علي مهيب في آخر حوار قبل رحيله: الرسوم المتحركة .. هي التجربة الإنسانية التي تسير عكس اتجاه التاريخ!
حوار/ حسام حافظ
عرفت مصر الرسوم المتحركة منذ سنوات طويلة، كانت المحاولة الأولى للراحل أنطون سليم، بعدها بدأت تجارب الأخوين حسام وعلي مهيب حتى تم افتتاح التليفزيون قبل أربعين عاما، هنا تبدأ التجربة الحقيقية لفن الرسوم المتحركة في مصر، والتي أثمرت فيلما وحيدا، وعشرات الإعلانات ومقدمات الأفلام الروائية.
الفنان الكبير الراحل علي مهيب أحد اثنين قام على أكتافهما فن الرسوم المتحركة في مصر، رحل شقيقه حسام مهيب منذ سنوات، وأكمل على الرحلة وحيدا مع ألوانه وشخصياته الكرتونية.. كرم اسمه مهرجان فنون دول البحر الاحمر السويس فى أكتوبر الماضى وكان هذا الحوار قبل رحيل علي مهيب بفترة . . قبل اللقاء بحثنا في أوراق علي مهيب، وسألته عن تجربته في الماضي، ورأيه فيما تقدمه هوليوود، والاستخدام الواسع للكمبيوتر، ورؤيته لمستقبل الرسوم المتحركة في مصر .. وكان هذا اللقاء:
بدأت علاقتك بفن "الرسوم المتحركة" في فترة مبكرة .. كيف كانت البداية؟ وكيف كان المناخ الذي شهد ميلاد هذا الفن الجديد؟ أحب في البداية الإشارة إلى أن الرسوم المتحركة فن قديم، ظهر في أوروبا قبل اختراع السينما، بل قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي الذي ظهر عام 1835 بينما تحركت الرسوم عام 1832 على أقراص، ثم استمر في فترة حمل طويلة .. حتى تم أول عرض رسوم متحركة على الجمهور في أكسفورد ستريت عام 1896، وهو نفس العام الذي شهد أول عرض سينمائي في الجراند كافيه في باريس.
شلت الشخصية الكرتونية العربية البديلة لميكي ماوس .. لأن الموضوع هو الذي يصنع الشخصية وليس العكس | أما عندنا في مصر، فالكل يعلم تجربة أنطون سليم وشقيقه في الأستوديو الخاص بهما، لكنها بالتأكيد كانت تجربة ناقصة، لسبب بسيط وهي إنها لم تثمر عملا فنيا متكاملا، وأذكر أن التليفزيون في بدايات إرساله اشترى آخر أعمال الفنان الراحل أنطون سليم، لكنه لم يتمكن من إذاعتها لأنها لا تصلح هندسيا للعرض.
أما بالنسبة لتجربتي أنا وأخي المرحوم حسام مهيب، فهي تجربة مبكرة بالفعل، بدأت أيام دراستي في كلية الفنون الجميلة عام 1957، وبتشجيع من أستاذي د. يوسف سيده، وهو أول من أمسك بيدي ووضعها على الرسوم المتحركة، وكان من الجرأة بحيث شجعنا على الرسوم المتحركة دون أن نتسلم أي معلومة من جيل سابق لهذا الفن في مصر، باختصار بدأنا من الصفر، لكن المناخ الذي كان سائدا في تلك الفترة كان يجعل ارتياد فنا جديدا، بمثابة عملا من الأعمال الوطنية ..
