القاهرة 04 اكتوبر 2015 الساعة 02:53 م
لم يكن لدى السينما الفنزويلية الكثير لتقدمه للسينما العالمية، لكنها على الرغم من ذلك قدمت أفلاما متميزة، وضعتها فى النهاية فى مصاف الدول المميزة فى صناعة السينما. و تتميز السينما الفنزويلية بذكاء إنتاجى ، مكنها أن تقدم فنا راقيا و فى الوقت نفسه قليل التكاليف، مما أخرجها من مأزق الإمكانيات المادية، الذى تعانى منه فنزويلا، باعتبارها مصنفة من دول العالم الثالث، حيث تنخفض القدرة المالية و النقدية للدولة ، بالرغم من تمتعها كبلد بثروات طبيعية هائلة، لا تجد من يستغلها.
لذلك ابتعدت السينما فى فنزويلا عن أفلام الأكشن ، والإنيمى الباهظة التكاليف، و كذلك الأفلام التاريخية ،و سينما الحرب، لم تكن من ضم
ن الأصناف المعروضة على مائدة السينما الفنزويلية، بل على العكس من ذلك إتجه صناع السينما فى فنزويلا، إتجاها محترما إيجابيا، بدلا من السعى
وراء شباك التذاكر، اتجهوا إلى ملاحقة الفكرة الحقيقية التى تقوم عليها صناعة السينما، و هى الرسالة التى تقدمها السينما ،والتى جعلتها القوة الناعمة ،التى تستطيع بسهولة إحداث تغييرات جذرية فى فكر و سلوك المجتمع. و هذه الرسالة هى رسالة النقد المجتمعى، الذى يتعرض لقضايا داخلية معاصرة ، ليطرحها على الرأى العام ملقيا الضوء على سلبيات المجتمع و عيوبه .
لذلك اتسمت الأفلام الفنزويلية بالصبغة الاجتماعية الإنسانية، المغرقة فى التأمل و التحليل .و من تلك الأفلام " EL pezque fuma " أو " السمكة التى تدخن " عام 1977 ، و الفيلم يأخذنا إلى رؤية للمجتمع الفنزويلى من زاوية السلطة و النفوذ، و الفيلم الذى تدور أحداثه داخل أحد بيوت البغاء، يبلور وضعا فى المجتمع الفنزويلى حيث تستطيع السلطة و النفوذ أن تتغلغل و تؤثر فى المجتمع عبر الأجيال، و هو واقع قاسى يستعرضه الفيلم الذى يعتبرأحد علامات السينما الفنزويلية، و يعرض الفيلم هذا الواقع من خلال الأفراد الذين يمثلون هذا المجتمع، و يعطى كذلك إطلالة على ثقافة هذا المجتمع و صراعاته خلال فترة السبعينيات ، الفيلم الذى أخرجه المخرج و الكاتب الفنزويلى " رومان كالبود " يعتبر من أهم أعمال السينما الفنزويلية.
"Maroa " أو مارو إنتاج عام 2005 ، ينفذ إلى إحدى بؤر المرض المصابة بها الدول الفقيرة ،و منها فنزويلا التى صنعت الفيلم، و هى مدينة الجريمة "كاراكاس" حيث تعيش بطلة الفيلم الفتاة الصغيرة " Maroa "، التى تعيش فى بيئة مشبعة بالانحراف ،حيث الإتجار بالبشر و المخدرات، و حيث ينتشر السلاح حتى فى يد الأطفال .حيث حرص مخرج الفيلم على إظهار " اليأس " المرتبط بالعنف و الجريمة، و اللذين تعرض لهما كاتب السيناريو بصورة مركزة، جعلت من الصعب التعاطى مع ذلك المجتمع المجنون، حيث لا قانون و لا قواعد معروفة لأى شىء حيث تعتمد تفاعلات الأشخاص مع بعضهم البعض، و مع المجتمع المحيط بهم على قوانينهم الخاصة،وعلى صورتهم الذهنية المشوشة، عن تلك البيئة المتلاطمة المجنونة التى يعيشون فيها .
" express kidnapping " أو قطار الخطف، إنتاج عام 2005 .هو من أفلام الإثارة السياسية الاجتماعية، و الذى يقدم للمشاهد لمحة من مجتمع الأغنياء الفنزويلى، وهو يقدم بصورة مشوقة نموذج لإحدى عمليات الاختطاف، الذى ارتفعت معدلاته مؤخرا فى دول أمريكا الجنوبية، والفيلم يروى قصة زوجان شابان من الأثرياء يتم اختطافهما أثناء رحلة شهر العسل، و ذلك فى مقابل فدية ضخمة، حيث يصر الخاطفون الثلاثة على الحصول على الفدية
خلال ساعتين فقط و يتميز الفيلم بحبكة مثيرة ، بالإضافة ‘لى بانوراما على حياة الطبقة المترفة من الفنزويلين .
