القاهرة 11 فبراير 2016 الساعة 11:37 ص
تراودني مع مطلع كل عام جديد فكرة تسيطر علي صباحي ومسائي هي الرغبة الصادقة في اعتزال مهتني.. كفاية كده. فقد مضي عمر طويل وأنا وغيري ممن هم في مثل عمري نقبض علي القلم وكأنه جمر من نار. وقد آن الأوان لاستراحة أخيرة والخروج من الصف ليتقدم آخرون ممن هم أكثر شبابا وربما حماسا يكتوون بالمزيد من نار الكتابة.
أظل قلقا هكذا. وغالبا أن يأتي يوم مولدي بعد سبعة أسابيع من عيد الميلاد المجيد أول يناير حين أجد نفسي قد استسلمت للواقع وبقيت في مكاني.. مع أن العيون "دغششت" ولم يعد لها شفاء سوي رحمة القدر.
قرأت للدكتور "عمار علي حسن" وهو كاتب مشاغب بأدب أن العمي لم يمنع "طه حسين" من أن يكون ما أراد عميدا للأدب العربي. ولم يستسلم "العقاد" لعدم استكمال تعليمه فصار عملاق الفكر العربي الحديث. ولم يمنع النفي والتشرد "بيرم التونسي" من أن يكون واحدا من أعظم شعراء العامية. واستغل "أحمد فؤاد نجم" فترة سجنه ليتعلم القراءة والكتابة ويصبح شاعرا كبيرا والرمد الحبيبي الذي أصاب "نجيب محفوظ" ومنعه من القراءة والكتابة لم يمنعه من أن يواصل عطاءه حتي نال جائزة "نوبل" ولما طعنه شاب متعصب بسكين أصاب يده بالشلل عاد يكتب من جديد بخط ركيك مثل الأطفال لكي يبدع "أحلام فترة النقاهة" فلما عجز تماما كان يحفظ في ذهنه ما يريد كتابته ثم يمليه.. وعندما تم نقل العالم الأثري "سليم حسن" إلي وظيفة هامشية وكان مديرا للمتحف المصري تفرغ للبحث وقدم لنا الموسوعة الأثرية.. ولم يستسلم "جمال حمدان" للظلم الذي وقع عليه في الجامعة حتي تمت ترقية من هو أدني منه بل واصل البحث والدرس فكانت روائعه التي تركها لنا وأهمها كتاب "شخصية مصر".
لست ساذجا حتي أري نفسي واحداً من هؤلاء العمالقة العباقرة بعد أن اقترب عمري من سيدنا نوح وتعلمت صبر أيوب وأحببت سماحة السيد المسيح وآمنت بالله ورسوله محمد - صلي الله عليه وسلم.
ماذا يفعل القلم في مواجهة الرصاص والكلام في مواجهة الاعتقال؟
لقد تكلمنا كثيرا وغضبنا أحيانا وبقي الحال علي ما هو عليه وترك لنا "بيرم": "يا أهل المغني دماغنا وجعنا.. دقيقة سكوت لله".
قد يلزم الانسان الصمت ولكن الشكوي تبقي في القلب.
لقمة العيش بيت الداء.
الفساد أكبر وأعمق مما نظن. ليس أوله أو آخره "كوبري سوهاج" الذي أصبح شهيرا بعد أن انهار في بضعة أشهر لأنهم "نسوا الخوازيق"..
أما قدم "توت عنخ آمون" عندما انكسرت استبدلوها بعمود أسمنت!!
كم مرة يعلنون مراجعة عدوان الكبار علي "النيل" لبناء قصور بعض الوزراء الحاليين والسابقين والسفراء ودائما رجال أعمال.
لم أفهم حكاية الملايين رايحة جاية وأهم أسبابها "احتياطي لمواجهة الأهداف الأمنية" ومن عجائبها تسعة عشر مليونا في حوزة أمين شرطة!!.. وحكاية "الصناديق الخاصة" وما يجري في كل مكان.. ودائما الصلح خير!!
إغلاق مستشفي بل وإغلاق قسم شرطة.. ومن الذي يحمينا من أمناء الشرطة؟!
