القاهرة 09 يناير 2017 الساعة 12:25 م
الكاتب الصحفي المصري عاطف الغمري تخصص في دراسة السياسة الأمريكية على أكثر من ثلاثين عاما ، وعمل أستاذاً بكلية الإعلام جامعة القاهرة لمدة سبعة عشر عاماً وعين رئيساً لمكتب الأهرام في لندن ثم في الولايات المتحدة ، وعمل بجامعة عين شمس و جامعة أسيوط وهو كاتب سياسي وأستاذ جامعي وصحفي مخضرم ومن هنا تكتسب كتاباته أهمية خاصة .
ولعل من أحدث مؤلفاته ذلك الكتاب المثير في عنوانه "المؤامرة الكبرى من وثائق المخابرات الأمريكية والموساد وداعش" والذي صدر خلال عام 2016في سلسلة كتاب الجمهورية في مصر ويقع في 180 صفحة وينقسم إلى عشرة فصول الأول بعنوان "نظرية المؤامرة " ويستند إلى كتابات الرئيس الأمريكي الأسبق دونالدريدان و المستشار للامن القومي بريجسنكي واعترافات ضباط أمريكيين عن داعش وتمويلها من حساب خاص في بنك سويسري ، ورغم أن داعش هي اسم جديد إلا أن سوابقها ممثلين في الطالبان في أفغانستان والقاعدة كانوا أدوات في الصراع الأمريكي ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان .
والفصل الثاني يبرز أن الحروب بلا نهاية هي غاية المؤامرة الكبرى فالاقتصاد الأمريكي ينتعش من تجارة الأسلحة ، وكذلك بسط النفوذ الأمريكي ، والفصل الثالث يوضح دوؤ أجهزة الاستخبارات ، أما الفصل الرابع فيركز على الوثائق الأمريكية المتصلة بالمؤامرة لتغيير الدول العربية من الداخل ويربط بين ذلك وبين أدوار للناتو وإسرائيل لتنفيذ المخطط ، الفصل الخامس يتناول الإرهاب كأداة لحروب الجيل الرابع وفي الفصل السادس تظهر داعش تحت أسمها المشبوه ودور أبو بكر البغدادي كعميل ، الفصل السابع يتناول علاقة إسرائيل بالإسلام السياسي ومنظماته وتمويل الموساد للجماعات الاسلامية المتنعوعة رغم
شعاراتها بالسلاح والمال تماشياً مع العقيدة العسكرية الإسرائيلية ودور الجواسيس والجاسوسات من دول أوربية وعربية في اختراق المنظمات الإرهابية الإسلامية.
الفصل الثامن يخصصه لتحولات النظام الدولي والترويج الأمريكي لنهاية عصر الدولة القومية ( الوطنية ) ودور منظمات الإرهاب في هذا الصدد ثم الانتقال الامريكي من الخليج للشرق الآسيوي ، ويتساءل عن الحرب الباردة وهل عادت من جديد؟ ، الفصل التاسع بعنوان حملة الحرب الشاملة على جميع العرب ويحلل وثائق الأجندة السرية للسياسة الأمريكية الفصل العاشر والأخير يخصصه لقضية الأمن القومي العربي وتغير السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي ومشروع إسرائيل للهيمنة ، ويطرح تساؤلات هل تغيرت مفاهيم الأمن القومي العربي ؟ وهل هناك تعارض بين الأمن القومي العربي والأمن الوطني؟
ورغم صغر حجم الكتاب مقارنة بمؤلفات أخرى عديدة في مثل هذه القضايا فإن أهميته ترجع لثلاثة أمور :
أولها : خبرة المؤلف الواسعة والمباشرة في بريطانيا والولايات المتحدة .
الثاني: استنادالكتاب الي وثائق أمريكية عديدة فهو ليس كتاب تأملات وانما كتاب تحليل للوثائق.
الثالث:المظاهر الواضحة في تنفيذ تلك المخططات الامريكية والدورالذي تقومان به إسرائيل وزالدور الذي يضطلع به الإسلام السياسي في التنفيذ ولعلني أشير هنا لعدة حقائق من ثوابت عالم السياسة الدولية وتناولها الكتاب المذكور في ثنايا تحليله. ومنها ما يلي :
1-التعاون الوثيق بين الأضداد " إسرائيل والإسلام السياسي " ونتساءل هل هم فعلاً أضداد أم هما وجهان لعملة واحدة؟ و نقول إن السياسة مثل السفر تجعل
الاعداء ينامون في سرير واحد والمثل بلغته الاصلية الانجليزية هو
Travel makes strange bed fellows
2-إن منطق المؤامرة ليست جديدا في التاريخ السياسي العالمي وبخاصة التاريخ الأوروبي والأمريكي ولعل اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي كشفها الاتحاد السوفيتي عقب الثورة البلشفية عام 1917 وهي ليست الاولي ولن تكون الاخيرة فالمؤامرات جزء من ادوات تنفيذ الخطط في السياسة الدولية ، فالسياسة هي مؤامرات مستمرة ومفهوم السعي نحو السيطرة
الأوروبية والصراع الإنجليزي والفرنسي الألماني لتقسيم القارة الأفريقية ليس إلا حلقة في هذا الصدد .
