القاهرة 05 اغسطس 2015 الساعة 11:35 م
محمد نجيب معين والتجربة القابلة للتطوير
تأتى تجربة الفنان الشاب / محمد نجيب معين . واحدة من التجارب المتألقة . والتى رغم رسوخ منتجها وتطوره السريع بالمقارنة لتلك الفترة التى إستغرقها منذ ممارسته لتجربة النحت وحتى ساعتنا هذه إلا أننى أرى من وجهة نظرى أنها لم تبدأ بعد . وارى أنها تحظى بواحدة من تلك الفرص الكبيرة لإحداث تلك النقلات النوعية فى مشوار / محمد نجيب . وكذلك لإضافة نحات مبدع تحمل أعماله مذاقا مغايرا ذو خصوصية شديدة وتميز ملفت . كما أنها واحدة من التجارب التى تطمئننا بأن ا?نامل المصرية أبدا لم تفقد براعتها ولن تفقدها ..ما دام هناك مثل هؤلاء المبدعين من أبناء هذا الجيل الشاب الواعد أمثال محمد نجيب وأحمد قشطة والرائع أحمد عبد الفتاح وإسلام عبادة ومحمد عباس وماجد ميخائيل وكمال الفقى وغيرهم مما لا يتسع المقال لذكرهم .
وقد اتخذت تجربة الفنان / محمد نجيب تلك الصفة المختلفة من جراء إتخاذه لخامة الخشب عنصر رئيسا ومكونا لكتلة النحت لديه. وربما جاء ذلك من جراء تأثره بأستاذه الفنان الكبير / طارق زبادى . والذى جاء تأثره به فى وضوح شديد ولكن بمغايرة فى التناول . وإذ أعتبر نجاح محمد نجيب فى إستخدام خامة الخشب هو إنعكاس فى للدور التربوى للفنان / طارق زبادى . الذى إستطاع أن يمرر حب الخامة ويصدر إمكاناتها وأسرار إظهار جمالها لتلميذه / محمد نجيب . والذى نجح فى تناول الكتلة بصورة مغايرة لتناول أستاذه الفنان / طارق زبادى لها . ونجح فى مزجها بخامات حجرية نبيلة .أضفت على أعماله تلك الحالة من الثراء والدسامة المغلفين بفخامة .
وتأتى أهمية تجربة / محمد نجيب حيث أنها حظت بممارسة خطوتها الهامة والتى يصاحب المقال جانبا من منتجها . حظت تلك التجربة بانها قد خطت تلك الخطوة فى أحد معاقل الكبار . وهى منطقة ( كرارة ) الإيطالية الشهيرة والتى تعد واحدة من أهم معاقل النحت فى العالم . وبالتحديد فى إستديو ( نيكولى ) . وهو واحد من أقدم وأعرق الإستديوهات فى كرارة . والذى يعود تاريخ إنشائه إلى العام 1835م . وأسسه ( كارلو نيكولى ) ذلك الأستديو الذى شهد توافد العديد من فنانى ونحاتى العالم الكبار أمثال هنرى مور . ولم يغفل نجيب تلك الفرصة وأظهر هذا الإجتهاد الذى لفت نظر ( فرنشيسكا نيكولى ) مديرة ا?ستديو وهى واحدة من نقاد الفن ولها العديد من المؤلفات النقدية . فقد وجدت فى أعماله . تلك الحالة المغايرة والمختلفة . فشجعته بشكل كبير .
وقد أسهمت درجة الدكتوراة التى حصل عليها نجيب من أكاديمية كرارة إسهاما كبيرا فى مواصلة نجيب لتجربته .بل ودعمت جانب التطور الملحوظ فيها .
وبالعودة لأعمال الفنان / محمد نجيب . فسنجدها كما ذكرت تحمل ذلك الطابع المختلف . وهذا المزج الذى أكسبها طابعها المميز والذى يلعب دورا كبيرا فى مداعبة حب الفضول والإختلاف لدى المتلقى . وعلى الرغم من أن المعاصرة التى تناول بها / محمد نجيب وإنتهجها فى التعامل مع منجوتاته نجدها محملة بتلك الصبغات ذات ا?صالة والتى نوعها محمد نجيب وأستقاها من تلك التجارب الفنية والموروثات العقائدية التى زخرت بها العديد من الحضارات . وقد عكست أعماله مدى التأثر بالفن القوطى وعمارته بشكل عام . وما عكسه هذا الفن الأوروبى على العمارة والزخارف فى الفترة مابين القرن الثانى عشر والقرن الخامس عشر الميلاديين وتطور هذا الفن من عصره المبكر فى فرنسا . إلى عصره المتأخر فى ألمانيا وإيطاليا . وأعتقد أن أكثر ما تأثر به / محمد نجيب هو ذلك الجانب المعمارى لهذا الفن والذى ظهر بجلاء فى تلك الحلول الزخرفية على أجساد شخوص المنحوتات لديه . وتوظيفه لتلك الحلول للأبواب والنوافذ وكأنه يعتبر كل جسد هو عمارة قائمة بذاتها لها أبوابها وتتخللها نوافذها . فباتت منحوتاته تحمل هذا الطابع المعمارى للفن القوطى والذى تطور وانتشر فى أركان أوروبا على مر ثلاثة قرون .وقد أكسبته زياراته للعديد من بلدان أوروبا تلك الفرصة لمشاهدة نماذج معمارية نجح فى صياغة ما يتناسب منها مع جملة مفهومه وطرحة فى منحوتاته .