وحكايات لا تنتهي.. "شخشخ" جيبك دائما.
يكتب "عصام حنفي": "نفسي اشتغل وزير حرامي"..
أو مساعد وزير حرامي..
أو حتي أمين شرطة حرامي!!
و"ما خفي كان أعظم"
** كتبها "موسي صبري" في نهاية تغطيته لمحاكمة المشير فصدر الأمر بنقله من الأخبار إلي الجمهورية ولا ينشر اسمه فيكتب مقالين في يوم واحد بعنوان "آدم يصرخ" و"حواء تستغيث".
كان رؤساء التحرير زمان ينزلون بأنفسهم إلي مواقع الأحداث.. "إبراهيم نوار" رئيس تحرير الجمهورية استيقظ مع الفجر في يوم شم النسيم ليصطحب مصورا ويذهب إلي النيل حيث غرق الباخرة "دندرة" وهو الحادث الذي أصبحت تضرب به الأمثلة فنقول: "هانخليها دندرة".
وكان "موسي صبري" وهو رئيس تحرير الأخبار يذهب بنفسه لتغطية بعض المحاكمات وبعض جلسات مجلس الشعب وقد اشتهرت قصته وهو يحضر كصحفي محاكمة "خميس والبقري" الشهيرة في "كفر الدوار" وباقي المتهمين في قضية إضراب عمال شركة مصر للغزل والنسيج في بدايات ثورة يوليو.. وعندما سأل رئيس المحكمة العسكرية عن محامي المتهم ولم يكن موجودا ان يتقدم أحد الحاضرين للدفاع ولم يكن هناك من الحاصلين علي ليسانس الحقوق سوي الصحفي "موسي صبري" فانتدبه وبدأ مرافعته التي انتهت بإعدام المتهم وكانت أول وآخر مرافعة لموسي..!
ولقد حضرت مع "علي أمين" اجتماعا مع الدكتور "أحمد كمال أبوالمجد" بعد أن أصبح وزيرا للإعلام أيام السادات وكان الصحفي الكبير قد عاد لتوه من منفاه شبه الاختياري في لبنان ولندن. يشرح لنا الوزير سياسته ويجيب علي أسئلتنا وكان علي أمين أكثرنا نشاطا وحماسا يمسك بالقلم والورق في يده ويلاحق بأسئلته.
ومازال "مكرم محمد أحمد" يجري الأحاديث الصحفية كما كان يمارس العمل الصحفي وهو رئيس مجلس إدارة دار الهلال وعندما كان يصاحب الرئيس مبارك في رحلاته كان يقف بين المحررين والمندوبين وليس جالسا علي مقاعد رؤساء التحرير.. متعه الله بالصحة والعافية.
السياحة .. أزمة مزمنة
** لابد أن ننشغل أكثر بالتدهور الذي أصاب السياحة في مصر فلا نكتفي بكلام معسول ووعود براقة فالأزمة ليست وليدة شهور مضت وصلت ذروتها في حادث سقوط الطائرة الروسية ولا يمكن اختزالها في "شرم الشيخ".
لابد أن نستمع لخبير مثل "سمير حلاوة" وأن يستمع لمقترحاته المسئولون ومن يهتم بالأمر فبالاضافة إلي سنوات خدمته حتي أصبح رئيسا لأهم شركة سياحة في مصر - أو كانت - كان يعمل وينافس ويتعلم.
يقول انه لا أحد يستطيع وحده ولا جهة بمفردها أن تخرج صناعة السياحة من محنتها.. لقد اختزل الجميع مسئولين وغير مسئولين سياحيين وفندقيين ومستثمرين ومهنيين وصحفيين وإعلاميين - السياحة في شرم الشيخ مع انه لا يمكن أن تكون سياحة الشاطئ هي البديل عن سياحة الآثار والحوافز والمؤتمرات والمعارض والمهرجانات والصحاري والسفاري وكلها أنعم الله بها علي مصر.
ولنكف عن البكاء علي اللبن المسكوب أو ترويج نظرية المؤامرة والأحاديث في الصحف.
