القاهرة 26 مارس 2017 الساعة 12:59 م
ميرفت عياد
يعد مجيء السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى مصر من أهم الأحداث التي جرت على أرض مصرنا الغالية في تاريخها الطويل، فبروح النبوة نظر هوشع النبي السيد المسيح منطلقاً من بيت لحم ، حيث لم يكن له أين يسند رأسه في كل من أورشليم ، ليلتجئ إلى أرض مصر ، ويجد له موضعاً في قلوب المصريين ولهذا قيلت النبوة "من مصر دعوت ابني " ، وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها ، فبسببها قال الرب "مبارك شعبي مصر" ( أش 19 : 25 ) ، وبسببها تمت نبوءة أشعياء القائلة : " .. يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر فهو مذبح كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بدير المحرق العامر ، حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان أكثر من ستة شهور كاملة ، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه المخلص الطفل ، ويقع دير المحرق في منتصف أرض مصر تماماً من جميع الاتجاهات ، كما كثرت في أرض مصرعلى امتدادها الكنائس , خصوصاً في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وباركتها.
ونظراً لاهمية تلك الأماكن المقدسة فى قلوب كل مسيحى العالم صرح يحيى راشد، وزير السياحة عن دعم قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية لمسار رحلة العائلة المقدسة، معلنًا عن بدء إستعداد وزارة السياحة للترويج لمنتج رحلة العائلة المقدسة .
مشيرا الى أن تطوير مسار العائلة المقدسة سوف يساعد على تحسين الصورة الذهنية لمصر بالخارج، خاصة أن الرحلة ستجذب السائحين من كل دول العالم، بما فيها دول أمريكا اللاتينية، مشيرا إلى أن فرنسا تستقبل 20 مليون زائر ضمن شريحة السياحة الدينية، فى حين تستقبل إسبانيا 10 ملايين سائح للغرض نفسه.
إعادة تنشيط السياحة الدينية
وكشف المهندس عادل الجندي مدير عام العلاقات الدولية و التخطيط الاستراتيجي بهيئة التمنية السياحية خلال كلمته بجلسة حوار لتنفيذ مشروع رحلة العائلة المقدسة، والتى تنظمها لجنة المشروعات القومية بنقابة المهندسين، عن خطة الهيئة في تنمية النقاط التي تمر بها رحلة العائلة المقدسة لجذب السياح و إعادة تنشيط السياحة الدينية ، ومن هنا بدأت الهيئة في تطوير وتنمية و رفع كفاءة 8 نقطات وهى الكنيسة المعلقة و 3 اديرة في وادي نطرون و جبل الطير في المنيا ، متوقعا ان تلك الرحلة سوف تجذب نحو 3 مليون سائح و على المدى الطويل 15 مليون سائح ، كما انها ستوفر حوالى 4 ملايين فرصة عمل للقرى المارة بها ، فهذا المشروع يعد نقطة الأمل للخروج من الأزمة التى تواجهها وزارة السياحة، خاصة أن الرحلة تصل إلى 3 آلاف و500 كيلو متر، وهو أطول محور سياحى داخل دولة واحدة .
تطوير المواقع الأثرية
وعن تطوير المواقع الأثرية التى مرت بها رحلة العائلة المقدسة يقول المهندس وعد الله أبوالعلا، رئيس قطاع المشروعات الهندسية بوزارة الآثار إن عمليات التطوير المواقع الأثرية التى مرت بها رحلة العائلة المقدسة ستتم فى كل موقع من مسار الرحلة وفقًا لحالته واحتياجه من أعمال الترميم ، كما سيتم رصد التكلفة المالية لكل موقع يحتاج إلى ترميم، و إسناد أعمال التطوير والترميم لشركات المقاولات التابعة للوزارة.
الأهمية الحضارية لمسار العائلة المقدسة
ولأهمية مسار رحلة العائلة المقدسة أقامت لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة علمية منذ حوالى ثلاث شهور تناولت من خلالها الأهمية الحضارية والدينية والسياحية لمسار العائلة المقدسة
وقال مقرر لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة الدكتور محمد عبدالهادي، إن العائلة المقدسة قطعت نحو ألفي كيلومتر ذهابا وعودة داخل البلاد، كما قضت بها ما يزيد على 3 أعوام، وهي رحلة تهم المسيحيين والمسلمين لقيمتها الإنسانية الحضارية وارتباطها بمواقع باركتها العائلة المقدسة ولها مكانة خاصة بين أهل مصر.
وأوضحت الدكتورة شروق عاشور، أستاذ الآثار الإسلامية والمسيحية، إن هناك العديد من المخطوطات عن تلك الرحلة، منها ما هو مسجل بمكتبة الفاتيكان، والمكتبة الأهلية بباريس بها مخطوطان يعودان للقرن الرابع الميلادي، ومخطوط بدير المحرق تاريخه يعود لعام 338م، وكتابات الأب يوساب في القرن السادس والسابع الميلادي، وكتابات الأحباش ممن سكنوا دير المحرق في القرنين 14 و15 الميلاديين.
