القاهرة 23 مارس 2017 الساعة 12:00 م
تستضيف المملكة الأردنية الهاشمية يومي الأربعاء والخميس القادمين. القمة العربية السنوية العادية التي تعقد في إطار جامعة الدول العربية وتحت مظلتها في أواخر مارس من كل عام.
القمة العربية السابقة خرجت علي هذه القاعدة الزمنية.
فبعد تأجيلات واعتذارات. من مارس إلي أبريل. ومن المملكة المغربية التي كانت ستستضيفها إلي البحث عن بديل يقبل استضافتها. انتهي بها الأمر إلي أن تعقد في موريتانيا لأول مرة في تاريخ هذا البلد الشقيق. وفي أواخر يوليو .2016
وكان العنوان الذي تم اختياره لتلك القمة هو: قمة الأمل.
ولم يحضر تلك القمة يومئذ من قادة وزعماء العرب سوي ثمانية من أصل .22
وكان الغائبون هم الأبرز. فقد ضمت قائمتهم رؤساء وملوك مصر والسعودية والمغرب والعراق وفلسطين وغيرهم.
ولم يصدر عن قمة الأمل قرار واحد يختلف عما صدر عن القمم التي سبقتها.
ورغم ذلك. فإن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط الذي كان قد تسلم مهام منصبه أول يوليو 2016. أي قبل انعقاد القمة بأربعة أسابيع أعلن في ختامها أنها أثبتت أن العرب "ليسوا بكيان ميت".
وكان واضحا يومها لكل ذي عينين. أن عنوان تلك القمة وهو "الأمل" وتصريح الأمين العام في ختامها. أبعد ما يكونان عن التعبير عن واقع القمة ووقائعها. وعن واقع الأمة العربية وشواغلها.
كانا تعبيرا بالأمنيات. أكثر مما كانا انعكاسا للتحديات.
وأذكر أني علقت علي ذلك يومها بمقال في هذا المكان نشر الخميس 28 يوليو 2016 عنوانه "قمة خيبة الأمل".
مفارقة طريفة وجدتها علي الهامش ما بين قمة موريتانيا السابقة.. وقمة الأردن المنتظرة.
العرب الذين أثبتت قمة الأمل في موريتانيا - في رأي أمين عام جامعة الدول العربية - أنهم "ليسوا بكيان ميت" يجتمعون في قمة الأردن في "البحر الميت".
وخلال زيارته للأردن الأحد الماضي للاطمئنان علي الترتيبات النهائية للقمة. أعلن الأمين العام للجامعة عن أمله في أن تشهد هذه القمة حضورا غير مسبوق.
هل تكرار كلمة "ميت" ما بين القمتين يمكن أن يحيي أملا أو يبعث تفاؤلا؟! الله وحده - سبحانه وتعالي - وهو القادر علي ذلك. وهو الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.
***
من الظلم بالطبع محاسبة أحمد أبوالغيط علي قمة موريتانيا. فقد كان سلفه الدكتور نبيل العربي الأمين العام السابق للجامعة العربية هو من أشرف علي ترتيباتها وانحصر دور أبوالغيط في وضع لمساتها الأخيرة.
أيضا. الفترة الزمنية ما بين انعقاد قمة موريتانيا أواخر يوليو 2016 وانعقاد قمة الأردن المنتظرة لا تزيد علي ثمانية شهور. وهي أقل بأربعة شهور من الفترة المعتادة ما بين أي قمتين سابقتين.
هذا ما يجب أخذه في الاعتبار. عند تقييم دور الجامعة وأمينها العام في القمة المنتظرة باعتبارها "قمة أبوالغيط" الذي قاد جهود الجامعة لعقدها علي مدي الشهور الثمانية الماضية وأشرف علي ترتيبات إنجاحها بالتعاون مع الدولة المضيفة. من الألف إلي الياء.
أتذكر تصريحين للأمين العام لهما صلة بهذه النقطة. أحدهما في ختام قمة موريتانيا. والآخر بعدها.
أما الأول فهو قوله. إن القادة العرب أصدروا توجيها للأمين العام "بأن تعود الجامعة العربية لممارسة دورها. بحيث يأخذنا الآخرون - كعرب - في حساباتهم. في ظل ما تشهده بعض الدول العربية من تحطم ومشكلات. ويتحرك للتعامل معها فقط المبعوثون الدوليون. وهو ما يجب أن ينتهي".
وأما التصريح الآخر. فهو وعده بأن يزور كل الدول العربية. وأن يلتقي بزعمائها وقادتها مباشرة. من أجل تقريب وجهات النظر. وجسر الخلافات وتعزيز التوافق والتضامن العربيين.
والحق أن الأمين العام بذل جهدا كبيرا ومشكورا. سواء في تنفيذ توجيه القادة العرب له بتفعيل دور الجامعة في القضايا العربية. أو في تحقيق ما وعد به من زيارات واتصالات مع قادة الدول الأعضاء في الجامعة.
