القاهرة 25 سبتمبر 2016 الساعة 02:08 م
لم يكف عن حلمه بمستقبل الثقافة أو انحيازه إلى المعذبين في الأرض, وحين تولى مسؤلية المعارف في الوزارة الوفدية سنة 1950, وجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الرائع "التعليم كالماء والهواء " وظل يثير عواصف التجديد حوله, في مؤلفاته المتتابعة ومقالاته المتلاحقة وإبداعاته المتدافعة طوال
مسيرته التنويرية التي لم تفقد توهج جذوتها العقلانية قط, سواء بعد أن أصبح عميدًا لكلية الآداب سنة 1930, أوحين رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين سنة 1932, وعندما واجه هجوم أنصار الحكم الاستبدادي في البرلمان, الأمر الذي أدى إلى طرده من الجامعة التي لم يعد إليها إلا بعد سقوط حكومة إسماعيل صدقي باشا.
وكانت العاصفة الكبرى التى اثيرت حول كتابه "فى الشعر الجاهلى" عام1927 والتى أقام الدنيا ولم تقعدها الا بعد صدور قرار حفظ القضية إداريا وتبرئته من التهم المنسوبة اليه وهى كثيرة.
وهذه القضية سجل فيها محمد نور- رئيس نيابة مصر آنذاك - موقفا مشرفا فى تاريخ القضاء المصرى, وكان النائب العمومي قد تلقى عدة بلاغات تفيد كلها بأن طه حسين قد تعدى بكتابه على الدين الإسلامي وأجملها (نور ) في أربعة : الأول أنه أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في إخباره عن إبراهيم واسماعيل ، والثاني أنه طعن على النبي صلى الله عليه وسلم من حيث نسبه، والثالث ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها ، والرابع أنه أنكر أن للإسلام أولوية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم .
وقد حقق ( نور) طويلا مع طه حسين ، وجادله ، ثم قرر حفظ القضية ليس لأنه متفق مع ما جاء في الكتاب ، بل رغم اختلافه مع ما جاء في الكتاب ومع طه حسين نفسه اصدر حكمه السابق استنادا الى العقل المستنير، وقال بالنص « لمعاقبة المؤلف يجب أن يقوم الدليل على توفر القصد الجنائي لديه ، فإذا لم يثبت هذا الركن فلا عقاب, وإن للمؤلف فضلا لا ينكر في سلوكه طريقا جديدا للبحث حذا فيه حذو العلماء الغربيين , والعبارات الماسة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها.
إن قرار (نور) الذي سجله منذ 89 عاما يمثل وثيقة قضائية دامغة تؤكد الدفاع عن الابداع, و احترام الرأى المخالف وعدم تجريمه، والطريقة الصحيحة للتعامل مع الفكرالانسانى , حفاظا على حرية العقل البشرى وحقه فى البحث والتجديد.