معنى ذلك إنك وشقيقك بدأتما العمل في الرسوم المتحركة قبل بدء الإرسال التليفزيوني عام 1960 .. ما الذي جعلنا نعتبر التليفزيون هو الأب الروحي لمدرسة الرسوم المتحركة في مصر؟ لأن التليفزيون احتضن تجربتنا الوليدة، والفضل في ذلك يعود إلى المهندس الراحل صلاح عامر والوزير الأسبق محمد عبد القادر حاتم، فهما اللذين ساعدانا في تأسيس قسم الرسوم المتحركة داخل التليفزيون، وكانت هذه هي "فرصة العمر" لي ولشقيقي المرحوم حسام مهيب، حتى نتمكن من تنفيذ أفكارنا في الرسوم المتحركة لترى النور، ويعلم الناس أن هناك مصريون يستطيعون عمل شئ في هذا الفن الجديد علينا في مصر والمنطقة العربية. ولولا التليفزيون كان من الصعب عمل شئ مهم، بالتالي يكون التليفزيون بحق هو الأب الروحي للرسوم المتحركة في مصر.
هل تحدثنا عن الأعمال التي أنجزها الأخوان مهيب خلال الفترة من 1961 حتى 1968 عندما تركتما العمل في التليفزيون نهائيا؟ تلك الفترة التي أشرنا إليها، كانت في غاية الأهمية بالنسبة إلينا، وبالنسبة لفن الرسوم المتحركة بشكل عام، بدأنا بصنع أفلام قصيرة مدتها دقيقة أو دقيقة ونصف، وهي المعروفة باسم "Fill ins" لأن الانتقال من برنامج إلى آخر، كان يحتاج إلى ملء فراغ ما بين البرامج بمادة تعتمد على التحريك، وكنا نبتكر أفكارا طريفة. في تلك الفترة أيضا ساهمنا في تشكيل فريق عمل ممتاز من شباب الفنانين في ذلك الوقت أذكر منهم: رضا جبران ومحمد حسيب ونصحي إسكندر وزكريا عجلان وماهر نصار ودولار حسني.
وكنا نستخدم الرسوم المتحركة في مقدمات البرامج الخفيفة وبرامج المنوعات، حتى قمنا بإخراج أول فيلم رسوم متحركة مع السينما الحية، وهو فيلم "الخط الأبيض" من بطولة نيللي وماهر العطار، وكان مدته 25 دقيقة، كان ذلك عام 1965، ومثل هذا الفيلم مصر في مهرجان التليفزيون الدولي عام 1965 بالإسكندرية وحصل على الجائزة الأولى.
هل تذكر الموضوع أو الفكرة التي قام عليها هذا الفيلم؟ بالتأكيد .. كانت فكرة بسيطة، نيللي تنتظر حبيبها تحت الشجرة، وفي نفس الوقت توجد مجموعة من الطيور فوق هذه الشجرة، الحبيب يتأخر عن موعد حبيبته، وتتكلم نيللي مع الطيور ومع الشجرة، والجميع يحاولون الإجابة على سؤال واحد: هل سيأتي الحبيب أم لا؟
وقامت نيللي بالغناء ومعها الطيور (كورال) .. حدث هذا لأول مرة في مصر، مزج بين الرسوم المتحركة والسينما الحية.
في تلك الفترة أيضا وبالتحديد عام 1966، بدأنا في عمل مقدمات الأفلام المصرية بالرسوم المتحركة، أفلام لفطين عبد الوهاب وصلاح أبو سيف وحسن الإمام وكمال الشيخ وآخرين .. وأنا أعتقد أن السينما جاءت إلينا بفرحة كبيرة عندما بدأنا في عمل مقدمات الأفلام بالرسوم المتحركة لأننا كنا في تلك الفترة نعاني من إحباطات كثيرة في التليفزيون، وبعد حصولنا على الجائزة الأولى في مهرجان التليفزيون، للأسف لم نجد أي تقدير، عملنا أيضا في ذلك الوقت في إخراج الإعلانات .. والحقيقة أن إعلانات التحريك في تلك الفترة، كانت أعمالا فنية راقية، نصورها سينما 16 ملليمتر مثل "علي بابا" عام 1968، و"ست الحسن" 1970، و"العصفور النونو" 1972 وإعلانات تنظيم الأسرة "أنظر حولك" 1979 و"علاء الدين" 1985.