"" zero hour أو ساعة الصفر إنتاج عام 2010 ، من الأفلام التى حققت أعلى الإيرادات فى تاريخ السينما الفنزويلية،والفيلم يروى قصة أحد المجرمين المعروفين فى عالم الجريمة فى كاراكاس،و الذى تصاب حبيبته فى إحدى هجماتهم الإجرامية، فيحملها سريعا إلى المستشفى ،ويدخل هو وعصابته المستشفى بأسلحتهم، و يقومون باتخاذ رهائن لإنقاذ الفتاة الجريحة، و تصل الشرطة إلى المكان و معها العديد من الصحفيين، ومحطات التلفزيون اللذين يحولون القضية إلى قضية شعبية ،تجعل من المجرم بطلا للفقراء اللذين يمثلهم ،و تنتشر قصته بسرعة شديدة فى أوساط المجتمع الفنزويلى، الذى يعانى من الفقر و شظف العيش مما يجعل المجرم فى النهاية يحظى بتعاطف شعبى واسع، ويتحول إلى أحد أبطال الرأى العام ،خاصة بعد قصة الحب التى تقف وراء حادثة أخذ الرهائن .
" brother " أو الأخ إنتاج عام 2010 ،فيلم اجتماعى شارك فى مهرجان موسكو السينمائى الدولى عام 2010، و الفيلم يدور داخل أروقة المجتمع الفنزويلى الفقير فى العاصمة كاركاس، حيث ينشأ شابان تربطهما علاقة صداقة متينة، فيصيرا كأخوين. و توحدهما فكرة الهرب من الفقر، فيلجأن إلى ممارسة كرة القدم لمحاولة جنى بعض المال، و فى أثناء ذلك يصل إلى حيهم الفقير مكتشفوا المواهب، الذين يرشحون الأشخاص الموهوبين فى كرة القدم للاحتراف فى الأندية الكبيرة .و يراود حلم المال و النجومية الصديقين أو لنقل الشقيقين، و تخرج الآمال و الطموحات الكامنة إلى السطح،وبسبب ذلك الحدث المصيرى تتبلور تفاعلات المجتمع الفنزويلى الفقير، من الطموح، و الارتباط العائلى ، و الانتقام أحيانا. و الفيلم يعد من أكثر الأفلام التى تعبر عن
مجتمعات أمريكا الجنوبية الفقيرة صدقا و الهاما .
" THE HOUSE AT THE END OF TIME " أو " منزل فى نهاية الزمان " من إنتاج عام 2013 ، و يعتبر من أكثر أفلام الرعب المحلية فى فنزويلا، من حيث إيرادات شباك التذاكر. و هو يروى قصة امرأة ترى أشباحا فى منزلها، و من خلال تعاطى المرأة مع تلك الظا
هرة المخيفة، يأخذنا الفيلم إلى أكثر قصص الرعب إثارة و تشويقا، و الفيلم من إخراج " ايخاندرو هيدالجو" .
و فى مسك الختام نصل إلى الفيلم، الذى فجر مفاجأة مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى 2015 فى دورته الثانية و السبعين، و هو فيلم " FROM A FAR " أو " من بعيد " و الفيلم حصل على جائزة الأسد الذهبى، وهى الجائزة الأكبر فى المهرجان. و هو لم يخرج أيضا عن نطاق الأفلام الاجتماعية، التى برعت السينما الفنزويلية فى إخراجها كمنتج نهائى لفكر اجتماعى، لا تدخل فيه الحرفة و الموهبة السينمائية ، بقدر ما يقوم على الرسالة ،و الإسهام الفنى فى تشريح المجتمع الفنزويلى ،الذى يعج بالأمراض الاجتماعية الناتجة عن الفقر، و أولها الجهل و الجريمة.
و الفيلم يروى قصة ذلك الرجل الخمسينى الوحيد، الذى يستخدم المال فى قتل وحدته ،فهو يصادق الشباب فى مقابل المال، و من خلال إحدى تلك الصداقات يلتقى "الدر" و هو فتى فى السابعة عشر من عمره، يتزعم عصابة من أترابه من الفتية، و لكن لقاؤه بذلك الرجل الغريب ،الذى يعطى المال فى سبيل الصحبة، يفتح أمامه هو و عصابته أفاقا جديدة من الفكر، تساهم فى تغيير حياتهم إلى الأفضل. و الفيلم من إخراج " لورنزو فيجاس " ، و
بطولة الفريدو كاسترو .
كان ذلك إطلالة على تاريخ سينمائى لبلد فقير، حديث العهد، لا يضرب جذوره فى أعماق التاريخ ،وأغوار الحضارة الإنسانية كمصر مثلا، و لكنه رغم فقره و ضعف إمكانياته ،خرج على عالم الشاشة الفضية بأفلام لها قيمة إنسانية، و فكرية أفلاما تتحدث عن واقع أليم لبلد فقير، ولكنها رغم ذلك أفلاما ثرية بالتجربة الإنسانية ،فرضت نفسها على الأفلام التى تلمع لها الأضواء، و تسخر لها الإمكانيات، و انتصرت عليها هناك فى فينيسيا المدينة العائمة، حيث تواجه " الفن و المال " .