القاهرة 19 ديسمبر 2016 الساعة 01:44 م
صحيح .. من حق الجميع أن يصرخ من وجع الغلاء، وانفلات الأسعار .. ومن اختفاء بعض السلع أو ندرتها .. ولكن ليس من حقهم أن يديروا وجوههم بعيدا عن الحقيقة، وبمقدار ما تقول به الأسطورة ، إن الحقيقة جاءت إلى الناس عارية، فوضعوا أياديهم على عيونهم وابتعدوا عنها.. ليس عن إيمان وحياء وتقوى، ولكن عن قصد وجهل معا !!
مواجع الحياة المعيشية شىء .. وتشويه صورة الواقع شىء آخر .. نحن نعاني من جنون الأسعار .. هذا صحيح .. ولكن هناك من ينظر تحت قدميه، ولا يلقى البصر إلى الحقائق من حوله ..
والحقائق التي أقصدها، كشف عنها بتعبير درامي ، مختصر ومفيد، أستاذي الكبير الراحل "هيكل"، بأن مصر تشبه "سيارة " .. بدأت تتلف مع السادات .. وتعطلت مع مبارك .. وحولها مرسي إلى "توك توك" .. واستلمها السيسي "متهالكة" ، ولم يعد أمامه إلا مواجهة الناس بالحقائق .. ونحن أمام لحظات فارقة، فيها مخاطر بلا سقف ولا أرض !!
وإذا كان بعض التفصيل لازما، بقدر ما هو ضروري للشرح .. فإن الشعب المصري كله، كان في سيارة كبيرة جدا ، تتجه إلى المستقبل، لكن بشكل ما ، وعند لحظة معينة، في بداية السبعينيات تحديدا ، سارت السيارة في الصحراء لفترة طويلة، وتاهت، وبدأت الإطارات تتلف وغير ذلك .. وعند إغتيال الرئيس السادات 1980 بدأت السيارة الكبيرة في التلف ، وفقدت أحد إطاراتها .. وجاء بعده الرئيس مبارك، وتصور بخبرته كطيار أن السيارة الكبيرة "طائرة" فبدأ إصلاحها على أنها كذلك ، لكنه لم ينجح لأنه كان يفعل شيئا ضد طبيعة السيارة، وهي بالطبع ليست طائرة ، ولذلك ظلت السيارة في طريقها معطلة، وبالضرورة فإن الطريق إلى المستقبل ظل معطلا مع تراكم المشاكل ، وتزايدت في نفس الوقت مشكلات الأعطال !!
ثم جاء المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير 2011 ووقف أمام السيارة حائرا ، ولم يعرف كيفية إصلاحها .. وجاء بعد ذلك الرئيس الأسبق محمد مرسى، فرأى السيارة الكبيرة تعاني من عدة أعطال ، فأعتبرها "توك توك " وبدأ يقودها على أنها كذلك، وصعد معه في السيارة الأهل والعشيرة وأقفاص الدجاج ، لكنها لم تمض بهم أيضا على الطريق .. إلى أن وصلنا إلى المرحلة الراهنة التي يقف فيها كل أصحاب السيارة ، وهي سيارة الوطن، أمام أعطالها ، مستعجلين تحركها ، حتى أن البعض وفي مشهد غريب يريد الدفع بالسيارة من الخلف .. وفي هذه الحالة دخل على الطريق "حامل مسدس " يحاول خطف السيارة، أو على الأقل اتلافها تماما وتفكيكها ، و"حامل المسدس والمتفجرات" من الإرهابيين، يعمل لدى السماسرة من قوى خارجية وعربية ، ويترقب حتى الآن أن يستلم ثمن التفكيك !!
وهكذا .. السيارة "متهالكة" ، والأخطار على الطريق داهمة ، والمشاكل "ملغمة" ، وكل ما حول السيارة في الإقليم "مزعج" ، والفشل في هذه المرحلة معناه نتائج كارثية .. ولم يعد أمام الرئيس السيسي خيار آخر، غير التعامل مع السيارة على حالتها ، وتبين أن الأعطال تحتاج إلى ما هو أكبر من مجرد إصلاح إطار أو تبديله ، أو تصليح أجزاء "خربانة"، فالسيارة تحتاج لما هو أكبر من "عمرة" كاملة ، ولا تتحمل التأخير أكثر من هذا ، ولابد من مصارحة كل أصحاب السيارة ، في الملفات التي لا تتحمل التأجيل.. وحتى يمكن للسيارة بعد ذلك أن تنطلق على الطريق إلى المستقبل.
وفوق كل ما تقدم .. كان أمام السيسي إما تحريك السيارة بأي وسيلة، وبعد ذلك يفعل الله ما يشاء .. وإما أن يتم "إصلاح كامل للسيارة"، وعلى أصحابها تحمل النفقات ، حتى يعرفوا طريقهم وطريق أبنائهم وأحفادهم للمستقبل .. وهو ما يحدث الآن ، من مشاريع بنية تحتية ضخمة، تمهد الطريق لإنطلاق السيارة فيما بعد ، وبالتوازي مع مشروعات تنموية كبرى أيضا .. وهو ما يثير تساؤل البعض من "قصيري النظر والبصيرة" : لماذا ننتظر سنتين أو ثلاثة حتى نشعر بالنتائج، وبمقدار ما يبقول به المثل الشعبي عن العجزة "أكلني النهاردة .. وموتني بكرة " !!
وربما لا يعلم كثيرون، أن إصلاح السيارة الكبيرة أصبح واجبا و"فرض عين" وطني .. وأن إصلاحها يتم دون رغبة حتى من بعض الأشقاء العرب، وبات لعبهم معنا على المكشوف بكل آسف .. هم وغيرهم خائفون من إصلاح السيارة الكبيرة ، ويحاولون اعتراض حركة الإصلاح، وبدوافع تفوق دوافع قوى خارجية تناصبنا العداء لأسباب ومصالح ومطامع استراتيجية تاريخية .
ورغم ذلك .. نجد أصحاب الدفوف من المنتقدين بإدعاءات لا أساس لها .. يتصورون أن تشويه الجقائق نوع من وعي " أصحاب العقول" الذين لا يعملون لحساب النظام !! هكذا يتصورون .. وهم بكل أسف وحزن لا يعلمون أن لهم وطن ومجتمع ودولة .. وغير ذلك عبث جنوني تحت تأثير إعلام فصائل من "الإسلامجية" ومن معهم من قوى إقليمية، وكيانات عربية صغرى، لا تملك مصيرها تحت حماية القواعد والإمتيازات الأمريكية !!