القاهرة 19 سبتمبر 2016 الساعة 01:24 م
تحقيق: محمد الدويري
في عمق سلاسل الجبال المحاذية لسلطنة عُمان، ترتكز بلدة المنيعي وتحيط بها قراها المتناثرة في غور جبالها على مساحة واسعة، لتكون بذلك 11 قرية وهي «المنيعي، القور، البراحة «الفشغة قديماً»، رافاق، والنصلة، والتي تضم مركز أم الغاف الحدودي، وصخيبر، والوعب، ووادي الطوى، ووادي العجيلي، كما لو أنها جسد واحد لما يشكله سكانها من رابط اجتماعي وثيق قديم قدم الأودية والحصون التي تعتلي سفوح التلال والتي تعود لعدة قرون مضت.
تستوحي المنيعي 130 كيلومتراً جنوب شرقي مدينة رأس الخيمة، أصالتها كذلك من قيم أبنائها المتوارثة، التي يتشبثون بها جيلاً بعد جيل، من منظومة قيم إسلامية وعربية أصيلة، بما فيها من كرم وشجاعة وتسامح وطيب معشر واعتزاز بالماضي والحاضر وسواها.
في زيارة «الخليج» الميدانية للمنطقة، التقت خلالها بالأهالي، واطلعت على واقع تترجمه على الأرض المشاريع التنموية، التي أطلقتها الدولة خلال الأعوام الماضية، لاسيما مشاريع مبادرات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في بناء مساكن جديدة بمعايير عالمية، لتكون بذلك طفرة تطورية قدمت للأهالي الأمان المعيشي والحياة الكريمة.
وفي البداية وجه الأهالي تحية إجلال وإكرام للقيادة الرشيدة، على ما توليه من اهتمام بالمواطنين في كل مناحي الحياة على امتداد الدولة، حيث لا يؤخرهم عن خدمة الإنسان وتوفير الحياة السعيدة له وعورة المكان أو بعده، فالخير من صوبهم يتعدى الحدود، ويدخل القلوب، مؤكدين أن ما تشهده الدولة من تطور حضاري وتقدم خدماتي شامل، يشهد لنهج القيادة السليم والاستثنائي على مستوى العالم بالحكمة، والذي جاء استمراراً للحكام الأولين الذين يؤمنون بحق المواطن في عيش كريم وحياة سعيدة.
مبادرات القيادة تحقق الأمان
في البداية أطلعنا علي سعيد الدهماني مسؤول المنطقة على تاريخ البلدة وتفاصيلها قائلاً: يقطن المنيعي وما جاورها وأحاط بها من قرى صغيرة تابعة لها نحو 12 ألف نسمة، وفقاً لتقديرات عدد من وجهاء المنطقة وأبنائها، فيما يشكل المواطنون أغلبية سكانها بنسبة 90% تقريباً، والبقية هم من المعلمين من أبناء الجنسيات العربية العاملين في مدارسها، والعمال الآسيويين العاملين في مزارع المنطقة ومهن أخرى.
وأضاف: إن العمر التقديري لبلدة المنيعي يصل إلى نحو 600 عام، وهو ما يقدر بالاعتماد على سلسلة الآباء والأجداد، الذين يحفظ الأهالي أسماءهم وسيرهم والفترة التي عاشوا فيها ، ويتداولونها بينهم حتى اليوم، متناقلين إياها أبا عن جد، إضافة إلى بعض الروايات الشفهية، التي يحفظها أبناء قبيلة الدهماني، موضحاً أن أبناء المنيعي يحفظون إلى يومهم هذا أسماء وسير أجدادهم.
وتابع: إن عمل أهل المنيعي قديماً، كان في الزراعة والرعي وسواها من أشغال ومهن أخرى، فيما يعمل معظمهم اليوم في وظائف ومواقع مختلفة في المؤسسات الاتحادية والمحلية، مشيراً إلى أن نسبة التعليم تصاعدت بين أبناء المنيعي في الأعوام الماضية بصورة تدريجية، وينعكس ذلك في المدارس الشاملة في المنطقة، كمدرسة المنيعي للتعليم الأساسي والثانوي، ومدرسة العصماء بنت الحارث للتعليم الثانوي للبنات، ومدرسة رافاق للتعليم الأساسي وغيرها موزعة على جميع المناطق، والتي خرجت أجيالاً يحملون تخصصات إنسانية وعلمية مختلفة.