وأشاد الدكتور عبدالعزيز صلاح أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة وخبير التراث العالمي بجهود وزارة الآثار في السعي لتسجيل محطات الرحلة، تراث عالمي باليونسكو، وكذلك اشتراك جمعية المحافظة على التراث المصري في جمع المادة العلمية لتوثيق الرحلة، وناشد رهبان الدير بتقديم كل ما لديهم من وثائق خاصة برحلة العائلة المقدسة.
وكشف الأب فليكسينوس المحرقي، أحد رهبان دير المحرق بأسيوط، أن كنيسة السيدة العذراء الكنيسة القديمة بالدير، هي البيت المهجور الذي عاشت فيه العائلة المقدسة وبقي على مساحته كما هو حتى الآن، وبذلك فهي تعد أقدم كنيسة في العالم.
رحلة العائلة المقدسة
لم تكن رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر بالأمر الهين ، بل كانت رحلة شاقة مليئة بالآلام والأتعاب , سارت خلالها السيدة العذراء حاملة الطفل يسوع ومعها يوسف البار ، عبر برية قاسية عابرة الصحاري والهضاب والوديان متنقلة من مكان إلى اخر ، وكانت هناك مخاطر كثيرة تجابهها , فهناك الوحوش الضارية التي كانت تهدد حياتهم في الصحراء ، ومما لا شك فيه ان زيارة السيد المسيح لمصر كانت هي التمهيد الحقيقي لمجيء مار مرقس الرسول إلى مصر وتأسيس كنيسة الإسكندرية ويعرف المصريون الديانة المسيحية حتى تكتما النبوة "فيعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب ويقدمون ذبيحة وتقدمة " .
وحسب المصادر التاريخية القبطية سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ 37 كم ، ودخلت مصر عن طريق الناحية الشمالية من جهة الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدنيتي العريش و بورسعيد . ثم دخلت مدينة تل بسطا بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية ، وفيها أنبع السيد المسيح عين ماء ، وكانت مدينة مليئة بالأوثان ، وعند دخول العائلة المقدسة المدينة سقطت الأوثان على الأرض ، فأساء أهلها معاملة العائلة المقدسة .
غادرت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا متجهة نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد ، ومنها انتقلت العائلة المقدسة شمالاً نحو الشرق إلى مدينة بلبيس التابع لمحافظة الشرقية واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة ، عرفت باسم "شجرة العذراء مريم" ، ومنها رحلت العائلة المقدسة شمالاً إلى بلدة سمنود حيث استقبلهم شعبها استقبالاً حسناً فباركهم السيد المسيح له المجد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت ، يقال أن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها ، ويوجد أيضاً بئر ماء باركه السيد المسيح بنفسه .
انتقلت العائلة المقدسة إلى مدينة سخا ومنها عبرت العائلة المقدسة نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا ، وتحركت جنوباً إلى وادي النطرون (الاسقيط) ، وقد بارك السيد المسيح وأمه العذراء هذا المكان . ومن وادي النطرون ارتحلت العائلة المقدسة جنوباً ناحية مدينة القاهرة ، وعبرت نهر النيل إلى الناحبة الشرقية متجهة ناحية المطرية وعين شمس، ثم سارت متجهة ناحية مصر القديمة ومكثت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهي في طريقها لمصر القديمة التى تعتبر من أهم المناطق والمحطات التي حلت بها العائلة المقدسة في رحلتها إلى أرض مصر ، ويوجد بها العديد من الكنائس والأديرة وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ، ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا أياماً قلائل ، نظراً لتحطم الأوثان فأثار ذلك والي الفسطاط فأراد قتل الصبي يسوع ، وكنيسة القديس سرجيوس (أبو سرجة) بها الكهف (المغارة) التي لجأ إليها العائلة المقدسة وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة .
ارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهة ناحية الجنوب ، حيث وصلت إلى منطقة المعادي وقد أقلعت العائلة المقدسة في مركب شراعي بالنيل متجهة نحو الجنوب (بلاد الصعيد) ، من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية ، لآن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء اسم المعادي . وما زال السلم الحجري الذي نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجوداً وله مزار يفتح من فناء الكنيسة
وصلت العائلة المقدسة مغاغة ومنها الى البهسنا حتى جاءت الى بلدة سمالوط ، ومنها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن ديرالسيدة العذراء بجبل الطير ، ومنها عبرت العائلة المقدسة النيل من الناحية الشرقية إلي الناحية الغربية ، واتجهت نحو الاشمونين الثانية وحدثت في هذه البلدة كثير من العجائب ، وسقطت أوثانها ، وباركت العائلة المقدسة الاشمونين ، ومنها اتجهت جنوبا ناحية ديروط ثم القوصيا حيث سقطت الأصنام وتحطمت ، فطردهم أهلها خارج المدينة وأصبحت هذه المدينة خراباُ
وانتهت رحلة المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابا وإيابا عندما ظهر ملاك الرب ليوسف الشيخ في حلم قائلا :" قم وخذ الصبي وأمة واذهب إلي أرض إسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي " حقا كانت رحلة شاقة بكل معني الكلمة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح لأجلنا .