أسماء الأفلام القصيرة التي ذكرتها تجعلني أسألك .. لماذا ترتبط الرسوم المتحركة عند الكثير من المشاهدين بسينما الأطفال؟ لأن أفلام الكارتون الضاحك (Funny cartoon) هي أكثر أنواع الرسوم المتحركة تداولا، طبعا الإمكانيات الضخمة لديزني لاند، والشهرة الكبيرة لشخصية ميكي ماوس .. كل ذلك ساهم في أن يكون هذا النوع من الرسوم هو الأشهر والأقرب للناس، حتى صارت كلمة "ميكي ماوس" مرادف لفن الرسوم المتحركة عند الكثير من عامة الناس.
عندما تدخل "ديزني لاند" في الولايات المتحدة، تجد الشعار الضخم مكتوب "السعادة للجميع"، لأن الأب والأم يصطحبان أطفالهما والجميع يشعرون بالسعادة مع الشخصيات الكارتونية الشهيرة البطة ماكدونالد وودي بيكر (نقار الخشب) وطبعا توم وجيري .. إلخ
وبمناسبة الحديث عن الأطفال، أقول أنه ليس هناك أفضل من الرسوم المتحركة في مجال التعليم والإيضاح والشرح، .. في أوروبا وأمريكا انتبهوا لهذه الخاصية واستغلوها، لكننا للأسف لم ننتبه حتى الآن إلى ذلك، هل تستطيع وزارة التعليم أن تنفق ما يساوي ميزانية الدعاية لشركة الكوكاكولا على سبيل المثال .. مستحيل بالطبع .. لأن تعليم الأطفال بالرسوم المتحركة مكلف جدا، لكنه وسيلة ناجحة وفعالة وتأتي بنتائج ممتازة في مجال تعليم الأطفال، أقولها صراحة نحن مقصرون في استخدام الرسوم المتحركة، رغم وجود فنانين وفنيين على مستوى عالي.
استخدمت هوليوود الرسوم المتحركة في صنع أفلام روائية مثل "مصباح علاء الدين" و"الأسد الملك" وأخيرا في فيلم "أمير مصر" .. بماذا تفسر لجوء هوليوود إلى استخدام الرسوم المتحركة في سرد قصة مثل خروج اليهود من مصر؟! يجب أن نتفق في البداية، أن الرسوم المتحركة لها أسلوبها الشيق والجذاب في توصيل المعلومة، .. فيلم "أمير مصر" كان من الممكن تقديمه بممثلين حقيقيين وليسوا رسوما، لكنهم - في هوليوود - يهتمون كثيرا جدا بما يسمونه "الوافدين الجدد" الذين نطلق عليهم هنا الأجيال الجديدة، فهي أفلام موجهة بشكل عام
هوليوود تستخدم الكارتون في تقديم "المعلومة المغلوطة" بأسلوب جذاب.
| للمشاهد العادي، وللطفل بشكل خاص حتى يزرعوا في داخله الأفكار التي يريدونها، وهم في هذه الحالة يقدمون "المعلومة المغلوطة" بأسلوب جذاب، وخطورة السينما إنها فن يعيش في المستقبل، ويتجدد تأثيره كلما تم عرضه على الأجيال الجديدة.
وهل استخدام الكمبيوتر "جرافيك" ساهم في تطوير السينما التي تعتمد على الرسوم المتحركة ..؟ بالتأكيد .. هذه تكنولوجيا جديدة أحدثت "قفزة" هائلة في فن الرسوم المتحركة، سواء الكمبيوتر "جرافيك" الذي يستخدم البعدين أو الذين يستخدم الثلاثة أبعاد (المجسم)، وأذكر أن أول فيلم استخدمت فيه هوليوود الرسوم المجسمة كان "حكاية دمية" وتكلف إنتاجه 30 مليون دولار لكثرة الفنانين والفنيين الذين عملوا به، لكن بالطبع كان العائد بمئات الملايين من الدولارات، والمقولة القديمة التي تقول أ
|