وقال إن القيادة الرشيدة من خلال مبادراتها الطيبة، قدمت للأهالي مساكن حديثة بمعايير عالمية، حيث قدمت مبادرة صاحب السمو رئيس الدولة، 33 منزلاً حديثاً في شعبية الوعب، و15 في شعبية صخيبر، كما أن مشروع الشيخ زايد للإسكان قدم دعماً ل30 منزلاً في عدة مناطق من البلدة، لتكون هذه المكارم عنواناً للقيادة الحكيمة التي تهتم بمصالح مواطنيها.
ونوه بأن المنطقة تقع في غور سلاسل الجبال، وطريقها وعرة جداً، الأمر الذي يحتاج إلى تطوير كافة مقومات الحياة الأساسية التي تنادي بها المنطقة، موضحاً أن البلدة بحاجة إلى بنية تحتية متطورة نظراً لما تشهده من سيول جارفة وفيضانات خلال موسم الشتاء بسب انسياب مياه الأمطار من سفوح الجبال، ما يلحق إضراراً في الممتلكات العامة والخاصة.
وقال إن الشوارع الداخلية للبلدات تعاني ترهلا كبيرا، لا سيما أنها بحاجة إلى رصف وتعبيد لإيصال المواطنين إلى مساكنهم، وخاصة الجديدة منها، كما أنه ينقصها الإنارة، والتي تغيب عن الشوارع الرئيسية التي تربط المناطق بعضها ببعض.
وطالب بضرورة توفير مركز للدفاع المدني ليخدم المنطقة بحكم اتساعها وارتفاع عدد السكان فيها، ونظراً لبعدها عن أقرب مركز لها والذي يحتاج إلى ساعة من الوقت لحين وصول سيارة الإطفاء إلى المنطقة بسبب وعورة المكان، موضحاً أن النار تكون قد التهمت وانطفأت لوحدها.
وأكد أنه لا بد من توفير حدائق عامة موزعة على المنطقة، مشيراً إلى أن صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، وجه بتنفيذ حديقة عامة ومنحنا قطعة أرض لهذه الغاية قبل خمس سنوات، إلا أن المشروع لم يتم حتى اللحظة، موضحاً أن المنطقة تفتقر للخدمات الترفيهية بشكل كبير.
مدينة مصغرة مستقبلاً
قال عبد الله سعيد الهنجري: تضم قرى بلدة المنيعي 5 مدارس، بها ما يقارب 1500 طالب وطالبة، ويعود أغلبية الأهالي العاملين في المدن بسبب قلة فرص العمل في مناطقهم، إليها في الإجازات والأعياد والمناسبات العامة والخاصة، وتبرز في البلدة المساكن الحديثة والشعبيات النموذجية، التي شيدتها الدولة تنفيذاً لمبادرات القيادة الرشيدة، لتضفي طابعاً حضارياً معاصراً على المنطقة، وتعكس مفهوم الرفاه الاجتماعي، بعدما شملت نسبة كبيرة من أهالي المنطقة.
وأشار إلى أن الواقع الجغرافي للمنطقة يجعل أبناءها يتطلعون إلى تحويل بلدة المنيعي لتكون مدينة مصغرة مستقبلاً، من خلال إنشاء مجمع للخدمات الحكومية فيها واستكمال عناصر البنية التحتية والمرافق العامة، فيما تشتمل حالياً على مكتب للبريد وفرع لبنك ومكتب لدائرة الأشغال والخدمات العامة في رأس الخيمة ومركز صحي، ومن المقرر إنشاء حديقة عامة في ربوعها.
