القاهرة 28 ابريل 2016 الساعة 02:04 م
في 28 أبريل عام 1945، أُعدم بنيتو موسوليني، زعيم إيطاليا الفاشية وحاكمها فيما بين عامي 1922 و1943، وعشيقته كلارا بتاتشي رميا بالرصاص، لتطوى صفحة رديئة من تاريخ العالم.
وبحسابات الشهرة، فإن الديكتاتور الإيطالي يبدو مهضوم الحق، بالمقارنة بديكتاتور دموي آخر وهو أدولف هتلر. وتكفي الإشارة إلى أنه في أيام هتلر الأولى خلال العشرينيات، كان لا يزال مغمورا، بينما وصل موسوليني إلى السلطة في إيطاليا، وكان الزعيم النازي معجبا بشخصيته لدرجة جعلته يطلب منه صوّرة شخصية موقّعة
عبادة الوهم
ساعدت الظروف السياسية والاقتصادية في إيطاليا عقب الحرب العالمية الأولى، على انتشار الحركة الفاشية، التي استنبتها موسوليني في سلسلة مقالات نشرها في جريدته "إيطاليا الشعب" مارس 1919، اقترح فيها تشكيل مجموعة "لمحاربة القوى التي تسعى لتفكيك الأمة وافراغ النصر".
من هنا نشأت مجموعة "القمصان السوداء"، التي أصبحت نواة حزبه الفاشي، الذي أعلن نفسه بديلا عن الدولة الفاشلة، ولعب على مشاعر الكثير من الجنود المسرّحين وأصحاب السوابق وفلول المافيا، حتى حشد الآلاف منهم في مسيرة كبرى من ميلانو إلى روما.
واستطاع أن يستولي على عقول الإيطاليين ويصبح زعيما طيلة 21 عاما، حكم فيها البلاد بقبضة حديدية، بعد وعود وردية، وبرنامج انتخابي يتضمن تطبيق النظام والقانون والحفاظ على شرف الأمة الإيطالية وتبجيلها ومكانتها بين الأمم، مع الاستعانة بخلفيته الثورية ووعوده للفقراء بتحسين مستواهم وإحداث نهضة وطنية، واستغلاله إحباط الشعب الإيطالي بعد معاهدة "فرساي"، التي لم تعط البلاد نصيبا وافرا من المستعمرات، مثلما هو الحال مع فرنسا وبريطانيا.
لكن تأتي الحرب مرة أخرى وتهدم ما بنته أعوام الفراغ الوطني، فمع نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة إيطاليا، سقطت الشعارات الدعائية للحركة الفاشية، ونما نوع من الفوبيا الأوروبية تجاه كلّ ما هو نازي أو فاشي، في محاولة لبدء صفحة جديدة في تاريخ البشرية، لكن كان لابد من تلطيخ ثوب الحضارة الأوروبية ببعض الدماء.
السقوط الكبير
كأنها حكاية خارجة من إحدى روايات أجاثا كريستي البوليسية، يحكي المؤرخ بيار ميلتزا في كتابه "أيام موسوليني الأخيرة"، قصة الأيام الثلاثة الأخيرة في حياة الديكتاتور، منذ القبض عليه أثناء محاولة هروبه إلى سويسرا، وحتى إعدامه قرب بحيرة كومي
في 18 أبريل 1945، وبينما الحلفاء على وشك دخول بولندا، والروس يواصلون زحفهم إلى ألمانيا، غادر موسوليني مقر إقامته وسط اعتراضات حراسه الألمان، ليظهر في 25 من الشهر نفسه في ميلانو، في محاولة فاشلة لمطالبة أسقف المدينة التوسّط بينه وبين قوات الأنصار، التي يسيطر عليها الشيوعيون، للاتفاق على "شروط تسليم سلطة تتضمن إنقاذ رقبته
بعد رفض القيادة الشيوعية التفاوض وإصدار أمر بإعدامه، تابع مع عشيقته كلارا، التي تصغر ابنته بعامين، رحلة نحو المجهول أسماها "معركة الشرف الأخيرة"، وعندما وصل إلى مدينة كومي قرب الحدود السويسرية، تبيّنت أمامه حقيقة سقوطه المحتّم، إذ لم يقف بجانبه سوى عدد قليل من الأنصار، الذين أخذوا بالابتعاد بدورهم حين شاهدوا زعيمهم يهذي
رفضت السلطات السويسرية دخوله البلاد، ولم يجد حلّا أمامه سوى الاختباء. في مساء نفس اليوم وصلت مجموعة من الجنود الألمان في مهمة لاختراق صفوف "الأنصار" والوصول إلى النمسا، فقرّر موسوليني التخفّي في زيّ أحد الجنود والالتحاق بهم. وبالقرب من مدينة دونجو على بحيرة كومو، استوقفت كتيبة من "الأنصار" الجنود الألمان لتفتيشهم، ليكتشف أحدهم أمر الزعيم الفاشي.
نُفّذ حكم الإعدام بحق موسوليني وكلارا بيتاتشي في قرية على الضفة الغربية لبحيرة كومو، من قبل وحدة من رجال المقاومة الشيوعية، دون محاكمة، وقبل وصول المخابرات الأمريكية بساعات قليلة
وتشير المصادر التاريخية المتضاربة إلى شخصية مجهولة تدعي "الكولونيل فاليرو"، هي التي أصدرت الأمر بتنفيذ الإعدام الفوري دون انتظار نقله إلى العاصمة ميلانو ومحاكمته. ويشير ميلتزا في كتابه إلى دور رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في نهاية موسوليني، فقد ذكرت وثائق بريطانية وجود تشرشل متخفيا تحت اسم عسكري قرب بحيرة كومو، وأمضى عدة أيام في المدينة، التي أُلقي فيها القبض على موسوليني
نقلت جثته وجثة عشيقته إلى روما، وعُرضتا مع جثث خمسة قادة فاشيين آخرين في ساحة عامة أمام محطة لتزويد الوقود بمدينة ميلانو، معلقة من الأرجل، وهي طريقة الإعدام التي كان يُشنق بها الخونة في روما القديمة، التي حاول موسولينى إعادة أساليبها
جاءت الجماهير لتسبّهم وتلعنهم وتبصق عليهم، بل زاد الأمر سوءا وأخذت بإطلاق النار على الجثث وركلها. وبعد انتهاء كل شيء، سُلِمت جثة موسوليني لأهله لتدفن في مدينته التي ولد بها، بالتزامن مع انتحار صديقه هتلر
"دوت مصر "