القاهرة 18 اغسطس 2015 الساعة 01:25 م
بدت الصداقة بيننا ونحن شلة من الشباب الثائر المتفائل بغد أفضل للشعر والثقافة المصرية والعربية بشكل عام مطلع عام 1983 على ما أتذكر ، وكنا شلة مميزة للغاية تضم بينها الأصدقاء الأحباء رفقاء الدرب الراحل بشير عياد ، وعدلى عياد ، وحسين زقزوق ، وأحمد شلبى ، وأحمد عبد الهادى ، ومحمد صالح المصرى ، ومحمد السنوسى ، وسعيد راضى ، وعمى زكى الغرباوى ، وعبد المنعم كامل ، وجمال الشاعر ، وحمدون ، والكثير من الأصدقاء الذين ربما لا تذكرهم الذاكرة بفعل الزهايمر المبكر ، وظللنا على علاقتنا ببعضنا حتى اليوم واللحظة ، وكل واحد منا اختار طريقه وطريقته التى تناسبه فى الحياه ، وكان بشير الولد الحليوه ، صديقى الذى كنت أتباهى به دائما رسام الكاريكاتير والشاعر والانسان المتدفق حنانا ومشاعر واحاسيس بابتسامته التى لا تفارقه أبدا حتى فى لحظات الضيق والتوتر ، وعصبيته التى كثير ما تحضر فجأة ويبدو وجهه أحمر كقرص الشمس الدامى حين حضورها كما هو ، وفى مقابلتنا الأخيرة بالمجلس الأعلى للثقافة منذ وقت ليس بالكثير ، جلسنا أكثر من ثلاث ساعات دون جدول ودون ترتيب للقاء الصدفة الذى جمعنا ، وتخلى كل منا عن مشاويره وارتباطاته ، وظللنا نتذكر أحلامنا الصغيرة البريئة الدافئة ، كما ظللنا نحيا فى ذكرى الراحلين من عمى زكى الغرباوى إلى سعيد راضى ، إلى عمى يس الفيل ، مرورا بفتحى سعيد والكثير من الأسماء ، وكان حينها يبدو المرض والتعب على وجهى وجسدى مليا ، فقال لى بشير :
ـــــ انت نويت
فقلت له تقريبا ربما العام أو العام القادم مع انى غير مستعد للرحلة يا بشير
فقال لى :
ــــ لماذا لقد علمت بأنك كنت فى العمرة هذا العام يا ابو خطاب
فقلت له :
ــــ وهل عمرة واحدة تكفى للتكفير عما ارتكبت فى حياتى يا بشير ...؟
وظللنا نضحك ونتشابك أطراف الحديث فى أكثر من اتجاه ، حتى فاجأنى بشير بنبرة غير معهودة معى على الأقل :
ــــ لقد تابعت بشغف كتاباتك فى مشروعك عن العامية المصرية يات ابراهيم من فؤاد قاعود الى سيد حجاب الى الأبنودى وكان خطأ دخول كتاب أحمد عبد المعطى حجازى بينهم ، أرغب أن تسرع يا ابراهيم فى استكمال مشروعك أسرع قدر امكانك فلحظاتنا الأخيرة أصبحت قاب قوسين أو
أدنى ، وعلى ما يبدو يا أبا خليل لم يبق لنا الكثير لنضيعه ....
تحدثت وبشير عياد منذ أيام ، وكان حديثه رائقا
وممتعا وصافيا وشفافا ونبويا وضاحكا فقلت له :
ـــــ أخى بشير وحبيبى من الواضح أنك قد اتخذت قرار الرحيل صوتك يؤكد لى ذلك ، وسخريتك من الحياة تؤكد نفس الشىء فقال :
ــــ هل بقى بالحياة ما يستحق أن نتمسك به يا ابراهيم ....؟
لم أعقب وظللت صامتا من يومها حتى اللحظة الراهنة أحيا ما بين فوار البركسيمول وحبوب الضغط تحت اللسان يوميا على الريق ، وعمل اشاعات للكلى تارة وللكبد تارة أخرى وللقلب فى معظم الأحيان ، قال الطبيب لى لابد من الاقلاع نهائيا عن التدخين ..؟
فزادت الجرعة عندى بدلا من علبتين باليوم أصبحت أربعة علب وقد تزيد ، وتوقفت فى منتصف كتابى عن الشاعر الكبير محمد كشيك ، بل توقفت عن الكتابة نهائيا ، ربما فى انتظار ... فى انتظار ... فى انتظار ... قدوم الضيف الذى حل بأخى بشير لألحق به ، وأقول لهذه الحياة طظ فيك ومليوووووووون طظ أنت خدعة كبيرة لا قيمة لك ، ولكن رأيى قد جائك بعد فولات الأوان يا بنت الــــ ....