وأكد أن ما تشهده المنطقة من تنمية حقيقية، أطلقتها وسرعت وتيرتها مبادرات القيادة الحكيمة، أعاد إحياء المناطق الصغيرة المتناثرة، التي كانت تواجه خطر تفريغها من أبنائها في الماضي، قائلاً: لذلك نتمنى على الجهات المختصة الاستمرار في دعم أساسيات الحياة، كتوفير نواد رياضية وثقافية للشباب، ودعمهم من خلال مراكز لتحفيظ القرآن الكريم، ليستغلوا فترات الإجازات الطويلة بما يفيدهم وينور عقولهم ويضعهم على الطريق الصحيح.
القيادة أنقذت المنطقة من الهجرة
من جهته قال خلفان محمد بن شبيب الدهماني، إن بلدة المنيعي تشهد تحولاً عصرياً خدماتياً وحضارياً، في ظل مشاريع ومبادرات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الأمر الذي يعم في الوقت ذاته بقية قرى ومناطق الوطن البعيدة عن مراكز المدن الكبيرة، مبيناً أن مبادرات قيادة الدولة أعادت الناس إلى عدد من مناطقهم الصغيرة.
وأشار إلى أن المنطقة بحاجة إلى أولويات في هذا الإطار بنظر الأهالي، كتعبيد الطرق وإنارتها، وتسوية التلال لتردم الأودية التي تشكل عائقاً أمام المشاريع التنموية في البلدة، موضحاً أنه يوجد تلال تفصل بين المساكن الجديدة التي منحتها القيادة للأهالي والشارع الرئيسي، ما يسبب بتشكل سيول مائية تحصر المساكن ما يلحق أضراراً في الممتلكات العامة والخاصة.
مقصد التجار
يعود علي محمد خليفين إلى ذاكرة الطفولة خلال جولة في ربوع البلدة، حين كان الزرع والغطاء الأخضر يمتد على جنبات المنطقة، موضحاً أنه يذكر أشجار المانغو والليمون والجوافة والخضراوات بجميع أنواعها، لما كانت تتغنى به المنطقة من المياه العذبة، والآبار الجوفية الغنية، حيث كان الاكتفاء الذاتي يغرس الحياة في أرضها المعطاء، قبل أن تختفي تدريجيا تلك الثمار.
وقال إن البلدة كانت مقصداً لتجار ورق التبغ من جميع دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، لما كانت تشتهر بزراعته بلدة المنيعي، مبيناً أن هذا كله اندثر بفعل الجفاف خلال السنوات المتتالية.
إنقاذ الشواهد التاريخية
قال حارب سهيل أن الشعبيات تأسست، بما تضمه من مساكن للمواطنين وما رافقها من خدمات ومرافق عامة، عام 1974 ميلادي، أي بعد 3 أعوام على قيام الاتحاد، وكان المسجد الجامع في البلدة مصاحباً لنشأة الشعبية الأولى في المنطقة، وهو أول المرافق العامة الحديثة، التي رأت النور في البلدة.
وأشار إلى أن تاريخ البلدة ومظاهرها التراثية ماثلة في مربعات وقلاع وحصون صغيرة متفاوتة الحجم تحتاج إلى إعادة ترميم واهتمام من قبل الجهات المختصة وإنقاذها بشكل طارئ قبل أن تندثر كلياً، حيث تحتل هذه الشواهد مواقع استراتيجية، اعتمدها السابقون بناء على تحديد أماكن تشرف وتراقب المناطق المحيطة، ويصعب الوصول إليها في ظل وجود مقاومة أو أي من أشكال المعارك في الماضي.
دعم الزراعة
قال خميس خلف خدوم إن أهالي المنيعي يعتزون بتاريخها وماضيهم فيها، مشيراً إلى أن أبناء المنطقة كانوا يزرعون في السابق أصنافاً مختلفة من الخضار والفاكهة والحبوب من بينها القمح، لكنها واجهت في السنوات الماضية تداعيات الجفاف ليختفي معظمها جراء ندرة هطول الأمطار ونضوب عدد من الآبار.
