القاهرة 15 مايو 2016 الساعة 02:29 م
فى كتب الترث الإسلامى أشياء كثيرة جدًا خارقة للتعريف العلمى لمفهوم (العقلانية) فإذا كان العرب (وبعض الشعوب الأخرى) صـدّقوا تلك الكتب فى العصور القديمة ، فكيف استمرّ تصديقها لدى شعوب عديدة فى العصرالحديث ؟ ومن أمثلة ذلك ما رواه على بن أبى طالب حيث قال ((دخلتُ على النبى أنا وفاطمة فوجدناه يبكى بكاءً شديدًا. فقلتُ له : فداك أبى وأمى يا رسول الله. ما الذى أبكاك ؟ قال : يا على ليلة أسرى بى إلى السماء رأيتُ نساءً من أمتى يُـعذبنَ بأنواع العذاب ، فبكيتُ لما رأيتُ من شدة عذابهنّ. ورأيتُ امرأة مُـعلــّـقة بلسانها (الأدق لغويـًـا من لسانها) والحميم يصب فى حلقها. ورأيتُ امرأة قد شـُـدّتْ رجلاها إلى ثديها ويداها إلى ناصيتها. ورأيتُ امرأة مُـعلــّـقة بثديها. ورأيتُ امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار عليها ألف لون من العذاب. ورأيتُ امرأة على صورة الكلاب والنار تدخل من فيها (= فمها) وتخرج من دبرها والملائكة يضربون رأسها بمقامع من نار)) بكتْ فاطمة وسألتْ عن سبب هذا التعذيب فقال رسول الله ((يا بنيه : أما المُـعلــّـقة بشعرها فإنها كانت لا تــُـغطى شعرها من الرجال. وأما التى كانت مُـعلــّـقة بلسانها فإنها كانت تؤذى زوجها. وأما المُـعلــّـقة بثديها فإنها كانت تــُـفسد فراش زوجها. وأما التى تــُـشد رجلاها إلى ثديها ويدها إلى ناصيتها وقد سـُـلــّـط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت لاتــُـنظف بدنها من الجنابة والحيض وتستهزىء بالصلاة. وأما التى رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار فإنها كانت نمامة كذابة. وأما التى على صورة الكلب والنار تدخل من فمها وتخرج من دبرها فإنها كانت منــّـانة حسـّـادة)) (كتاب الكبائر- للإمام شمس الدين الذهبى- دار الغد العربى- ص193، 194)
وأعتقد أنّ العقل الحر لا يتوقف أمام مقولات الثقافة السائدة من نوعية ((هذا حديث لم يقله الرسول، أو هذا الحديث من أحاديث الآحاد وضعيف العنعنة وضعيف السند إلخ)) لأنّ العبرة بأنّ الذى ذكر هذا الحديث (تركمانى الأصل- دمشقى المولد) أى أنه ليس من (المُـستشرقين الأوروبيين) الملعونين فى كتابات العروبيين والإسلاميين. وبالتالى فإنّ كتابه محل إعجاب من كل الأصوليين المُـعادين للمرأة ويرونَ أنها ((عورة فإذا خرجتْ من بيتها استشرفها الشيطان)) (المصدرالسابق- ص191) ولذلك فإنّ الحديث الأول (تعذيب المرأة فى نار جهنم) يجعل العقل الحر يتساءل : أليستْ نار جهنم فى (الآخرة) أى بعد (يوم القيامة) فكيف رأى الرسول (المستقبل)؟ وكيف رأى النار؟ هل رآها من زجاج يمنع توصيل الحرارة ؟ ولم يعرفه العلم الحديث؟ وإذا قال البعض أنّ نبى الإسلام مُـنح خصائص مُـميـّـزة لم تـُـمنح لغيره (سواء من البشر أو حتى الأنبياء) فهل مارآه (بروفة) لما سيحدث يوم القيامة؟
وكما أنّ نبى الإسلام رأى جهنم ، فإنه رأى الجنة أيضـًـا حيث قال ((رأيتُ الجنة. وتناولتُ عنقودًا ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيتْ الدنيا. ورأيتُ النار، فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع ، ورأيتُ أكثر أهلها النساء)) (البخارى- حديث رقم 1052وتكرّر فى الحديث رقم1462) ورؤية الرسول للنساء فى النار تأكــّـدت فى رواية ابن الأثيرعن فلان عن فلان أنّ النبى قال ((اطلعتُ فى النار فرأيتُ أكثر أهلها النساء)) (أسد الغابة فى معرفة الصحابة- كتاب الشعب- مجلد1- عام1970- ص122) ويرتبط سيناريو رؤية المستقبل بحديث ((أتاتى آتٍ من ربى فأخبرنى وبشـّـرنى أنه من مات من أمتى لا يُـشرك بالله شيئــًـا دخل الجنة. فسأله أبوذر: وإنْ زنى وإنْ سرق؟ فقال رسول الله : وإنْ زنى وإنْ سرق)) (البخارى- حديث رقم 1237) وتتأكد رؤية المستقبل فيما رواه ابن الأثير الذى ذكر أنّ ((الحبشى الأسود قاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله. وما صلى صلاة قط ، فأتى به رسول الله. وسـُـجى بشملة كانت عليه... ثم أعرض الرسول عنه. فسأله من حوله : يا رسول الله لمَ أعرضتَ عنه ؟ فقال : إنّ معه زوجته من الحور العين)) (أسد الغابة- ص92) ورؤية المستقبل أكــّـدها ابن الأثير عن أنس بن مالك الذى ذكر أنّ الرسول افتقد ثابت بن قيس وطلب أنْ يراه. فذهب رجل وعاد وقال للنبى : وجدته فى منزله جالسـًـا مُـنكسـًـا رأسه. وسألته : ماشأنك ؟ قال : شر. فقد كنتُ أرفع صوتى فوق صوت رسول الله. فقد حبط عملى . وأنا من أهل النار. فقال الرسول ارجع وقل له : لستَ من أهل النار. ولكنك من أهل الجنة)) (أسد الغابة- ص275) وتأكــّـد فى حديث ((من صام يومًـا فى سبيل الله باعده الله من النار مقدار مائة عام)) (المصدر السابق- ص235) وتأكــّـد فى حديث عن فلان عن فلان أنّ حارثة بن سراقة أصيب ببدر فقالت أمه للرسول : قد علمتَ مكان (الأدق لغويـًـا مكانة) حارثة منى ، فإنْ يكن من أهل الجنة فسأصبر. فقال الرسول : يا أم حارثة : إنها ليستْ بجنة ولكنها جنات كثيرة وهو فى الفردوس الأعلى)) (المصدرالسابق – ص425)
وكتب التراث الإسلامى لم تتكلم عن (المستقل) فقط وإنما تناولتْ (الماضى) كما فى حديث الترمذى عن ابن عباس الذى ذكر أنّ النبى قال : نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضـًـا من اللبن فسوّدته خطايا بنى آدم (محيى الدين بن العربى- الفتوحات المكية- المجلس الأعلى للثقافة- عام2013 ج4- ص239) ليس هذا فقط وإنما ذلك الحجر الأسود فإنّ الله سيبعثه يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به. ويشهد على من استلمه بحق)) الفتوحات المكية- المصدرالسابق- 242) فكيف استمر ذلك التراث طوال أكثرمن 14قرنــًـا؟ وكيف تغلغل فى عقول العرب والمسلمين ؟ وهل تأثرتْ عقولهم به ؟ وهل كان تأثرهم بالسلب أم بالإيجاب ؟
***