القاهرة 20 اكتوبر 2016 الساعة 12:12 م
إذا حضر العلم والإبداع بطل التيمم...
فى عز الأزمات تجد بصيص الضوء يأتى من إشعاع العلماء والمفكرين والأدباء والمبدعين وهذه عظمة الدول الكبرى بحق وحقيقى ....
عندما تجد نفسك فى حضرة علماء فى قامة الدكاترة فاروق الباز ومحمد غنيم ومجدى يعقوب و د. مصطفى السيد على سبيل المثال لا الحصرضمن مئات الآلاف من العلماء تعرف أن مصر لن تموت أبدا حتى لو حاصرتها الأزمات !!
عندما تجد نفسك فى حضرة إبداعات لاتموت سواء رحل أصحابها بدنيا أو مازالوا أحياء بيننا مثل أدب نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعبد الحكيم قاسم ويحى حقى وطه حسين وعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب وأم كلثوم وعبد الوهاب ونجاة وفيروز ويوسف شاهين وعاطف الطيب وخيرى بشارة وداود عبد السيد ويحى الفخرانى وأحمد زكى وسعاد حسنى.. الخ ، تؤكد أن مصر لن تموت أبدا حتى لو حاصرتها الأزمات لإنها تستطيع!!.....
لكن السؤال الذى يشغلنى دائما لماذا لا نتحرك جميعا للأمام ونحن نجد فى مصر بصيصا من ضوء كل فترة يعطينا الأمل فى إننا نستطيع ... تجارب تبدد الظلام حولنا وتزلزل أقدام من أرادوا أو يريدون سوء بمصر ؟
• د. غنيم وكلى المنصورة
مثلا فى عز انهيار الخدمة الصحية فى مصر وشعور الفقراء فى بلادنا بأنه لاعلاج لهم خاصة عندما هجم عليهم الفشل الكلوى ظهر نور فى قلب الدلتا المصرية فى صورة د. محمد غنيم ليبنى صرحا يضاهى أكبر الصروح الطبية العالمية بل أصبح قبلة لأطباء من دول غربية كثيرة جاءوا ليتعلموا على إيد د.غنيم وزملائه وتلاميذه ....وكان السؤال الذى شغل بال الجميع كيف حدثت المعجزة فى ظل البيروقراطية العقيمة من جهة وقلة الإمكانيات مع الترهل الوظيفى من جهة ثانية ؟
جلست مع د. غنيم أكثر من مرة وهو على كرسى القلعة الطبية كى اتأمل ملامح هذه الشخصية العبقرية ...هو ... بسيط للدرجة التى يلعب فيها الكرة مع شباب فى أحد شوارع المنصورة وحازم إلى درجة الصرامة التى تجعل الكل من طاقم الأطباء والتمريض يخاف منه ويهرب حتى لايراه إذا اقترب .... غاية فى الرقة والحنية مع المرضى الفقراء للدرجة التى تشعرك أنه يكاد يقبل أقدامهم ، متعالى مع من يتعامل معه بتعال وغطرسة من المسئولين ، ابن بلد وصاحب خفة دم لا توصف إذا كانت القعدة فرفشة !!
فى عهده منع أى طبيب يعمل بالمركز من فتح عيادة خاصة أو العمل فى أى مستشفى استثمارى أو خاص رغم أنهم من ألمع واكفأ أساتذة الجامعة والمدرسين المساعدين والمعيدين فى كلية طب المنصورة ...
فى عهده ارتفعت مكانة طب المنصورة بل الجامعة كلها إلى مصاف جامعات القمة التى تحصل على أعلى المجاميع للمتقدمين إليها ، ونافست القصر العينى
وعين شمس والإسكندرية ... باختصار وجود د. غنيم إشارة ربانية تؤكد أن مصر لن تموت أبدا حتى لو حاصرتها الأزمات لإنها تستطيع!!
