القاهرة 24 يوليو 2016 الساعة 10:35 ص
• البحث عن العدالة لم تعد قضية رجل الشارع البسيط بل مطلب أصحاب النفوذ والسلطة والهيبة والحصانة
بعيداً عن القضية الجدلية المثارة بين الحين والآخر حول تأثر الفن،وتأثيره، في المجتمع،وتكرار القول بأن «الفن مرآة المجتمع»،تعيدنا أحداث المسلسلات الدرامية الرمضانية التي قدمت هذا العام إلى قضية أكثر جدلاً،وإثارة،تتعلق بالأسباب والظروف التي تدفع الأفراد في مجتمع ما إلى انتزاع حقوقهم بأيديهم،في غيبة القانون،أو بحجة أن القانون عاجز عن رد الظلم،وإقرار العدل في مجتمع لا يعرف المساواة !
أخطر ما تم الكشف عنه أن البحث عن العدالة لم تعد قضية رجل الشارع البسيط أو المواطن المغلوب على أمره،كما جرت العادة،بل تجاوزته،وهنا مكمن الجدة والإثارة،إلى شخصيات كانت محسوبة،في نظر الكثيرين،على علية القوم أو القلة المُميزة والصفوة المُختارة،التي لا ينبغي الاقتراب منها أو المساس بها؛نظراً لما تتمتع به من سلطة ونفوذ وهيبة وحصانة؛كالقضاة ورجال الشرطة وأعضاء البرلمان والمحامون !
العدل الغائب في الداخلية
في مسلسل «شهادة ميلاد» أجبرنا المؤلف عمرو سمير عاطف،ومعه المخرج أحمد مدحت،على التعاطف مع ضابط الشرطة «علي» - طارق لطفي – الذي يؤدي واجبه على أكمل وجه،لكن المتاعب تواجهه مع اكتشاف حقيقة انتسابه إلى رجل أعمال واسع النفوذ تحوم حوله الشبهات،ويصدر قرار من الداخلية بفصله،لكنه لا يستسلم ويُصر على تطبيق القانون «بالذراع» على مافيا الفساد،وأباطرته ممن علا شأنهم،وفسدت ضمائرهم،ومن ثم يواجه بحرب ضروس لإقصائه والتخلص منه،وهي المواجهة التي نراها،بصورة أخرى،في مسلسل «الخروج» تأليف محمد الصفتي وإخراج محمد العدل؛فالبحث عن العدالة هاجس يؤرق ضابط الشرطة «عمر» - ظافر العابدين – ورفيقه – شريف سلامة – على غرار ما كان يفعله ميل جيبسون وداني جلوفر في سلسلة أفلام «السلاح القاتل» lethal weapon ؛حيث يُحقق الاثنان في جريمة قتل يرتكبها قاتل متسلسل يبرر جرائمه بظلم وقع عليه من رجال الشرطة،في حين يشعر الضابط «عمر» نفسه بظلم دفعه إلى تقديم استقالته قبل أن يتراجع عنها بحثاً عن القاتل المتسلسل،وتحرير اللواء – صلاح عبد الله – الذي أحبه من قبضة مختطفيه . والمفارقة المثيرة للغاية أن مسلسل «7 أرواح» تأليف محمد سيد بشير وإخراج طارق رفعت يُعد ثالث عمل درامي تليفزيوني ينافس في السباق الرمضاني،وتتمحور أحداثه حول ضابط شرطة يسعى لتكريس العدالة بعيداً عن القانون العاجز أو التقاضي البطيء؛حيث ينجح الضابط «معتز» - خالد النبوي – في أداء مهامه الوظيفية الأمنية،غير أن الأقدار تقوده إلى مفاجأة تغير مسار حياته،وتقلبها رأساً على عقب ما يكون سبباً في تشبثه بتطبيق القانون على طريقته الخاصة !
