعث لفيلم الانيمى الذى عرض منذ 26 عاما، لذلك فقد جاءت كلاسيكية الفيلم طبيعية و غير متكلفة و جاءت رومانسيته صادقة ، ثم يختتم الكاتب ذلك المقطع من مقاله قائلا " أن الفيلم يترك لديك انطباعا بالفرح " .
كانت تلك انطباعات النقاد عن الفيلم ،مما ورد فى مقالاتهم بالصحف الأمريكية " و أعتذر لأى خطأ غير مقصود بالترجمة " و لكن يبقى الحكم الأخير لجماهير السينما و رواد صالات العرض من محبى أفلام الأنيمى، و يبدو أن هذا الانطباع يأتى فى صالح الفيلم بصورة واضحة تسانده الايرادات الهائلة ،التى حققها الفيلم على مدار الأسابيع الأولى من عرضه و التى تصل التوقعات بها الى بليون دولار، مما يجعله فى قائمة الأفلام التى تصدرت " البوكس اوفس " أو شباك التذاكر على مدار المائة عام الماضية من تاريخ السينما الأمريكية، و لكن فى النهاية يبقى سؤال هام، لماذا تعود السينما الأمريكية الى اعادة انتاج الأفلام القديمة الناجحة ، هل هو افلاس فى الكتابة أو هو نوع من اللعب فى المضمون .