• د.أحمد زويل وحلمه الذى لم يره
وفى وسط التردى فى البحث العلمى عرفنا الراحل د. أحمد زويل ليصرخ فى غياهب عدم الاهتمام بالبحث العلمى بأنه لاحل أمامنا إلا البحث العلمى وقدم لنا عصارة تجربته بحلم مدينة زويل العلمية .. وقابلنا حماسه وحلمه بالعراقيل وكلما تقدم خطوة زرعنا أمامه مليون لغم ورحل قبل أن يرى حلمه نبتة أو شجرة ، لكن تجربته تؤكد أن مصر لن تموت أبدا حتى لو حاصرتها الأزمات لإنها تستطيع!!
• د.مجدى يعقوب وقلب أسوان
وفى أقصى الجنوب وفى أسوان ذهب إلى هناك من ينافس الجرانيت فى الصلاة .. ذهب إلى هناك من حصل على المجد فى بلاد الخواجات وحصل على لقب "سير " وتاريخ حافل وصل إلى نحو 25 ألف عملية جراحية فى القلب .... ومثلما خبر داء القلوب كان على يقين أنه يستطيع أن ينفذ بمشرطه إلى قلب المستقبل المريض .. أقصد قلب أطفال مصر .. ولا يوجد فى الدنيا من الألم ما يوازى الشعور بألم طفل صغير خاصة إذا اقترن معه عوز وفقر أب أو أم لايملك ثمن شريط إسبرين ...
ومثل د. غنيم الذى حفر بيده فى طين الدلتا فى المنصورة بدأ د. يعقوب الحفر فى جرانيت أسوان تحت نار الشمس الحارقة .. وبدأ المشوار وأصبحت أسوان قلعة لطب قلب الأطفال يتجه لها الجميع من مصر والعالم العربى بل وبدأنا نصدر العلم للعديد من الجامعات الغربية الكبرى .. ولا يتوقف الطموح عنده وبدأ فى الحلم بإقامة مدينة طبية وعلمية كاملة على مساحة 28 فدانا .. المهم ووسط كل ذلك ظهر سارقو الفرحة والحلم مثلما ظهروا مع د. زويل ود. غنيم لكن الحمد لله فشلت المحاولة واعتقد أنها لن تكون الأخيرة لأننا فى بلادنا نتكاتف جميعا كى نسقط الناجح فى بئر الفشل على عكس الغرب حين يتكاتفون لإخراج الفاشل من بئر الفشل إلى عالم النجاح .. لذلك تقدموا ونحن تخلفنا ومع ذلك تجربة د. يعقوب تؤكد أن مصر لن تموت أبدا حتى لو حاصرتها الأزمات لأنها تستطيع!!
• د. هاشم فؤاد والقصر العينى
هو واحد من الأطباء العظام فى عهد عمادته لكلية طب جامعة القاهرة تحولت مستشفى القصر العينى إلى نموذج قبل أن يتكالب عليه خفافيش النجاح ، ووصل الأمر فى عهده أنه كان يدخل إلى مطابخ القصرالعينى ليرى بنفسه كيف يتم تنقية الأرز الذى يقدم للمرضى مع غسيل الخضروات وكان يتذوق بنفسه الطعام الذى يقدم للمرضى الفقراء .. كان يمر على العنابر ويشرف بنفسه على عملية مسح الأرض ونظافة الأسرة .. ولكم أن تتخيلوا الباقى .. الانضباط فى غرف العمليات أصبح سمة ، والحساب العسير مع أى مقصر حتى لو كان أستاذ ورئيس قسم .. باختصار كان القصر العينى مستشفى 5 نجوم قبل أن نعرف المستشفيات ال 5 نجوم .. بأختصار تجربة د. هاشم فؤاد تؤكد أن مصر لن تموت أبدا حتى لو حاصرتها الأزمات لإنها تستطيع!!
***
هذه التجارب كانت الجهود الذاتية فيها والسمات الشخصية هى البطل .. ملاليم الفقراء والأحباء كانت السند مع إخلاص وإنسانية نادرة فى هؤلاء و استطاعت فى النهاية أن تجذب إليها الآلاف من المصريين ليقدموا النموذج على أن مصر تستطيع !!
لكن هذه التجارب على سبيل المثال لا الحصر تطرح عدة أسئلة فى مقدمتها أين رجال الأعمال فى بلادى الذين حصلوا على ثرواتهم من هذه الأرض ؟
فى الخارج تجد المعامل والأقسام العلمية فى الجامعات ينفق عليها رجال الأعمال ....وفى بلادى بعض رجال الأعمال ينفقون أموالهم على تخريب الضمائر وشراء الذمم !!
