القاهرة 30 يوليو 2015 الساعة 01:14 م
إذا أردنا التقدم للأمام لا بد من النزول للناس ... إذا أردنا أن ننفض تراب التخلف ونهزم خفافيش الظلام لا بد من النزول لساحة النزال ...
نعم تركنا الشارع لسنوات طويلة حتى سكنة أعداء الحياة وبثوا فيه سمومهم ... لكن المفاجأة أن الناس مازالت بخير وتتعطش لكل ما هو حقيقى وجاد... نعم الأزمة كبرى ومتشعبة لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ...نعم الغلاء والجوع والبطالة واليأس والإحباط .. الخ... جبال من المتاريس يتمترس خلفها كل أعداء الحياة الآن ...والاقتصاد هو الحصان الأسود .....لكن لن تنجح كل محاولات الإنقاذ إذا لم تكن الثقافة فى المقدمة ...الفكر المتطرف والظلامى لن يقضى عليه من الجذور إلا الفكر المستنير ... مواجهة أعداء الحياة لن تكون إلا بحب الحياة ....مواجهة خفافيش الظلام لن تكون إلا ببحار النور ...مواجهة التخلف لن تكون إلا ببث الوعى ...وكل هذه المواجهات سلاحها الثقافة .
لذلك حاولت أن أخوض المعركة فى السيدة زينب ...والحمد لله نجحت المغامرة فى النزول للشارع وسط تهديدات الإرهاب من كل جانب ..
الحمد لله بدأت رحلة المواجهة وما أصعب المواجهة حين يكون السلاح هو الفكر ..ما أصعب المواجهة حين تكون المواجهة مع عدو مستتر خلف فكر متحصن بنصوص متشددة لا علاقة لها بالدين الصحيح وفى نفس الوقت تتحدث باسمه ...
كانت الثمار والنتائج والحمد لله مرضية إلى حد ما حين خضت من خلال مجلة مصر المحروسة الإلكترونية ووزارة الثقافة ممثلة فى هيئة قصور الثقافة التجربة الصعبة بإقامة مقهى ثقافى فى قلب الشارع .. فى قلب السيدة زينب ..فى رحاب شهر رمضان أقيم "مقهى مصر المحروسة " من 8 رمضان إلى 22 رمضان ( 25 يونيو -9يوليو2015 ) من التاسعة مساء حتى الواحدة صباحا ).. على مقهى حقيقى وفى منتصف واحد من أعرق شوارعها وهو شارع خيرت الذى يربط بين شارع المبتديان وميدان لا ظوغلى ..
وما أصعب المواجهة مع فكر يتمترس وراء جبال من الفقر والجهل والمرض بالانتقال للمواطن البسيط من خلال إقامة حوارات سياسية وثقافية وفكرية وأمسيات شعرية وأنشطة فنية..
وكانت الرغبة قائمة لبث فاعلياته مباشرة على شبكة الإنترنت لننقل بذلك صورة حقيقية عن تفاعل رجل الشارع والمواطن البسيط بالقضايا الثقافية ثم بثها إلكترونيا على الهواء مباشرة من خلال شبكة الإنترنت والفيس بوك للوسط الثقافى المصرى أولا ،وللعالم العربى من جهة ثانية ، و العالم الخارجى من جهة ثالثة لتقديم الصورة الحقيقية للثقافة المصرية فى محاولة منّا لإثراء القوة المصرية الناعمة فى محيطها العربى والإقليمى .
وتم تسجيل أكثر من 13 سهرة للمقهى تتراوح مدتها من ساعتين إلى 3 ساعات وتم رفعها على شبكة الإنترنت الآن ليشاه
دها جمهور الإنترنت فى كل أنحاء العالم لنقدم صورة حقيقية عن أجواء شهر رمضان فى مصر من جهة
ومن جهة ثانية نرسخ للعالم صورة أخرى مغايرة لما يحاول بثه أعداء الحياة عن مصر وأهلها ... باختصار نقول للعالم كله إن مصر بلد الأمن والأمان حتى نجذب ملايين السائحين بدليل إقامة مثل هذا النشاط فى الشارع وعلى الرصيف وفى قلب واحد من أعرق الأحياء المصرية فى قلب العاصمة المصرية ..
الكل حذرنى وكلما زادت التحذيرات زاد تصميمى ... كلما زادت العراقيل أيقنت أن النجاح سيكون حليفى لأن النجاح الصعب له مذاق أجمل.. وما أجمل أن ترى الفرحة فى عيون رجل بسيط وهو يستمع للغناء والموسيقى والحوار ..
نعم البداية كانت محفوفة بالمخاوف ومحاطة بالخطر .. وبدأ جس النبض فى الليلة الثانية وكان شباب السيدة زينب حائط الصدّ إلى جانب رجال أمن هيئة قصور الثقافة ومديرية أمن القاهرة وقسم شرطة السيدة زينب ...وسرعان ما بدأ التجاوب الذى وصل فى النهاية لمطالبة الأهالى بإقامة المقهى إسبوعيا أو شهريا على أقصى تقدير بعد شهر رمضان..ما أجمل الاحتماء بالشارع .. ياه على دفء الناس البسطاء !!
نعم حالت الظروف الأمنية دون إقامة لقاءات فكرية مع بعض الوزراء الذين رحبوا بالمشاركة ومنهم د. عبد الواحد النبوى وزير الثقافة وخالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة واللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية ود. جلال السعيد محافظ القاهرة ومع ذلك كان غيابهم سببا فى ارتفاع الإقبال الشعبى وكان العائد الثقافى والسياسى مرضيا لحد كبير ...