برلمانيون ومحامون
«رحمة» - يسرا – هي أستاذ علم التنمية البشرية التي تفاجأ بقرار رئاسي بدخولها البرلمان،ضمن الأعضاء الذين يُعينهم الرئيس،في مسلسل «فوق مساوى الشبهات» تأليف عبد الله حسن وأمين جمال وإخراج هاني خليفة،لكن الطبيب النفساني،الذي كان يعالج شقيقتها،يقف حجر عثرة في طريقها،ما يدعوها للتخلص منه،وطوال الوقت تشعر بأنها ضحية المجتمع،وأنها قادرة على تطبيق قانونها الخاص،كالمحامية «نهى» - غادة عادل – التي أزعجها اتهام أحد رجال الأعمال بقتل زوجته،في مسلسل «الميزان» تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد خالد موسى،وأخذت على عاتقها مهمة تبرئته من حكم الإعدام الذي صدر ضده، ومنحت نفسها الحق في القيام بدور ومهام النيابة في جمع الأدلة والبراهين التي تبرئ ساحة رجل الأعمال،ولم تتردد في الاستعانة ب «هجام» ليسرق دليل البراءة !
بلد لا يحكمه القانون
«في بلد لا يحكم فيه القانون يمضى فيه الناس إلى السجن بمحض الصدفة لا يوجد مستقبل .. في بلد يتمدد فى جثته الفقر كما يتمدد ثعبان فى الرمل لا يوجد مستقبل .. في بلد تتعرى فيه المرأة كي تأكل لا يوجد مستقبل» كلمات في الصميم صور بها الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور المشهد،وكأنه يتنبأ بما نراه على أرض الواقع،وعلى الشاشة؛ففي مسلسل «القيصر» تأليف محمد ناير وإخراج أحمد نادر جلال يهيأ إلينا أننا في ذلك «البلد الذي لا يحكم فيه القانون،ويمضى فيه الناس إلى السجن بمحض الصدفة»،لكن الحجة الأمنية تبرر ما يحدث من انتهاكات،فالشاب – يوسف الشريف – يبدو مُغرراً به،بعد أن وقع في قبضة الجماعات المتشددة دينياً،ويفتقر إلى الحوار الذي ينقي ثوبه،وعقله،من عملية «غسيل المخ» التي تعرض لها،بينما يُصبح «الفقر الذي
يتمدد كثعبان في الرمل» سبباً في مقتل خادمة مسلسل «جراند أوتيل» تأليف تامر حبيب وإخراج محمد شاكر خضير فينبري شقيقها «علي» - عمرو يوسف – للثأر لها،ولنفسه،وإماطة اللثام عن قاتلها،الذي لم يطله القانون،ولأكثر من مرة كاد يتحول إلى قاتل تسيطر عليه الرغبة في تحقيق العدالة التي تغاضى عنها القانون طويلاً،ويبحث عنها «عم درويش» - محمود عبد العزيز- الذي نجح في إخفاء ماضيه ضمن أحداث مسلسل «رأس الغول» تأليف وائل حمدي وشريف بدر الدين وإخراج أحمد سمير فرج لكنه يتعرض لظلم فادح،بعد اتهامه بتدبير محاولة اغتيال وزيرة الصحة،ويعيش حياته هارباً من
مطاردة الأجهزة الأمنية،والمافيا التي خططت لجريمة الاغتيال،ويظل مهموماً بتقديم دليل براءته من تهمة الاغتيال،والتخلص من الماضي الذي يُطارده،بعكس ما يفعله «رفاعي» - محمد رمضان – في مسلسل «الأسطورة» تأليف محمد عبد العاطي وإخراج محمد سامي؛فالرجل يرى أن من حقه تصنيع «الخرطوش» أو«المقاريض» - حسب قوله - في ورشته التي تقع في حي شعبي،ويتحدى الأجهزة الأمنية،التي اشترى ذمة بعض قادتها،وينفي عن نفسه تهمة أنه «تاجر سلاح» وإنما يرى نفسه «فاعل خير»،وبحكمة الزاهد والفيلسوف،يزعم أنه يساعد المحتاجين في تأمين،وحماية،أنفسهم من شر المنفلتين الذين عجز القانون عن تخليص المجتمع من شرورهم،وهي الحكمة التي ينطق بها «يونس» - عمرو سعد – بلسان الفلاسفة : برناردشو ومارتن لوثر كينج وزكي نجيب محمود في مسلسل «يونس ولد فضة» تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج أحمد شفيق،بعد أن تتولد لديه قناعة أن من حقه الاتجار في الآثار،والاستيلاء على الأراضي والعقارات في حين يري «الطبال» - أمير كرارة – في مسلسل «الطبال» تأليف هشام هلال وإخراج أحمد خالد أمين أن «النصب والبلطجة» يمكن أن يكونا أسلوب حياة، وضرورة،في وطن أو بالأحرى «شبه دولة» لا يحكمها قانون !