هناك من يخصصون جزء كبير من ثرواتهم على الثقافة والعلم والتعليم والأعمال الخيرية ورعاية الحيوان ...وفى بلادى بعض رجال الأعمال ينفقون أموالهم على راقصات أو ماشابه ذلك ...
هناك بعض رجال الأعمال ينفقون أموالهم على مصانع وصناعات تعود بالتقدم لبلادهم ووفى بلادى يتفنن بعض رجال الأعمال فى بيع الهواء لنا ..
والسؤال هل التقدم فى بلادى مرهون بإرادة بعض رجال أعمال مثل هؤلاء أم بعلماء لايملكون سوى الحلم والأخلاص لمبادئهم وإنسانيتهم أم لملايين هدهم الجهل والفقر والمرض؟
الإجابة كم فى مصر من أمور تحير الكل أمام فك كلمة السر فيها ...؟
الفراعنة إذا أرادوا لا يقف أمامهم أحد لذلك لايريد الكثير ممن حولنا أو يتربصون بنا أن ننطلق ... يطبقون معنا سياسة الطفو.. أى يساعدوننا حتى لانغرق لكن بشرط ألا نسبح للأمام ... فهل نسمح لهم بذلك .. الحل والأمل من جوه ..من جوه .. من جوه .. أفيقوا أيها المصريون قبل فوات الآوان !!
• فاروق شوشة
يرحل العمرُ وئِيداً ، تسقطُ الأعوامُ في الهُوَّةِ ، يْلَتَفُّ الصبايا حولَ نَايِ الحُبِّ تغريهِنَّ بالتَّرنْيِمِ مَنْضُوراً فَتِيّا...عاشقاً ، طَلْق الْمُحِيَّا ....
• مقطع من قصيدة الذى رحل هذا الأسبوع ....من تربينا جميعا على صوته ... أحببنا الشعر وهو يتدفق بنبرات صوته ... هو الشاعر الرقيق فاروق شوشة .... عشقنا الإذاعة من صوته ... ذبنا فى اللغة وأصبحت به لغتنا الجميلة وأصبحت: " أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي"...
بهذا البيت جعل شعر النيل حافظ إبراهيم يعيش بيننا،ويزورونا مساء كل ليلة على اثير البرنامج العام .. نافسه فى السحر الكثير من البرامج والمسلسلات لكنه ظل فى مكانة لاينافسه فيها أحد رغم محاولة تقليده ...
واذكر واقعة لا يعرفها الكثيرون تؤكد نبل مشاعره .. منذ سنوات وبالتحديد عام 1996 فاز بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب وكان أول رد فعل له أن قام بزيارة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى وكانت أول جملة له على باب شقته فى مصر الجديدة : إنت الأحق منى بالجائزة يا أستاذ حجازى ...وهنا تلعثم شاعرنا الكبير بعد أن كان الغضب مسيطرا عليه ...وأضاف شوشة وهو يقبله جئت إليك بالجائزة لأنه لا يعقل أن أفوز قبلك بها وأنت الذى تعلمنا منه جميعا بإضافتك القصيدة الحرة للشعر العربى كله مع صلاح عبد الصبور ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب .
• يرحلُ العمرُ ، وتمضي سَلَّةُ الأعوامِ لا تَحْمل شَيّا .....يَسْقُطُ السرُّ ، يدوسُ الناسُ ، ينهالُ الترابُ الصَّلدُ ، يدنو القَيْدُ ، يَهْوِي النَّايُ مُلْتَاعاً ... شَجِيّا ....من جديد ها أنا ألقاكَ في عَصْفِ الذُّهول الْمُرِّ ، تجتازُ الفِجَاجَ السُّودَ ، مَخْبُولا ... شَقيًّا ....و بعينيكَ سؤالٌ أخْرَسُ الدَّمْعَةِ مازالَ عَصِيّا .....ما الذي سَدَّدَ في قلبِكَ سِكِّينا ؟! وفي عْيَنْيكَ حُزْناً أبَدِيْا ؟!
yousrielsaid@yahoo.com