وكانت كل ليلة من ليالى المقهى محتفية بنجم كبير فى سماء الفكر والفن والإبداع كضيف للشرف ، أو بموضوع أو قضية ك
بيرة كانت هى ضيف الشرف من خلال ضيوف المقهى وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• كانت حرب أكتوبر العاشر من رمضان وانتصارات الجيش المصرى هى ضيف الشرف فى 10 رمضان من خلال الاحتفاء باللواء عبد المنعم سعيد محافظ السويس وشمال وجنوب سيناء .. الخ الأسبق وأحد المشاركين بالتخطيط وواحد من عشرة ممن عرفوا موعد حرب أكتوبر وكان الذراع الأيمن للمشير الجمسى فى غرفة العمليات مع أنور السادات وأفصح عن أسرار كثيرة عن الحرب وشاركه فى الليلة اللواء سامح أبو هشيمة أحد أبطال الصاعقة المصرية .
كانت هموم صاحبة الجلالة هى ضيف الشرف فى إحدى الليالى من خلال استضافة يحى قلاش نقيب الصحفيين وفهمى عنبة رئيس تحرير الجمهورية وعماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق وجيلان جبر الكاتبة الصحفية .. وكانت اعتراضات نقابة الصحفيين على مشروع قانون مكافحة الإرهاب والصحافة الخاصة والقومية بمشاكلها وتدخلات الحكومة ورجال الأعمال فى سياساتها التحريرية هى البطل فى ليال أخرى
• ماذا يحدث فى سيناء ؟ .. كان المدخل غير المباشر للحديث عن الإرهاب من خلال استضافة الخبير الأمنى خالد عكاشة والخبير الاستراتيجى د. سعد الزنط
• الفن الشعبى والسينما والمسرح والقضية الفلسطينية كانوا ضيوف الشرف فى أكثر من ليلة من خلال استضافة عبد الرحمن الشافعى وماجدة موريس وعمرو دوارة وعبد العال الباقورى للحديث والنقاش مع وجود أكثر من فرقة من الصعيد ووجه بحرى وفى
المقدمة فرقة النيل للإنشاد الشعبى فى أكثر من ليلة
• ومن الشخصيات الثقافية والفنية التى كانت ضيوف الشرف فى بعض الليالى الأخرى د. عماد الدين أبو غازى وزير الثقافة الأسبق ود. مصطفى الرزاز وشاعر العامية الكبير زين العابدين فؤاد والكاتب عبد العال الباقورى وعزة بلبع .. الخ
وازدانت الليالى بمجموعة متنوعة من شعراء العامية وشباب الفنانين التشكيليين والديكور والباحثين من مختلف الأجيال والغلبة كانت للشباب وتم المزج بين الحوارات الفكرية والغناء والموسيقى والإنشاد الدينى الذى امتزج بالترانيم الكنسية فى مزج نادر للفنون ...
وكانت المغامرة كيف استطيع جذب رجل الشارع البسيط للاستماع لجماليات الفن التشكيلى وهموم السينما والمسرح والشعر والسياسة والصحافة .. الخ من قضايا صعبة على المتلقى البسيط .. وكانت الوصفة السحرية فى نموذج برنامج التوك شو الثقافى التليفزيونى حتى نكسب الجمهور ونقدم له الفكر مغلفا بالفن والغناء والموسيقى حتى لا ينصرف عنا الجمهور .. وتبنيت مرغما وجهة النظر الأخرى فى النقاشات والحوارات لتكون سببا فى سخونة الحوارات ومنحها جاذبية للمواطن البسيط..وللترويج لاحترام الاختلاف ..
والحمد لله نجحنا ...
والفضل كل الفضل لمن آمن معى بالفكرة وخاض معى التجربة أقصد المعركة ، من داخل قصور الثقافة الصديق محمد عبد الحافظ ناصف رئيس قصور الثقافة والفنان التشكيلى خالد سرور .. ومن بعد كان يراقب التجربة ومعجبا بها ومشيدا بها د. عبد الواحد النبوى وزير الثقافة ..
لكن الفضل الأكبر لمن نزل معى لساحة المعركة من عشرات الشعراء والكتاب والفنانين الذين ذكرت بعضهم ولا يتسع المجال لذكرالباقى لكن الكل موجود بالصوت والصورة على الإنترنت ..والصورة م بتكدبش !!
شكرا لوزير الداخلية ومدير أمن القاهرة ومأمور قسم شرطة السيدة زينب ورجال المباحث هناك الذين أدركوا أن الثقافة نزلت أخيرا لميدان المعركة معهم !!
هامش
• لو كان لدينا إعلام مهنى بحق وحقيقى لكانت سيمفونية حفر قناة السويس الجديدة تعزف فى كل مكان ، ليس على أرض مصر فحسب ولكن فى جنبات العالم كله لمواجهة الصهيونية الأمريكية لتفتيت العالم إلى بؤر مشتعلة ... باختصار يرد الفراعنة على أعداء الحياة بحفر شريان للحياة والتواصل بين بلاد العالم من أجل التقدم ...!!
• هل عسكرة الحياة المدنية هو السبيل الوحيد لعودة الانضباط لدولاب العمل حتى نتقدم للأمام ولو لخطوات ؟ ... للأسف الشديد لا أجد سواه طريقا بعد الترهل الواضح فى سوق العمل فى مصر والأمر لا يتعدى دواوين الحكومة فحسب بل الشارع المصرى كله ... !!
• قد يكون الموت بداية حياة جديدة لا نعرفها .. لكن الكارثة والعذاب الذى لا يطاق أن تكون الحياة عبارة عن رحلة موت نشاهد فصولها أمامنا وببطء شديد !!
• كثير من الموتى أحياء بيننا وكثير من الأحياء حولنا .... أموات أموات
• ليت الموتى يتكلمون حتى يخرس الكثير من الأحياء
yousrielsaid@yahoo.com