عينت الجامعة في عهده مبعوثا لها في الأزمة الليبية. وساندت جهود دول الجوار الليبي نحو تسويتها. كما تساهم في جهود تسوية أزمات سوريا واليمن والعراق وغيرها.
كما قام الأمين العام بالفعل بزيارة العديد من الدول العربية. ولقاء زعمائها.
وبالتأكيد فإن محصلة ما بذله من جهود في الاتجاهين. يمكن أن نقيس حجمها في قمة الأردن نهاية هذا الأسبوع. سواء من خلال حجم ومستوي مشاركة وتمثيل الدول الأعضاء في القمة. ومن خلال ما يصدر عنها من قرارات. خاصة فيما يتعلق بقضايا جوهرية معلقة وتنتظر الحسم.
وهي مسألة لا تكتمل بجهد الأمين العام وحده أو بكل جهاز الجامعة. وإنما تتعلق بإرادات الدول الأعضاء أيضا. وبمدي رؤيتها للتهديدات والمخاطر التي تحيق بها وبالأمة العربية. وبكيفية التعامل معها. وما يمكن أن يحققه الحد الأدني من التضامن العربي من فعالية لهذا التعامل.
الأمين العام يأمل أن تشهد قمة الأردن حضورا غير مسبوق.. حسنا.. كلنا نشاركه هذا الأمل. وإن كنا نضيف إليه "مستوي الحضور" أو التمثيل.. أي أن يكون حضورا غير مسبوق علي مستوي القادة والزعماء وليس علي مستوي رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية. ثم أن يكون لهذا الحضور غير المسبوق انعكاس إيجابي علي نوعية ومستوي القرارات التي تصدر عن القمة.
***
وعلي سبيل المثال. فإن علامة استفهام كبري لاتزال تحيط بموضوع تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة علي مدي عامين كاملين.
هناك قرار صادر من قمة مارس 2015 بالموافقة علي مشروع هذه القوة المقدم من مصر ودعوة وجهها الزعماء العرب إلي رؤساء أركان جيوش الدول الأعضاء في الجامعة للاجتماع ووضع البروتوكول التنفيذي الخاص بهذه القوة.
واستجاب رؤساء الأركان للدعوة. ونجحوا عبر أكثر من اجتماع في وضع مشروع للبروتوكول بكل تفصيلاته. لا ينتظر سوي توقيع القادة العرب عليه.
وكان مفترضا أن يتم هذا التوقيع في قمة مارس .2016
وفجأة. ظهرت التحفظات. وانطلقت المحاولات الرامية إلي تعطيل المشروع والالتفاف عليه بأي صورة. حتي لا تظهر القوة العسكرية العربية المشتركة. التي تمثل حلما قوميا للأمة. إلي النور.
وكانت هذه التحفظات والمحاولات أحد أسباب تأجيل قمة مارس 2016 إلي أبريل. ثم اعتذار المغرب عن عدم استضافتها.
وعندما عقدت في موريتانيا في يوليو. رأي المشاركون فيها تأجيل الموضوع "لمزيد من الدراسة".
والغريب أنه خلال العامين. تم تشكيل وإطلاق ما سمي بـ "التحالف العسكري الإسلامي" من 36 دولة معظمها عربية.. كما طرحت مؤخرا. بعد تولي "دونالد ترامب" رئاسة أمريكا فكرة إنشاء "ناتو" عربي. أي حلف عسكري عربي علي غرار حلف شمال الأطلنطي "الناتو".
الحلف العسكري الإسلامي. بدأ وانتهي بمناورة عسكرية بعنوان "رعد الشمال".. و"الناتو" العربي مازال مجرد فكرة يدفع البعض في اتجاهها.
محاولات دءوبة. لا يستطيع أصحابها الكشف عن أسبابها. لطرح بدائل لمشروع القوة العسكرية العربية المشتركة الجاهز للتوقيع. لكن هذه المحاولات تصب في خانة واحدة.. ألا يكون المشروع مصريا. أي صادرا من مصر.. وألا يكون تحت مظلة جامعة الدول العربية. أو بين الدول الأعضاء فيها وحدها.. وهذا مفهوم.
المهم.. هل يا تري تم خلال الشهور الثمانية الماضية إزالة سبب تأجيل توقيع بروتوكول هذه القوة. وفق قرار القمة الماضية وهو أنه يؤجل "لمزيد من الدراسة"؟!
هل انتهينا من هذا المزيد من الدراسة؟!
هل المشروع مطروح علي جدول أعمال قمة الأردن لإقراره؟!
هل كان مطروحا أصلا خلال ما أجراه الأمين العام من لقاءات واتصالات مع القادة والزعماء العرب؟!
أم أنه سينتقل بالتدريج من خانة القضايا الجوهرية العاجلة. إلي بند القضايا المزمنة التي جري "تمويتها". وتصدر فيها قرارات سنوية روتينية يتم نسخها نسخا بكل بمفرداتها من قمة إلي أخري فيما يشبه إحياء الذكري السنوية للموتي؟!
هذا معيار أساسي للحكم علي مدي نجاح أو إخفاق قمة البحر.. الميت.