وإنني أدرك أن هناك نخبة من المثقفين والأكاديميين العرب يحلو لهم لقول بأنهم يرفضون أطروحة نظرية المؤامرة ويعطون لها اسماً جميلاً ، وهو الصراع من أجل النفوذ والتوسع الاستعماري ، وهذا من قبيل مقولة " لا أكذب ولكنني أتجمل " أو مقولة تسمية الأمور القبيحة بأسماء جميلة مثل معهد العميان باسم معهد النور ونحو ذلك ، المؤامرة هي خطة إستراتيجية للتوسع العالمي وليست خطة إستراتيجية داخلية لبناء الدول وعدم غزوها.
3-كتابات عديدة في الولايات المتحدة وأوروبا حول التوسع البريطاني والفرنسي والأمريكي والسوفيتي ودور الاشرار الثلاثة وهم تجارة السلاح والمخدرات والإرهاب ، فادخال تجارة الأفيون البريطاني في الصين لتدميرها من الداخل أدت عند اكتشافها االي ما عرف بحرب الأفيون عام 1840وما بعدها من أكبر الشواهد ، والسباق الإنجليزي الفرنسي على القارة الأفريقية منذ مؤتمر برلين 1878، الاتفاق الودي البريطاني الفرنسي واخيرا لعل تصريحات كيسنجر عن تقسيم العالم العربي بين إسرائيل وإيران في الفترة القادمة والتي نشرت في مقابلة له خلال عام 2016مع إحدى الصحف الأمريكية اكدت وجود خطة لتدميرالعالم العربي .
4 - وكتابات الباحث الأمريكي الاكاديمي ذي الصلة الوثيقة بالاجهزة المختصة جين شارب Jean Sharpعن الانتقال من الديكتاتورية للديمقراطية ونشر الديمقراطية الأمريكية والغربية بأساليب مختلفة منها تشكيك الشعوب في ثقافتها وتراثها والسعي لتغير ذلك التراث ليس إلا مظهراً من مظاهر تلك المؤامرات كلما برزت دولة قوية تبدأ المؤامرات من الدول المنافسة لتدميرها ، خذ مثال خطة أمريكا في سباق التسلح الفضائي لتدمير الاتحاد السوفيتي ، وخطة الولايات المتحدة في تسليح اليابان وتايوان وإثارة دول الأسيان ضد الصين هي وسيلة مناسبة للقرن الحادي والعشرين ، وبعث الفرقة في العالم العربي واستخدام العقائد الدينية والعرقية والطائفية لتدميره من الداخل واستخدام القوى الاقليمية المحيطة بالعالم العربي لنفس الهدف وأطروحة بناء الدولة الفارسية واستعادة بناء مجدها وبناء الدولة العثمانية ودورها هي خطط في هذا السياق لتعاون إسرائيلي تركي إيراني بعضه علني وسافر وبعضه استخباراتي هو في هذا الصدد ، فتركيا تدلي بالدفاع عن العالم العربي والإسلام السني وهي في تعاون إستراتيجي واضح ومعلن مع إسرائيل ، كان معلناً أيام الشاه ثم تراجع إلى المجال الاستخباراتي بعد سقوط الشاه وقيام الثورة الخمينية وأفكار تصدير الثورات أو تصدير الديمقراطية أو جمعيات حقوق العالمية ومنها جمعية الحريات الدينية
الأمريكية التي أنشأها الكونجرس الأمريكي لمتابعة حرية الأديان في الدول العربية والإسلامية وليست في أمريكا ذاتها هي من هذا القبيل .
تلك تأملات وعرض موجز للكتاب القيم للأستاذ : عاطف الغمري بعنوان " المؤامرة الكبرى "الصادر من مؤسسة التحرير " دار الجمهورية بالقاهرة .
السؤال الذي نطرحه في ختام هذا العرض هل يفيق العرب ويدركون ما يُخطط لهم أم سيظلون سادرين في نومهم وغيهم وطموحاتهم ويحققون الخطة الإستراتيجية الأمريكية والغربية وخطط دول الجوار الطامعة بوعي أو بدون وعي ؟ هذا السؤال نطرحه ونترك الإجابة عليه للقارئ الفطن الذكي .