يقترح "سمير حلاوة" بداية تشكيل فريق عمل من خبراء ومتخصصين في المجالات المختلفة يكون له سلطة مطلقة في اتخاذ القرارات وتنفيذها يكون تابعا لرئاسة الجمهورية وتضم أحد مساعدي الرئيس ووزير السياحة ووزراء الطيران المدني والداخلية ومدير المخابرات العامة ومدير هيئة الاستعلامات ورئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون والمتحدث باسم وزارة الخارجية ورئيس المجلس المصري للعلاقات الخارجية ورئيس هيئة تنشيط السياحة ورئيس اتحاد الغرف السياحية.
ولما كان السائح هو صاحب القرار فيجب مخاطبته مباشرة وباللغة التي يعرفها بصرف النظر عن الارشادات والاعلانات وتحذيرات الحكومات.. انه هو الذي ينقل الحقيقة والاحساس بالأمان فيصدقه الآخرون مع وجود جهاز قوي من خلال صحافتهم وتليفزيوناتهم وبرامجهم الإعلامية.. وطبعا مكاتب مصرية في الخارج مدربة ومؤهلة.
هذا ولابد من توسيع دائرة السياح فلا يقتصرون علي أسواق أوروبية وإنما تمتد الدعوة إلي أمريكا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا واستراليا.. واستعادة السياحة العربية وتوفير احتياجاتهم بما يتفق مع أساليب حياتهم ومطالبهم.
لا تخفيض للأسعار.
ولا دعم لطائرة الشارتر.
لقد تعرضت صناعة السياحة منذ سنوات للأزمة الكبري وتأثر بانخفاضها بل وانهيارها فئات كثيرة تعتمد عليها.
وحتي يتم التسويق الصحيح والدائم لمصر لابد من انشاء شركة عملاقة لها فروع في العواصم المختلفة تعد وتدعو وتشرف علي برامج الرحلات إلينا بمختلف أنواعها ومع استعادة ما تم اهماله من مزارات ونشاطات.
لا يتوقف "سمير حلاوة" وبالتفصيل.. ولابد أن رسالته الكاملة الأصلية وصلت أو ان هناك من يطالبها ويناقشها في حملة انقاذ للسياحة المصرية.
"جلال السيد" في معرض الكتاب .. دائماً
** كتب "سمير قدري": لا يمكن. ولا يجوز أن يقام معرض الكتاب بدون أن يتداعي إلي الذاكرة اسم الكاتب الصحفي الكبير المرحوم "جلال السيد" صاحب باب "عصير الكتب" في جريدة "الجمهورية" الرجل الذي كان بينه وبين الكتاب حب متبادل والذي كان يقرأ ربما عشرة كتب قبل أن يرشح أحدها للقارئ.
وكان "خالد السرجاني" - رحمه الله - قد اختار ان يقدم صفحته في الكتب في جريدة "الأهرام" بقوله: ان "جلال السيد" هو أول من حرر صفحة متخصصة في الكتب بالصحف اليومية تتابع حركة النشر وأخبار الكتب وأحيانا القضايا المرتبطة بها مثل سرقة الكتب بين المؤلفين.. كانت زاويته في العدد الأسبوعي لجريدة "الجمهورية" منبرا مهما لأي ناشر أو مؤلف يريد أن يعرف القراء بأن كتابا صدر.. وكان أحيانا يشتري الكتب ولا ينتظر أن يرسلها له الناشر ولا يطلبها من أحد.
أتذكره كل عام في كل معرض كتاب.
حوار بين السجين والسجان
** فكرة مبدعة للشاعر الجميل "إبراهيم رضوان" حواها كتاب يصدر قريبا وأولها:
كان أوقات بيسبني وحيد جوه الزنزانة.
لو كان فيه تعذيب. يتفرج..
حاول مرة يسيبني ويخرج..
منعوه يخرج.
شافني في سجن القلعة القالعة..
ضوافري وكل هدومي جوه همومي.
قاللي هاتفرج.
و"ما خفي كان أعظم"