القاهرة 22 فبراير 2017 الساعة 11:51 ص
مارلين سلوم
«الأوسكار» آتٍ بصخب، يلبس أجمل أفلام العام الماضي ليتباهى بها على السجادة الحمراء وعلى مسرح «كوداك»، حيث تجري مراسم استلام الجوائز، لكنه يجر خلفه ذيلاً من القضايا «غير الفنية» والأصوات الرافضة للتمييز العنصري، التي قررت جعل الحدث الفني مناسبة لمواجهة سياسية حامية، هي الجزء الثاني أو الثالث الأبرز من سلسلة معركة «ترامب والفنانين». أربعة أيام تفصلنا عن الحدث الذي ينتظره الجميع بلهفة وترقّب، ليس حباً بالسينما وصناعها فقط، بل زد عليهم هذه المرة متابعي السياسة ومواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتحركات الفنانين الرافضين لسياسته وتصريحاته «العنصرية». السياسة ترفع حماس الجمهور للدورة 89، والتي لا شك ستستحق جائزة «الأكثر متابعة ومشاهدة» في تاريخ أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (السينما).
المؤسف أن يكون حديثنا عن هذا الاحتفال الفني الراقي، والذي يعتبر بمثابة مكافأة لجهود فنانين وفنيين أبدعوا فقدموا أجمل الأعمال والروائع السينمائية، ينطلق من السياسة وينظر إلى «العنصرية» من مختلف جوانبها. وليست المرة الأولى التي يتحدث فيها العالم عن التمييز داخل لجان تحكيم الأكاديمية، ولن تكون الأخيرة، رغم أن السينما الأمريكية تحتضن ممثلين ونجوماً من مختلف الجنسيات والأعراق والديانات. إنما الواضح أن الأوسكار هو فعلاً أرض الأحلام هذا العام والتي ستتحقق بالنسبة لفئة لم يكن يحق لها الفوز.
في جعبة الأكاديمية الأمريكية لفنون السينما وعلومها تسعة أفلام طويلة، ينتظر صناعها ونجومها ومؤلفو موسيقاها وأغنياتها ومحبوها من الجمهور النتائج بشوق. بعض الأعمال جاء محملاً بانتصارات لم يكن يحلم بها أو بعددها، مثل «لا لا لاند» الذي أصبح في رصيده 153 جائزة و218 ترشيحاً منها 14 للأوسكار، ربما لن يفوز بها كلها لكنه بلا شك سينال حصة الأسد ويخرج بأكثر من عشر جوائز. الفيلم الذي استطاع أن يسجل رقماً قياسياً بتاريخ «الكرة الذهبية» (غولدن غلوب) بفوزه بسبع جوائز، متخطياً ما حققه سابقاً فيلم «أحدهم طار فوق عش الوقواق» عام 1975 للمخرج ميلوش فورمان، وفيلم «قطار منتصف الليل» عام 1978 للمخرج آلان باركر، حيث نال كل واحد منهما ست جوائز، هل يستطيع أن يقفز فوق فيلم «تايتانك» الذي فاز ب 11 جائزة أوسكار عام 1998؟ علماً أن «لا لا لاند» تجاوزه بأشواط من حيث عدد جوائز «الكرة الذهبية»، 4 ل «تايتانك» فقط، ومن حيث مجمل الجوائز والترشيحات في رصيده، حيث سجل هذا الأخير 121 جائزة و73 ترشيحاً.