لذلك ينادي القيادة الرشيدة لدعم الزراعة في البلدة، وإعادة إحياء المزارع التي اندثرت، وإنشاء بحيرات خاصة لتدعم المزارع، نظراً لارتفاع منسوب هطول الأمطار في البلدة، وتشابك سلاسل الجبال التي تشكل أودية تسيّر المياه ليستفاد منها في الزراعة.
مجمع حكومي شامل
أكد عبيد سعيد أن ما قدمته القيادة الحكيمة من مشاريع تنموية، حقق للأهالي كافة سبل الراحة والآمان المعيشي، مشيراً إلى أن مبادرات القيادة لا توقفها تضاريس وعرة وجبال، بل زينت جنبات الأودية من خلال المساكن العالمية التي تقدمها القيادة لمواطنيها، لتكون مقومات العيش الكريم من أهم وأبرز ما تحرص القيادة على توفيره لأبنائها.
وذكر أن ما شهدته بلدة المنيعي خلال العقد الماضي، جعل منها بلدة مكتملة الأركان ومقومات الحياة، إلا أنها بحاجة إلى تنفيذ ما يعتبر أولويات لدى الأهالي ليشعروا برفاهية الحياة، كإنشاء الحدائق العامة وتعبيد الطرق وإنارتها، وزيادة عدد الكوادر الطبية في المركز الصحي.
كما طالب بضرورة توفير مجمع حكومي شامل يضم المؤسسات الاتحادية والمحلية، ليقدم الخدمة للأهالي في إنجاز معاملاتهم الرسمية، بدلاً من الذهاب للمدينة التي تبعد 130 كم، الأمر الذي يعجز عنه كبار السن، ويكلفهم وقتاً وجهداً كبيرين.
إنارة الطرق الرابطة للقرى
طالب حمد سلطان البدواوي بضرورة إنارة الطرق التي تربط قرى وشعبيات منطقة المنيعي، والتي تمتد على مساحة واسعة ويصل عددها إلى 11 قرية متناثرة بين سلاسل الجبال، مؤكداً أن وعورة المنطقة تتطلب إنارة الطرق، وتعبيد الداخلية منها لتخدم الأهالي في الوصول إلى مساكنهم بسهولة ويسر.
وأشار إلى أن الأودية في المنطقة بحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل لتخدم السدود المائية في المنطقة والتي يبلغ عددها ستة سدود هي: سد وادي القور، وسد وادي الطوى، وسد وادي الربقة، وسد خالفة، وسد وادي اللص.
وقال إن الأودية التي تحيط بمنازل المدنيين تشكل خطراً كبيراً عليهم خلال موسم الشتاء، بسبب السيول التي تتشكل جراء هطول الأمطار وانسيابها من سفوح الجبال في الوقت الذي تعاني الأودية القريبة منهم عدم إمكانيتها احتواء السيول.
تفسير إطلاق اسم المنيعي
قال سالم علي سلطان إن أبرز معالم المنطقة، التي تعكس تراثها وتاريخها الممتد والحي، هي عدد من الحصون كحصن المنيعي وحصن صخيبر، ومربعة المريبخ، وهي آثار تاريخية، عبارة عن مبان كان الآباء يشيدونها في الماضي، إلى ما قبل نشأة دولة الاتحاد وظهور النفط، لحماية مناطقهم من الاعتداءات القادمة من مناطق أخرى، إضافة إلى شواهد متفرقة ومختلفة كالآبار.
وأوضح أن تفسير إطلاق اسم المنيعي على البلدة، يرجع إلى أنها عرفت منذ فترة تاريخية قديمة بمنعتها، التي كانت تمنع الأعداء والغزاة من النيل منها، لذا عرفت بأنها بلدة»منيعة»، لتكتسب بالتالي اسمها، وتعود المنعة فيها إلى موقعها الجغرافي الطبيعي، الذي يحميها، وإلى حصونها أو قلاعها الصغيرة المشيدة فيها، أو في القرى الصغيرة التابعة لها، فيما كان الطريق إليها يمر من بعض الجهات بين الجبال.