ولم يغفل نجيب فى أعماله تلك المسحة للفن القبطى والرومانى وتلك الحالة ا?يقونية والتى يلحظها المتابع لأعماله . وقد نجح لحد كبير فى تلك المرحلة الحالية فى أن يجتذب ولع المتلقى بتلك الأساليب القديمة . ولكنه إستطاع أن يصوغها بصورة تحمل حداثة دفينة تنضح على سطوح منحوتاته إذا ما تناولها المتلقى بدرجة من التأنى .
وقد لعب المزج بين خامة الخشب وخامات الحجر . ذلك المزج الذى يحرص / محمد نجيب على الحفاظ على تواجده فى منحوتته حيث أصبحت البورتريهات الخاصة بمنحوتاته معظمها من الحجر وبات الجسد والشعر من خامة الخشب التى تربى نجيب على العمل من خلالها . وربما كان تواجد خامة الحجر فى البورتريه الخاص بأعماله هو نتيجة لذلك الإحتكاك والتواجد بإستديوهات كرارة وما لذلك من إنعكاس يحرك الملكات لدى المبدع من ممارسة العمل بتلك الخامات الحجرية النبيلة . وما تحدثه من ثراء فى العمل . يشعر الفنان نفسه قبل أن يشعر المتلقى بقيمة ما بين يديه من كتلة . وقد نجح محمد نجيب فى تنويع تلك الخامات الحجرية سواء على مستوى التكوين الجزيئى أو سواء على مستوى إختلاف اللون لكل حجر منهم . بما ينعكس على التوظيف لتلك الاحجار داخل منحوتاته .
وقد إستعان / محمد نجيب بذلك الحجر الجيرى ا?لمانى ا?سود . وكذلك بأنواع رخام كرارة ك( ال?ستتوارى ) والرخام ( الروز ) البرتغالى . ورخام ( الفونسيدل ) . ولم تخلو منحوتاته من احجار بركانية كالجرانيت ( الجبرو ) . وجميعها ذات ألوان تمتد ما بين الأبيض وتنحدر نحو ا?سود . بما يتناسب
مع ألوان البشرة التى تتنوع من بلد إلى بلد ومن مناخ إلى مناخ . وقد جاء توظيفه لها غاية فى التوفيق .
أما ا?خشاب . فقد نوعها من مصادر عديدة وإنتقى أجودها . وتلك النوعيات التى تخدم العمل . فمنها ما هو من أخشاب إيطالية ك( الكاستنيا و التالبو ) وأخشاب ألمانية ك ( الكرايز ) وكذلك الخشب القبرصى .وخشب الأكاسيا . وجميعها تصنف من ا?خشاب الجيدة والتى وظفها فى منطقتى الجسد والشعر لشخوص منحوتاته . فأتت بمغايرة فى التناول . ومنحته تلك المساحة من الحرية فى التعامل معها بالحذف السهل .كما أتت ا?خشاب بمثابة السطوح التى تلعب فيها ا?لوان دور البتينة والتى تعامل معها / محمد نجيب برصانة من غير إفراط لا حاجة له . ولعبت أوراق الذهب دورا فى بتائنه وألوانه . ذلك التعامل الذى أكسب أعماله تلك الحالة من الدسامة والثراء والفخامة . وقد تضافرت خاماته المتنوعة وعكست مدى ما بذله / محمد نجيب من جهد وإخلاص وإيمان بما يقدمه دون الإلتفات إلى ما إستهجنه البعض فى البداية من إستخدامه لخامة الخشب ممزوجة بخامة الحجر. وهو أحد ا?ساليب التى لجأ اليها المصرى القديم . وقد نجح / نجيب فى النهاية فى إنتزاع إحترام كثيرا ممن انتقدوا أسلوبه فى بداياته . وكذلك فى كسر القاعدة فى التعامل مع كتلتين أحدهما عضوية كالأخشاب . والثانية كتلة طبيعية لعب فى تكوينها كيمياء الأرض دورا كبيرا كالكلس الجيرى وحجر الجرانيت البركانى .
وقد أصبحت منحوتات / محمد نجيب واحدة من المنحوتات التى نراها فى العديد من قاعات العرض الأوربية . .كجاليرى إس فى روما وهو نفس الجاليرى الذى يعرض أعمال الفنان الشهير ( ديكريكو ) و جاليرهات ( لا لنكا - لاوسفولت - إيروك ) فى هولندا . وجاليرى ( رى أرت ) فى فينا . وكذلك قاعة متحف ( كيتى سويت ) بأسبانيا .
إن تجربة الفنان /محمد نجيب معين . واحدة من التجارب المتألقة والتى تسير بخطى واثقة . وتكسب خطوات هامة . كما أنها واحدة من التجارب التى لم
يحدث لها تلك الصدمة ا?وربية التى تحدث للكثيرين . ورغم لجوئها لمفردات أوروبية إلا أن جينها المصرى قد طغى عليها . وأنعكس ذلك من خلال ما يقوم به من مزج خاماته بما يخدم عمله . مستندا على ما كان من باع للنحت المصرى القديم فى ذلك الأسلوب . لقد إستطاع / محمد نجيب أن يطور من تجربته خلال تلك الفترة المنقضية بصورة كبيرة وبدرجة عالية من التعامل مع مستحدثات التقنية التى نجح فى توظيفها لصالح منتجه . وقد يقصر المقال عن الإستفاضة فى تلك التجربة الهامة والمميزة والتى تحمل مقومات عديدة للتقدم والتطور إذا ما ثابرت على المضى فى نفس الدرب . ولا أجد وصفا لها افضل من كونها ( التجربة القابلة للتطوير )
يولية 2015.