الأجواء السياسية الحالية، جاءت عكس التيار السائد ولأول مرة داخل الأكاديمية الأمريكية لفنون السينما وعلومها، ففي حين عُرفت الأكاديمية بتحيزها الشديد و«عنصريتها» الواضحة والعلنية لنصرة «البيض» على «السود» دائماً في اختياراتها، تمكنت ولأول مرة من تكسير هذه الأغلال التي قيدت أسوارها وكبلت عقول حكامها، ليتم ترشيح الكثير من الأعمال والنجوم من مختلف الجنسيات والأعراق، ما فاق توقعات الجميع، ليترك علامات استفهام كبيرة حول مصير الأوسكار في السنوات المقبلة، وإذا ما كانت سياسته الحالية ستستمر ما بعد ترامب؟ وهل ستبقى أبوابه مفتوحة أمام كل أطياف وألوان البشر والمعيار الوحيد هو الحرفية والإنجاز الفني؟
يبدو أن ما حصل العام الماضي ترك أثره جلياً على الأكاديمية، حيث سادت أجواء التوتر في مثل هذه الأيام، وقامت مجموعة من الفنانين بإعلان انسحابهم من حفل الأوسكار، وغضب عدد كبير من الأمريكيين الأفارقة بسبب «الترشيحات والجوائز العنصرية». اشتدت الأزمة وقتها ما اضطر البيت الأبيض (في عهد الرئيس باراك أوباما) للتدخل لتهدئة الناقمين، دون أن تتغير النتائج أو يتم إرضاء أحد من المعترضين. لكن الأيام دارت لتصب اليوم في مصلحة الأفارقة وغيرهم من الشعوب التي لم تتمكن سابقاً من الفوز بالجائزة التي تستحقها، بل إن البعض يعتبر أن الانفتاح المفاجئ هذا العام على مختلف الجنسيات في الأوسكار هو «سياسي بامتياز»، يصب في مصلحة من حلموا بالأوسكار ولم ينالوه يوماً، وذلك «نكاية» بالرئيس الحالي دونالد ترامب. غريب أمر السياسة كيف تتقلب فتقلب المواقع من النقيض إلى النقيض، وكيف أن من كانوا يمارسون العنصرية لسنين طويلة، حرروا الأوسكار من العبودية ليقفوا في مواجهة عنصرية أخرى جديدة تطال أمريكا نفسها.
حالة لم يشهدها الأوسكار سابقاً، حيث ستة ترشيحات لفنانين «سود» دفعة واحدة: 3 ممثلات من أصل 5 عن فئة أفضل دور ثانوي وهن: فيولا دايفيس عن «فانسز» أو «الأسوار»، نعومي هاريس «مون لايت»، وأوكتافيا سبينسر «هيدن فيجرز» (أو الأرقام المخفية). وتتنافس معهن كل من نيكول كيدمان «لايون» (الأسد) وميشال ويليامز «مانشستر باي ذا سي». ولن ننسى طبعاً النجمة الرائعة روث نيغا المرشحة عن فيلم «لافينغ» (محب) كأفضل ممثلة بدور رئيسي، بالتنافس مع ميريل ستريب «فلورانس فوستر جينكينز»، إيما ستون «لا لا لاند»، ناتالي بورتمان «جاكي»، وإيزابيل هوبر «إيل». وعن فئة أفضل ممثل رئيسي: دينزل واشنطن أمريكي إفريقي في فيلم من إخراجه «فينسيز» (الأسوار)، راين غوزلينغ «لا لا لاند» كندي، يتنافسان مع كازي أفليك «مانشستر باي ذا سي»، أندرو غارفيلد «هوكسو ريدج» وفيغو مورتنسن «كابتن فانتاستك».
الأمر لا يقتصر على «السود» في معركة «ترامب والفنانين»، لأن الحظر يشمل فئات أجنبية غير أمريكية كثيرة، وهوليوود عبارة عن خليط من كافة الجنسيات، ومقصد كل أهل الفن والمبدعين من كل العالم. ففي فئة الإخراج يتنافس باري جينكينز «مون لايت» وهو أمريكي من أصول إفريقية، مع داميان شازيل «لا لا لاند» أمريكي من أصول فرنسية كندية، ودينيس فيلنوف «أرايفل» (الوصول) فرنسي كندي أيضاً، مقابل أمريكيين هما ميل غيبسون «هاكسو ريدج» و«كينيث لونيرغن» «مانشستر باي ذا سي».
الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة، تضم «أجانب» كثر، ناهيك عن كتاب السيناريو والعاملين في إدارة التصوير والموسيقى والأغاني وكل الفئات المرشحة لنيل جائزة. ولا ننسى طبعاً الأفلام التي تستند بالأصل إلى قصص شعوب من السود أو «الأجانب» مثل «مون لايت» عن صبي إفريقي ينشأ في فلوريدا، و«فينسيز» (الأسوار) لدينزل واشنطن عن أسرة أمريكية من أصل إفريقي ومعاناتها في الخمسينات من التمييز العنصري. و«هيدن فيجرز» (الأرقام المخفية) عن قصة حقيقية لسيدات أمريكيات من أصول إفريقية يعملن في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. أما فيلم «لايون» (الأسد) فيحكي قصة رجل أسترالي يبحث عن أسرته وجذوره في بلده الأصلي الهند.
الطريق ما قبل الختام
رغم أهمية كل المهرجانات السينمائية التي تلف العالم في مواعيد مختلفة تتوزع على أشهر السنة، إلا أن مسك الختام يكون دائماً مع «الأوسكار»، الذي استطاع منذ انطلاقه عام 1929، أن يكون الجائزة الأهم التي يتطلع إليها صنّاع السينما كافة إلى جانب العاملين فيها من مختلف أنحاء العالم. حتى أن الاحتفاليات والجوائز التي تسبقه- وأبرزها جوائز «غولدن غلوب» - ورغم أهميتها، إلا أنها في نظر النقاد والجمهور وأهل الفن السابع، مؤشرات لما سيحصل في «الأوسكار»، والطريق الممهد
لهذا الحدث الضخم.
«الخوذ البيضاء».. التحدي الأكبر للرئيس الأمريكي
من الأفلام المتنافسة على جوائز الأكاديمية، ما لم يكن من السهل وصوله إلى الأوسكار، فشكّل مفاجأة «سعيدة» خصوصاً في ظل الأجواء الحالية المتوترة في أمريكا، مثل الفيلم الوثائقي «الخوذ البيضاء»، الذي يعتبر اليوم أكبر تحدي للرئيس الأمريكي، بعد إصداره مرسومه الشهير في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي ليحظر على السوريين دخول الولايات المتحدة. و«الخوذ البيضاء» هو فيلم وثائقي قصير يسجل أعمال مجموعة من الشباب المتطوعين لإسعاف الناس في مناطق الخطر والحرب في سوريا، ينقل حقائق من أرض الواقع.
هؤلاء الشباب هم من المدنيين، الذين تطوعوا باسم «الخوذ البيضاء» ضمن الدفاع المدني، منذ عام 2013، ووصل عددهم إلى ثلاثة آلاف متطوع؛ لذا كانت المفاجأة الأولى أنه تم ترشيحه ل«الأوسكار»، ووصوله للتصفيات النهائية. والمفاجأة الثانية، أنه استطاع كسر الحظر، بصدور تأشيرتي دخول لشخصين من «الخوذ البيضاء» خالد الخطيب ورائد صالح، ليتمكنا من المشاركة في هذا الحدث. الأضواء تسلطت عليهما وعلى الفيلم وقضيته الإنسانية أكثر فأكثر بعد صدور مرسوم «ترامب»، فصاروا سبباً إضافياً لرفض الفنانين وأهل السينما لتلك «العنصرية» التي تمارسها السياسة الأمريكية الحالية. الفيلم أصبح أكثر قرباً من الفوز بالجائزة، ومن المتوقع ألا يخرج من الحفل خالي الوفاض.
«الخوذ البيضاء» إنتاج شركة «نيتفليكس» وجوانا ناتاسيغارا، إخراج أورلاندو فون أينسيدل، ويشارك في إعداده وتصويره خالد الخطيب ومتطوعون، ومدته 41 دقيقة. والمهم أن النجم جورج كلوني يعمل على تحويل الفيلم الوثائقي القصير إلى فيلم سينمائي طويل بإنتاج ضخم تتولاه شركة «سموكهاوس بيكتشرز»، ويعتبره كلوني مهمة «إنسانية» أكثر منها فنية؛ بحيث يعمل على تسخير السينما وقدراته الشخصية لخدمة قضية حيوية تصب في إطار دفاعه عن اللاجئين، والعمل على مساعدتهم.
نقلا عن : الخليج الأماراتية